Back

المعارضة والحكومة والإصلاح السياسي في إقليم كوردستان

 

في نقاش حول دور أحزاب المعارضة في تطور المشهد السياسي في إقليم كوردستان العراق، أجرى رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث, دلاور علاء الدين، حوارًا مع صلاح الدين بهاء الدين، الأمين العام للاتحاد الإسلامي الكردستاني، في نقاش واسع النطاق استكشف التحديات والآفاق المستقبلية للمعارضة السياسية في إقليم كوردستان العراق. وقد قدمت المحادثة دراسة موضوعية للعلاقة المتطورة بين السلطة والمعارضة في منطقة لا تزال المؤسسات الديمقراطية فيها هشة ولا يزال الإطار الدستوري غائباً.

الاتحاد الإسلامي الكردستاني، الذي تأسس عام 1994، هو أحد الأحزاب السياسية الإسلامية الرئيسية في المنطقة. ويشتهر الحزب بتوجهه الإصلاحي والمعتدل، وقد دأب منذ فترة طويلة على الدعوة إلى الحكم الأخلاقي والشفافية والمشاركة السياسية السلمية، محافظًا على موقفه المعارض داخل البرلمان الكردستاني مع تشجيع الحوار والتعايش عبر الانقسامات الأيديولوجية.

تحديد المشهد

سعى دلاور علاء الدين إلى مناقشة السؤال الأساسي: كيفية تشكيل معارضة فعالة قادرة على المساهمة في النمو الديمقراطي ضمن النظام السياسي الحالي في إقليم كوردستان؟ وشدّد على أنه في غياب دستور إقليمي، تظل أدوار السلطة التشريعية والقضائية والمعارضة غير محددة بشكل واضح، وأن هذا الغموض يحد من التعددية السياسية والمساءلة.

هيكل المعارضة وصحتها

بناءً على خبرته السياسية التي تمتد لعقود، وصف بهاء الدين وجود المعارضة بأنه سمة طبيعية وضرورية لأي نظام سياسي. وقال إن السؤال الحقيقي لا يكمن في وجود المعارضة من عدمه، بل في كيفية تفاعل السلطة والمعارضة، وأن هذه العلاقة في كوردستان لا تزال غامضة وغير منظمة. وقال: ”ليس لدينا دستور أو تشريعا ينظم هذه العلاقة“. وأضاف: ”في دُول أخرى، توجد معايير ومسار يجب اتباعه. أما هنا، فالمعايير غير واضحة، وهذا أمر سيء للغاية”

ولاحظ أن لا السلطات الحاكمة ولا المعارضة في كوردستان تعمل بطريقة سليمة. فالأولى تحتكر السلطة، بينما تظل الثانية مجزأة ومتنازعة في بعض الأحيان. واعترف قائلاً: ”أحياناً نهاجم بعضنا البعض أو نتهم بعضنا البعض بالتواطؤ السري مع السلطات”. وأشار إلى أن هذا الانقسام الداخلي يضعف مصداقية أحزاب المعارضة ويحد من قدرتها على العمل بشكل جماعي.

وأرجع بهاء الدين هذه المشاكل إلى الأنماط الأوسع نطاقاً التي سادت النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، مشيراً إلى أن التجربة السياسية الكوردية عكست نفس أوجه القصور الموجودة على المستوى الفيدرالي: تسييس المؤسسات، وتآكل الاحترافية، وانتشار شبكات المحسوبية بين العائلات والأفراد.

احتكار السلطة واللامبالاة السياسية

جادل بهاء الدين بأن الأحزاب الحاكمة أصبحت منفصلة بشكل متزايد عن كل من الأطراف المنافسة والجمهور العام. وقال: ”إنهم لا يستبعدون الأحزاب السياسية الأخرى فحسب، بل يتجنبون أيضًا التفاعل مع الشعب“. ووصف المشهد السياسي بأنه يتسم بالإهمال والسلوك غير المبرر والميول الاستبدادية واتخاذ القرارات من جانب واحد، حيث يتم التعامل مع الأزمات بأزمات جديدة بدلاً من إيجاد حلول لها.

وفي حين تتحمل المعارضة بعض المسؤولية عن الوضع الراهن، أكد بهاء الدين أن الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق النخب الحاكمة، التي أدى تركيزها على السلطة إلى إفراغ المؤسسات الرقابية والمشاورات الديمقراطية من مضمونها.

ثقافة النقد والإصلاح المدني

ورداً على سؤال حول خارطة الطريق التي يقترحها لتنشيط المعارضة، استخدم بهاء الدين استعارة: طالما توجد المستشفيات والأطباء، فهناك دائماً أمل في الشفاء. وبالمثل، على الرغم من الركود السياسي في كوردستان، أصر على أن الإصلاح لا يزال ممكناً من خلال الصبر والمثابرة والمشاركة المدنية. وقال إن العقبة الرئيسية هي عقبة ثقافية: ففي كوردستان، غالباً ما يُعامل النقد على أنه عداء. وقال: ”إذا انتقدت السلطات، فستُعتبر على الفور عدوًا لها. لهذا السبب لا نحرز أي تقدم“.

