Back

تحدي بناء الدولة في خضم ديناميات سياسية معقدة B

مقدمة: بعد مرور عقدين على عام 2003 – لا يزال تعريف الدولة قيد التشكل

جمعت هذه الجلسة الحوارية عمار الحكيم، زعيم حركة الحكمة، في حوار مع فؤاد أحمد، رئيس مركز أبحاث البرلمان الكردستاني، للنظر في مسيرة العراق في عملية بناء ومأسسة الدولة. استعرضت المناقشة التحولات الطويلة التي حدثت بعد عام 2003، بما في ذلك انهيار الأمن والتوترات الطائفية والفساد والنزاعات بين الحكومة الاتحادية والإقليم، وتساءلت عما إذا كان العراق لا يزال عالقًا في تلك المرحلة المبكرة من الاضطراب أم أنه انتقل أخيرًا إلى مرحلة جديدة نوعيًا.

منذ البداية، وصف الحكيم عام 2003 بأنه انتقال بنيوي وليس مجرد انتقال سياسي: الانتقال من ديكتاتورية شمولية أحادية الحزب إلى نظام ديمقراطي تعددي في مجتمع يتسم بتنوع عميق من حيث العرق والطائفة والدين والقبيلة والمنطقة. ورأى أن هذا النوع من التغيير البنيوي يقتضي دائماً وقتاً طويلاً. لذلك، اتسمت السنوات العشرين الماضية بأزمات أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية متداخلة، تفاقمت بسبب عدم اليقين الإقليمي والدولي بشأن النظام العراقي الجديد في قلب الشرق الأوسط.

على الرغم من هذه الاضطرابات، قال الحكيم إن الانتخابات المقبلة في عام 2025 تمثل بداية مرحلة جديدة. وإذا كانت انتخابات عام 2005 قد ”أسست الديمقراطية“، فإن انتخابات عام 2025 تهدف إلى إرساء ”استقرار مستدام“. ووفقاً لتفسيره، فإن السنوات الأخيرة تظهر أولى بوادر الانتقال من حالة عدم الاستقرار المزمنة إلى حكم أكثر استقراراً: مزيد من الانتظام السياسي والاجتماعي، وتسريع وتيرة إعادة الإعمار والتنمية مقارنة بالفترات السابقة، وتحسن العلاقات الإقليمية والدولية للعراق، حتى في ظل الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية الشديدة.

السيادة والتأثير الخارجي: مركز أقوى، وتدخل أقل

ورداً على سؤال حول ما إذا كان العراق قد نجح في تحقيق التوازن بين سيادته في اتخاذ القرارات وشراكاته الإقليمية والعالمية، قدم الحكيم مبدأً بسيطاً ولكنه معبراً: كلما كانت الدولة ومؤسساتها أقوى، كلما أصبح التدخل الخارجي أضعف؛ وكلما كانت الدولة أضعف وأكثر هشاشة، كلما كان التدخل الأجنبي أعمق.

وبالنظر إلى عام 2003، أقر بأن العراق شهد تدخلات خارجية كبيرة في عمليته السياسية. فلم تكتفِ الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية بالمراقبة، بل سعت إلى ”الدخول في التفاصيل“: تقديم المشورة، والضغط على القوى السياسية، وتشجيع مواقف معينة. لكنه يعتقد أن هذا النمط قد تراجع بمرور الوقت. اليوم، عندما تجتمع القوى السياسية العراقية لوضع قوانين انتخابية أو التفاوض على تحالفات أو تحديد المرحلة التالية، فإنها تفعل ذلك بشكل متزايد وفقاً لتصوراتها الخاصة للمصلحة وليس استجابة لتفضيلات أجنبية.

كما أشار الحكيم إلى أن الجهات الفاعلة الخارجية نفسها قد عدلت نهجها. ففي حين سعت بعضها في السابق إلى التأثير على التفاصيل السياسية اليومية في بغداد، فإن موقفها الجديد أكثر تحفظاً، ويظهر احتراماً أكبر للوكالة العراقية. هذا لا يعني أن المصالح الإقليمية والدولية قد اختفت، ولكن أن التماسك الداخلي في العراق قد قلل تدريجياً من مساحة التدخل الخارجي في التفاصيل الصغيرة. ومع ذلك، قد يكون التغيير في المشهد قد أدى إلى انخفاض ظهور التأثير الخارجي، ولكن ليس بالضرورة قوته. فقد يتخذ التأثير الخارجي مسارات خلف الأبواب المغلقة بدلاً من الإملاءات العلنية، مما يشير إلى تحول في المشاركة، وليس انسحاباً منها.

السلطة الداخلية والجهات الفاعلة غير الحكومية والتكامل التدريجي

مع استمرار النقاش، أثار فؤاد موضوعاً حساساً ومتكرراً: وجود قوى داخلية ”خارج سيطرة الدولة“ كثيراً ما تذكرها وسائل الإعلام والمراقبون الدوليون كعقبات أمام اتخاذ القرارات الموحدة. لم ينكر الحكيم وجودها، لكنه شدد على أن هذه الجهات الفاعلة أصبحت تنجذب بشكل متزايد إلى النظام السياسي والاقتصادي الرسمي.

وأشار إلى أن العديد من الجماعات التي كانت توصف في السابق بأنها ”خارج الدولة“ تشارك الآن في الانتخابات، وتظهر في القوائم الرسمية، ولديها هياكل حزبية ومصالح اقتصادية. ولأن لديها ما تحميه، من تمثيل سياسي ومصالح اقتصادية ونفوذ محلي، فإنها تحفز تدريجياً على الانضمام إلى النظام المؤسسي والأطر القانونية الناشئة. ويرى الحكيم أن الاتجاه إيجابي: المزيد من الاندماج، والمزيد من التقارب مع مشروع بناء الدولة، واستعداد أكبر للعمل من خلال القنوات الرسمية. ومع ذلك، فإن رؤية الحكيم لهذا المسار قد تكون اندماجاً وظيفياً، وربما مبالغاً في تقدير مدى ترجمته إلى التزام معياري بسيادة القانون.

الفيدرالية والدستور والحاجة إلى قراءة ناضجة

ثم انتقل النقاش إلى النظام الفيدرالي في العراق والدستور باعتباره العقد الاجتماعي الأساسي. أشار فؤاد إلى أن العراق التزم بصرامة بالجداول الزمنية الانتخابية، حيث عقدت الدورة البرلمانية السادسة في موعدها المحدد، لكنه أخفق في التنفيذ الكامل للعديد من الأحكام الدستورية، لا سيما تلك التي تشكل العلاقات بين المركز والمناطق والمؤسسات الفيدرالية مثل مجلس الاتحاد.

ووصف الحكيم الدستور بأنه عقد اجتماعي يجسد إرادة ومصالح وتوجهات العراقيين في لحظة تاريخية معينة. وجادل بأن كل طرف كان يميل خلال العشرين عاماً الماضية إلى التركيز على المواد التي تضمن حقوقه، بينما يتجاهل تلك التي تفرض التزامات تجاه الآخرين. فالأكراد والعرب والسنة والشيعة والمكونات الأخرى يسلطون الضوء على بنود دستورية محددة، وغالباً ما يتجاهلون الواجبات المتبادلة المنصوص عليها في أحكام أخرى.

بالنسبة له، فإن الشرط الأول هو قبول الدستور ككل غير قابل للتجزئة، ”بكل ما يحتويه من ’لنا‘ و’علينا’“، والتعامل معه كعقد كامل وملزم، وليس كقائمة يمكن الاختيار منها بشكل انتقائي. وفي الوقت نفسه، أقرّ بأنه بعد أكثر من عقدين من الزمن، وفي ظل أجواء من الأمن النسبي والاستقرار السياسي والنفسي، من المشروع مراجعة الدستور: للتساؤل عما إذا كان ما كُتب في أجواء الخوف من انهيار الدكتاتورية لا يزال يخدم احتياجات العراق الحالية بشكل كامل.