ودعا إلى تحول في الثقافة السياسية، ثقافة تقدّر الحوار على التوتر، والهدوء على العناد، والتعاون على الإقصاء. وقال: ”علينا التخلي عن فكرة ’أستطيع القيام بذلك بدونك‘“. ”التقدم يتطلب التفاهم المتبادل والصبر“.

وبالنسبة إلى بهاء الدين، يجب أن يكون الطريق إلى الأمام سلمياً وحديثاً ومدنياً، وليس متطرفاً أو عنيفاً. وحث جميع الأطراف على تحديد الأسس المشتركة التي يمكن أن تشكل أساساً للتعايش: الأمة والدين والقيم الأخلاقية وتاريخ طويل من العيش معاً. وحذر من أن إثارة الفتنة بين المجتمعات أو الأديان هو أمر خاطئ وخطير للغاية.

الدين والسياسة: تحديد الحدود

بالانتقال إلى دور الاتحاد الإسلامي الكوردستاني، أشار علاء الدين إلى أنه على الرغم من أن غالبية سكان كوردستان مسلمون، إلا أن الأحزاب الإسلامية تواجه صعوبة في توسيع قاعدتها الانتخابية. ورد الامين العام للحزب بالتأكيد على ضرورة التمييز بين الإسلام كدين والهوية السياسية الإسلامية. وقال: ”الدين ملك للجميع“. ”إذا احتكرناها داخل حزب ما، فإننا نبتعد عن جوهرها“.

وشدد على أن ترك أو الانضمام إلى حزب سياسي لا يعني ترك أو الانضمام إلى الإسلام نفسه. وقال: ”من الخطأ الفادح الادعاء بأن من ليس جزءًا من حزبنا ليس متدينًا“. بالنسبة له، كان نهج الاتحاد الكردستاني دائمًا هو الاستلهام من الدين دون الخلط بين التدين والولاء السياسي.

خلل البرلمان والحاجة إلى المساءلة

وفي معرض مناقشته لدور البرلمان، أعرب الامين العام للاتحاد الاسلامي الكوردستاني عن أسفه لحالة الشلل التي يعاني منها البرلمان وانتقد كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية لإدامتهما دوامة عدم الشرعية. وأشار إلى أن البرلمان السابق أمضى نصف ولايته في جلسات مغلقة والنصف الآخر في تمديد ولايته، وهو إجراء اعتبرته المحكمة الاتحادية العراقية لاحقاً غير دستوري. وقال: ”من المخجل القيام بشيء يؤدي إلى إغلاق البرلمان“.

وحذر من أن أي حكومة تنشأ عن مثل هذا العملية ستفتقر إلى المصداقية، مضيفًا أن الفشل في تشكيل حكومة جديدة بعد مرور عام تقريبًا على الانتخابات يمثل مثالًا على خلل النظام الحالي. وعلى الرغم من هذه التحديات، اختتم حديثه بنبرة متفائلة بحذر، مشيرًا إلى جهود السلام الإقليمية وإمكانية إحراز تقدم تدريجي نحو الاستقرار وتحقيق الحقوق بالوسائل السلمية.

الخلاصة

قدم الحوار بين دلاور علاء الدين وصلاح الدين بهاءالدين، الامين العام لحزب الاتحاد الاسلامي الكوردستاني، تشخيصًا صريحًا للعوائق الهيكلية والثقافية التي تواجه كل من الحكومة والمعارضة في إقليم كوردستان. وشدد بهاءالدين في حديثه على أن الأحزاب الحاكمة تتحمل المسؤولية الأساسية عن ركود الإصلاح السياسي، لكن على المعارضة أيضًا أن تتغلب على انقساماتها وتتعلم العمل بوحدة وصبر ونضج مدني.

وقد جاءت دعوته إلى المشاركة الهادئة والتفاهم المتبادل وإعادة تعريف العلاقة بين الدين والسياسة والسلطة بمثابة تذكير بأن الإصلاح الديمقراطي في كوردستان سيتطلب إعادة هيكلة المؤسسات وتجديد الثقافة. وانطلاقاً من مهمة منتدى ميري، فقد وفرت الجلسة منبراً للحوار المفتوح والنقدي حول مستقبل الحوكمة والمساءلة السياسية في إقليم كوردستان العراق.

ملتقی الشرق الأوسط 2025

المعارضة والحكومة والإصلاح السياسي في إقليم كوردستان العراق

الجلسة 11

8 تشرین الأول 2025

Comments are closed.