وجادل بأن الديمقراطيات الناضجة تعيد النظر في دساتيرها بشكل دوري، ولا ينبغي أن يكون العراق استثناءً، شريطة أن تتم هذه المراجعة في ظل ظروف من الاستقرار والتوافق الواسع. وبالتوازي مع ذلك، حدد عدة قوانين استراتيجية تتطلب أغلبية الثلثين، وهي قانون مجلس الاتحاد، وقانون المحكمة الاتحادية العليا، وقانون النفط والغاز، باعتبارها أدوات أساسية لتوضيح بنية الدولة وعلاقاتها الاتحادية. واقترح أن تكون الدورة البرلمانية المقبلة، بعد انتخابات 2025، فرصة مهمة للتوصل إلى اتفاق بشأن هذه الأطر التي طال تأجيلها ولتوطيد الترتيبات المؤسسية المقبولة لدى جميع المكونات. ويبقى أن نرى ما إذا كان سيتم إحراز تقدم في الدورة القادمة، وحتّى في هذه الحالة، فإن الاقتصاد السياسي المتمثل في من يربح ومن يخسر من التنفيذ مقابل إجراء التعديلات سيكون عاملاً حاسماً في هذه العملية.

العلاقات بين بغداد وأربيل، وتقاسم الإيرادات و”مسألة الرواتب

فيما يتعلق بمسألة إقليم كردستان وتوزيع الإيرادات على وجه التحديد، شدد الحكيم على أن 94% من ميزانية العراق تأتي من عائدات النفط. ولكي يخدم هذا النظام الريعي جميع المواطنين بشكل عادل، يجب تجميع جميع عائدات النفط، أينما تم إنتاجها، في ”سلة“ وطنية واحدة ثم إعادة توزيعها وفقاً لنسب السكان والصيغ المتفق عليها.

وأوضح سوء فهم متكرر: على المستوى الفيدرالي، لا يوجد بند يسمى ”رواتب موظفي إقليم كردستان“ في الدستور، ولا في وزارة المالية. بالنسبة للمحافظات الخمس عشرة غير المنتمية إلى إقليم، تتعامل الوزارة مباشرة مع الموظفين المسجلين وتحوّل الرواتب إلى حساباتهم الفردية. أما بالنسبة لإقليم كردستان، فتتعامل الحكومة الاتحادية مع نسبة مئوية متفق عليها من الميزانية الإجمالية للإقليم، والتي يتم تحويلها بعد ذلك إلى حكومة إقليم كردستان، وتقوم حكومة إقليم كردستان بتخصيص هذه الحصة للرواتب والخدمات والاستثمار وفقاً لآلياتها الداخلية.

عندما بدأت منطقة كردستان العراق (KRI) في إنتاج وتصدير النفط بشكل مستقل، نشأت خلافات حول كيفية التوفيق بين صادراتها وحصتها من الميزانية الوطنية. جادلت بغداد بأن جميع عائدات النفط يجب أن تدخل في السلة الوطنية وأن يتم احتسابها عند حساب حصة KRI. من جانبها، أشارت حكومة إقليم كردستان إلى مسؤوليتها المالية ومنطقها الخاص. وقد جعلت هذه الروايات المتضاربة موظفي حكومة إقليم كردستان العاديين يشعرون بأنهم عالقون في الوسط، مما دفعهم إلى الإصرار قائلين: ”لا علاقة لي بهذه التفاصيل؛ أنا أريد راتبي فقط“.

واعتبر الحكيم الاتفاق النفطي الأخير بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان نقطة تحول يمكن أن ”تضع حداً لمشكلة طويلة الأمد“ وتخلق إطاراً لتفاهم أعمق بين بغداد وأربيل. وبمجرد ضخ جميع نفط حكومة إقليم كردستان عبر الأنابيب الاتحادية وبيعه عبر شركة النفط الوطنية العراقية (SOMO)، ستتدفق العائدات مباشرة إلى الخزينة الوطنية ويمكن إعادة توزيعها بطريقة أكثر شفافية يمكن التنبؤ بها. وهو يعتقد أن هذا الاتفاق لا يفتح الباب أمام قانون النفط والغاز فحسب، بل يفتح الباب أيضاً أمام حل القضايا العالقة الأخرى بين الحكومة الاتحادية والحكومة الإقليمية. ورغم أن هذا الاتفاق قد يوضح كيفية تجميع الإيرادات وإعادة توزيعها، إلا أنه لا يقضي في حد ذاته على انعدام الثقة السياسية وإغراء إعادة استخدام مخصصات الميزانية كورقة ضغط سياسية في المستقبل. تُظهر التجارب السابقة أنه حتى الصيغ الواضحة كانت تتعرض للتعليق عندما تُملي السياسة ذلك. ولكي تنجح أي مخصصات، يجب أن يثق الطرفان ببعضهما البعض، وقد تكون هناك حاجة إلى آلية تدقيق ومراقبة واضحة وقوية لتفعيل الثقة.

والأهم من ذلك، دعا الحكيم إلى التمييز بين ”الاختلاف“ و”الخلاف“. فالخلافات بين الحكومة الاتحادية والأقاليم أمر طبيعي بل وصحي في الفيدراليات، وينبغي معالجتها من خلال الحوار واللجوء إلى المؤسسات القضائية، وليس عن طريق خفض الرواتب أو إلحاق الأذى بالمواطنين. والهدف هو الحوار المستمر والتحكيم القانوني وعدم التصعيد، حتى لا تترجم الخلافات السياسية إلى مصاعب واختلافات اجتماعية.

الفساد ومكافحة الفساد: من ملاحقة الملفات إلى الوقاية الهيكلية

فيما يتعلق بمسألة الفساد التي تم تحديدها كأحد العقبات الأساسية أمام بناء الدولة منذ عام 2003، أصر الحكيم على أن العمل الحقيقي لمكافحة الفساد هو العمل الهيكلي، وليس العمل العرضي. فلا يكفي اعتقال الأفراد بعد تلقي الشكاوى؛ بل يجب إعادة تصميم النظام نفسه لجعل سرقة الأموال العامة أمراً صعباً.

وقد أوضح ذلك بمثال بسيط: إذا تم وضع قطعة ذهبية في مكان مكشوف ”في متناول اليد“، وسرقها شخص ما، فإن اللوم الأساسي يقع على من تركها مكشوفة بدلاً من وضعها في خزنة. في الأنظمة التي تدار بشكل جيد، يشتري الناس خزائن وصناديق مقفلة وإجراءات آمنة لحماية الأشياء الثمينة. وبالتالي، يجب إعادة بناء الحكم العراقي بـ ”خزائن مؤسسية“: الشفافية، والإجراءات الواضحة، والحد الأدنى من السلطة التقديرية.

وقد حدد البيروقراطية و”الممرات المظلمة“ والإجراءات المعقدة وغير الشفافة باعتبارها أرضاً خصبة للفساد. فإذا كان على المستثمر الحصول على عشرات أو مئات التوقيعات من عدة وكالات، فإن كل حارس بوابة لديه نفوذ للتأخير أو الابتزاز أو المساومة. ويرى أن الحل هو إدخال الحكومة الإلكترونية والرقمنة والنافذة الواحدة للخدمات والاستثمار، مما يجعل الإجراءات مرئية وقابلة للتتبع وأقل عرضة للتلاعب.

استذكر الحكيم اجتماعاً مع رئيس سابق للجنة النزاهة الذي أبلغه بفخر عن معالجة أكثر من 30,000 قضية في عام واحد. كان رد فعله صريحاً: هذا الحجم يشير إلى نهج خاطئ. فوجود عشرات الآلاف من الملفات الصغيرة يشير إلى التركيز على المخالفات البسيطة مع ترك الفساد الهيكلي الواسع النطاق دون معالجة. ورأى أنه سيكون من الأفضل معالجة 10 أو 50 أو 100 قضية بنيوية كبرى، والتي سيؤدي حلها بدوره إلى القضاء على عشرات الآلاف من القضايا الصغيرة. وبدون إصلاحات ”بنيوية“ و”جذرية“ من خلال التكنولوجيا وإعادة تصميم الإجراءات، فإن جهود مكافحة الفساد قد تظل رد فعلية وجزئية.

ويُحسب للحكيم وضعه الفساد في إطار مشكلة تصميم الحوكمة، وليس مجرد فشل أخلاقي للأفراد. لكن ما ينقصه هو الاعتراف بشكل أوضح بأن التصميم نفسه يتشكل بفعل مصالح راسخة تقاوم التغيير. ففي العديد من السياقات، تم إدخال المنصات الرقمية و”المحطات الشاملة“ ليتبين أن الفساد قد انتقل من مكان إلى آخر بدلاً من أن يتقلص أو يزول. وبدون وجود قضاء مستقل وهيئات رقابة محمية وقيود على تمويل الأحزاب، فإن الأدوات الرقمية معرضة لخطر المبالغة في الترويج لها. بالإضافة إلى ذلك، صحيح أن تعقيد الإجراءات يتيح الفساد والصفقات المشبوهة، ولكن التعقيد أحياناً ما يتم خلقه والحفاظ عليه عمداً من قبل الجهات الفاعلة التي تستفيد منه. لذلك، من المهم ليس فقط مواجهة ”المسارات المظلمة“، بل أيضاً مواجهة أولئك الذين شقوا هذه المسارات وينتعشون عليها.

انتخابات 2025: مفترق طرق حاسم وسياسة السلوك

وعاد الحديث إلى انتخابات 2025 وأهميتها. ووصف الحكيم العراق بأنه يقف عند مفترق طرق. فقد حقق البلد مكاسب مهمة مثل الأمن النسبي والاستمرارية المؤسسية وتحسين العلاقات الخارجية، ولكنه لا يزال يواجه طريقاً طويلاً أمامه. والمهمة الآن ليست إهدار هذه المكاسب، بل البناء عليها والحفاظ على مسار تصاعدي نحو الاستقرار المستدام.

بالنسبة له، هذا يجعل الانتخابات المقبلة ذات أهمية خاصة. لكن تأثيرها لا يعتمد فقط على النتائج، بل أيضاً على كيفية إجراء الحملة الانتخابية. ورفض فكرة أن ”كل شيء مباح“ في السياسة: أخلاقيات المنافسة و”شرف التنافس“ والقيم التي تحكم وسائل الإعلام والسلوك السياسي، كلها أمور مهمة. يجب على القادة السياسيين أن يتذكروا أنه في اليوم التالي للتصويت، سيظلون بحاجة إلى الجلوس معًا وتشكيل حكومة لخدمة العراقيين خلال السنوات الأربع المقبلة. يوم الانتخابات ليس ”نهاية التاريخ“، بل بداية مرحلة جديدة.

اقترح الحكيم أن أحد مؤشرات الانتعاش المؤسسي للعراق سيكون السرعة التي يتم بها تشكيل الحكومة بعد التصويت. كانت الدورات السابقة تستغرق أحيانًا من ثمانية إلى عشرة أشهر. وإذا أمكن تشكيل حكومة في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر بعد عام 2025 من خلال مفاوضات سلسة نسبياً، فسيكون ذلك علامة مهمة على النضج السياسي. ويرى الحكيم أن كل شهر إضافي يستغرقه التفاوض بعد الانتخابات هو شهر من الخلافات والمناورات وتأخير تقديم الخدمات. وعلى الرغم من التحديات، أعرب الحكيم عن تفاؤل حذر بأن هذه الانتخابات يمكن أن تعزز الاستقرار وتساعد العراق على الدخول في المرحلة الجديدة التي وصفها في بداية المحادثة.

المناطق، الفيدرالية الطائفية ومسألة ”المنطقة الشيعية

خلال جلسة الأسئلة والأجوبة، سأل أحد الطلاب عما إذا كان إنشاء منطقة شيعية على غرار إقليم كردستان، في ظل التهديدات الأمريكية والإسرائيلية الملحوظة ضد قوات الحشد الشعبي، قد يحمي مصالح الشيعة بشكل أفضل ويؤسس قوات الحشد الشعبي.

رفض الحكيم بشدة فكرة المناطق الطائفية أو العرقية. وأصر على أن أداة اللامركزية المتاحة دستوريًا هي أداة إدارية وإقليمية، وليست طائفية. يجب أن تستند أي منطقة جديدة إلى إرادة المحافظات والمنطق الإداري، وليس إلى الهوية. وذكّر بأن في وقت سابق من فترة ما بعد عام 2003، روجت حركة الحكمة والقوى المتحالفة معها لفكرة المناطق، ولكن في ظل ظروف محلية وإقليمية مختلفة تمامًا. واليوم، بالنظر إلى التعقيدات المتراكمة وعدم الاستقرار الإقليمي، فإن الدفع نحو إقامة مناطق جديدة سيكون أمراً متسرعاً، في رأيه. ولكن حتى بدون مناطق طائفية رسمية، فإن العراق يشهد بالفعل إقليمية قوية للهوية والسيطرة المسلحة. إن معارضة المناطق الطائفية على الورق لا تعالج في حد ذاتها الإقطاعيات الراسخة التي تسيطر عليها مختلف الأحزاب والشبكات المسلحة.

بدلاً من ذلك، يفضل الآن تعزيز نظام المحافظات وتعميق اللامركزية الإدارية، مع الحفاظ على إقليم كردستان كواقع دستوري قائم. لا يزال خيار تشكيل مناطق جديدة موجوداً في الدستور ويمكن إعادة النظر فيه ”عندما تكون الأوضاع هادئة وأكثر انتظاماً“، لكنه لا يرى أن الوقت الحالي مناسب لذلك.

عقد اجتماعي وسياسي جديد: من المكونات إلى المواطنة

رداً على مجموعة من الأسئلة حول التلاعب الانتخابي، ودعوته السابقة إلى عقد اجتماعي جديد، والتطور من ”دولة المكونات“ إلى ”دولة المواطنة“، أوضح الحكيم عدة نقاط. أولاً، فيما يتعلق بنزاهة الانتخابات، قال إن الانتخابات التي ستجرى في عام 2025 هي انتخابات محورية و”حاسمة“، ولهذا السبب بالذات يجب أن تخضع جميع الخطوات للرقابة لضمان تقليل التزوير إلى الحد الأدنى وإتاحة فرصة عادلة لجميع الأطراف الفاعلة. وقد استُخدم القانون الانتخابي الحالي بالفعل في جولتين، انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات البرلمان الكردستاني، مع مستويات تلاعب منخفضة نسبياً، وقبلت معظم القوى السياسية النتائج. وإذا سارت انتخابات 2025 على نفس المنوال، فسيؤكد ذلك صحة القانون واختيار الكتل البرلمانية التي أيدته. غير أن القانون الانتخابي قد تغير مرات عديدة بدافع من إرادة الأحزاب الحاكمة الكبيرة. ولا يوجد ما يضمن ألا يتم تعديله أيضاً في الانتخابات المقبلة.

ثانياً، أعاد تأكيد دعوته إلى إبرام عقد سياسي واجتماعي جديد، يقوم على مراجعة دقيقة للدستور ومواءمته مع الواقع المتغير في العراق. ومع ذلك، أصر على أن أي عقد من هذا القبيل يجب أن ينشأ من خلال التوافق، وليس من خلال الهيمنة. فالعقد الاجتماعي الذي يفرضه طرف واحد، أو يتم إقراره من خلال كسر طرف آخر، هو بطبيعته غير اجتماعي. وقد تم وضع الدستور الحالي نفسه على أساس صيغة شاملة: كان بإمكان ثلثي ثلاث محافظات منع إقراره، لكنها لم تفعل ذلك. ومن المثير للاهتمام، كما أشار، أن المجتمع العربي السني، الذي كان في البداية متشككاً أو متأثراً بدعوات المقاطعة، أصبح اليوم في كثير من الأحيان أكثر ارتباطاً بالدستور من بعض الذين ساعدوا في صياغته، وهو ما فسره على أنه دليل على أن واضعي الدستور قد أخذوا في الاعتبار حقوق شركائهم.

ثالثاً، فيما يتعلق بالانتقال من ”دولة المكونات“ إلى ”دولة المواطنة“، كرر الرؤية التي عبر عنها منذ عام 2016. نظراً لواقع العراق، لا يتوقع ظهور حزبين كبيرين على مستوى البلاد يتجاوزان الهوية تماماً. لكنه يعتبر أنه من الواقعي العمل على تشكيل تحالفين ”رأسيين“ يمتدان من الشمال إلى الجنوب، يضم كل منهما أحزاباً وشخصيات تمثل جميع المكونات. ثم يتنافس هذان الكتلتان الوطنيتان في الانتخابات. وأيهما يحصل على الأغلبية البسيطة يشكل الحكومة، لكن هذا التحالف سيضم بالفعل الأكراد والسنة والشيعة وغيرهم. وسيقود التحالف الأقلية المعارضة، ممثلاً أيضاً جميع المكونات. في مثل هذا النظام، ستكون كل طائفة ممثلة في الحكومة والمعارضة، ولن تشعر أي مجموعة بأنها مستبعدة تماماً.

وأشار إلى أن العراق يتحرك ببطء في هذا الاتجاه. في السابق، كانت التحالفات قائمة بوضوح على أساس المكونات: تحالف كردي موحد، وجبهة سنية، وكتلة شيعية. اليوم، هناك اختلافات واضحة داخل الشيعة والسنة والأكراد، مما يشير إلى تحول من الانقسام القائم على الهوية إلى الخلافات السياسية والبرنامجية. ويرى أن هذا التطور يضع الأساس لتحالفات مستقبلية بين المكونات تركز على المواطنة والسياسة بدلاً من الطائفة أو العرق.

الخلاصة: مسار صعب ولكنه يتقدم إلى الأمام

يرى عمار الحكيم أن العراق لم يعد في بداية الاضطرابات التي أعقبت عام 2003، ولكنه لم يخرج تمامًا من الأزمة بعد. فقد نجا البلد من حروب وجودية وإرهاب وانهيار مؤسسي، ويشهد الآن انتظامًا انتخابيًا مستمرًا، ودرجة أعلى من الاستقلالية في صنع القرار الداخلي، وتحسنًا حذرًا في العلاقات بين بغداد وأربيل، واعترافًا متزايدًا بضرورة معالجة الفساد بشكل هيكلي، وليس فقط عقابيًا.

في الوقت نفسه، لا يزال العراق يواجه صعوبات في تنفيذ الدستور بشكل كامل، وأطر عمل اتحادية لم يتم حلها، وديناميات ريعية راسخة، وتوتر بين السياسة القائمة على الهوية والطموح إلى دولة قائمة على المواطنة. تمثل انتخابات عام 2025، في رواية الحكيم، لحظة حاسمة: فرصة إما لتعزيز مسار نحو ”استقرار مستدام“ أو لإهدار المكاسب التي تم تحقيقها بشق الأنفس.

الطريق الذي يرسمه الحكيم هو طريق تدريجي ولكنه واضح: التعامل مع الدستور ككل، ثم مراجعته بهدوء؛ تمرير القوانين الاستراتيجية التي تحدد المؤسسات الاتحادية؛ استخدام الاتفاق النفطي الجديد بين بغداد وأربيل لتثبيت تقاسم الإيرادات؛ مكافحة الفساد من خلال الشفافية والحكم الإلكتروني؛ دعم الديمقراطية التعددية ضد أي إغراء استبدادي؛ وبناء التحالفات العمودية والمشتركة بين المكونات ببطء، وهي تحالفات ضرورية لـ ”دولة المواطنة“ الحقيقية التي يرى فيها جميع العراقيين، بغض النظر عن هويتهم، أنهم ممثلون في الحكومة والمعارضة، وفي مؤسسات الدولة التي تخدمهم.

ملتقی الشرق الأوسط 2025

تحدي بناء الدولة في خضم ديناميات سياسية معقدة B

الجلسة 5

7 تشرین الأول 2025

Comments are closed.