في إطار ملتقی الشرق الأوسط للبحوث، أجرى دلاور علاءالدين، رئيس المؤسسة، حواراً معمّقاً مع السيد علي بابير، رئيس جماعة العدل الكردستانية ( كومل)، حول واقع المعارضة السياسية في إقليم كوردستان العراق ودورها في الإصلاح السياسي وبناء الحكم الرشيد. وقد قدّم النقاش قراءة صريحة للواقع السياسي المركّب في الإقليم، كاشفاً عن التحدّيات البنيوية التي تواجه المعارضة في ظل هيمنة الأحزاب التقليدية على مؤسسات الدولة.
تُعدّ جماعة العدل الكوردستانية (كومل)، التي تأسست في مطلع الألفية الجديدة، حزباً ذا توجّه إسلامي لعب دوراً فعالا في المشهد السياسي لإقليم كوردستان. وتقدّم نفسها كحركة إصلاحية تدعو إلى الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية والمساءلة، وتناوبت بين المشاركة في الحكومة والتموضع في صفوف المعارضة المبدئية على المستويين الإقليمي والاتحادي.
المعارضة كمؤشّر على صحة النظام السياسي
استهلّ دلاور علاءالدین الجلسة بالتأكيد على أهمية الاستماع إلى القيادات المحلية التي تعبّر عن تنوّع الأصوات السياسية في الإقليم، وعرّف علي بابير كأحد أبرز الشخصيات التي حافظت على موقعها في صفوف المعارضة على مدى العقود الماضية. وأشار إلى أن الهدف من النقاش هو تسليط الضوء على سبب فشل المعارضة، رغم تاريخها الطويل، في التحوّل إلى بديل سياسي حقيقي وفعّال.
من جانبه، شدّد علي بابير على أن وجود معارضة فاعلة هو شرط أساسي لأي نظام سياسي سليم. وقال إن المجتمع الذي لا يتقبّل النقد ولا يسمح بالمساءلة هو مجتمع “ميت أو مريض”. وأضاف “من دون معارضة، يكون أي كيان سياسي ناقصاً أو مريضاً.” وأوضح أن ظهور المعارضة في الإقليم، وإن جاء متأخراً، يعدّ ظاهرة إيجابية تعبّر عن حيوية المجتمع. واستشهد ببرامج حكومية سابقة عكست تعاوناً بنّاءً بين الحكومة والمعارضة، مثل برنامج بناء القدرات الذي أتاح فرصاً دراسية لغير المنتمين إلى الأحزاب الكبرى. وفي هذا السياق، أكّد بابير على نهج حزبه قائلاً: “نحن نثني على كل ما هو صائب، وننتقد ما هو خاطئ، سواء صدر عن الحكومة أو المعارضة.”

هيمنة الأحزاب وتراجع المؤسسات
تطرّق بابير إلى طبيعة النظام السياسي في الإقليم، مؤكداً أن الأحزاب أصبحت أقوى من الحكومة نفسها. وقال: “الأحزاب تبتلع المؤسسات الأصغر منها، والبرلمان بات عاجزاً عن أداء دوره.” وأشار إلى أن الانتخابات الأخيرة لم تُفضِ إلى تشكيل حكومة جديدة، وأن البرلمان لم يعقد سوى جلسة واحدة قبل أن يتعطّل تماماً. وأضاف أن السلطات الثلاث – التنفيذية والتشريعية والقضائية – خاضعة لهيمنة الأحزاب، ما يجعل البيئة السياسية “غير صحية” ويقوّض عمل المعارضة.
اتفق دلاور علاءالدین مع هذا التشخيص، لكنه دعا بابير إلى تسليط الضوء على أداء المعارضة نفسها، مشيراً إلى أن تراجع شعبية الأحزاب الحاكمة، أمر كان من المفترض أن يشكّل فرصة سانحة أمام المعارضة لتوسيع قاعدتها الشعبية، إلا أنها فشلت في ذلك. واستشهد بانحسار نفوذ حركة التغيير (گوران) وصعود قوى جديدة لم تتمكّن من تحويل الغضب الشعبي إلى بديل سياسي متماسك.

التشرذم والاختراق والتأثير الخارجي
أقرّ بابير بأن المعارضة تتحمّل قسطاً كبيراً من المسؤولية، مشيراً إلى انقسامها الداخلي وافتقارها إلى رؤية مشتركة، ووجود ما وصفه بـ“معارضة مصطنعة”. وقال: “بعض قوى المعارضة أشبه بالطائرة الورقية، تُطلق عندما يُراد لها أن تطير، وتُسحب عندما يُراد لها أن تهبط.”
وأوضح أن بعض الأحزاب المعارضة أغلقت على نفسها ولم تنفتح على المجتمع الأوسع، وفشلت في تشكيل جبهة موحّدة رغم مبادراته الشخصية لتحقيق ذلك. وأضاف أن محاولاته لتأسيس تحالف معارض أو قائمة انتخابية موحّدة لم تلقَ تجاوباً خصوصا في كركوك والمناطق المتنازعة عليها.
وأشار أيضاً إلى دور العوامل الإقليمية والدولية في إضعاف المعارضة، موضحاً أن دول الجوار، ولا سيّما تركيا وإيران، تدعم القوى السياسية الأقرب إليها جغرافياً لخدمة مصالحها الأمنية والاقتصادية. كما انتقد المجتمع الدولي، قائلاً إنه طرح على أحد المسؤولين الأميركيين سؤالاً مباشراً: “لماذا لا تساعدوننا لنصبح مثلكم؟ ولماذا تفضّلون الإبقاء على هيمنتكم على الأحزاب الحاكمة بدلاً من دعم قوى الإصلاح الحقيقي؟”

المساءلة والنزاهة وحدود الإصلاح
سأل دلاور علاءالدین ر ضيفه عن الضمانات التي تجعل المعارضة، في حال وصولها إلى السلطة، مختلفة عن الأحزاب الحاكمة، خاصة وأنها تشكّل جزءاً من المنظومة نفسها. وردّ بابير بأن جماعة العدل الكردستانية كانت صادقة مع نفسها ومع جمهورها، وقال: “الصدق مع الله جعلنا صادقين مع أنفسنا ومع الناس.” واستشهد بأمثلة لأعضاء في الحزب تعرّضوا للملاحقة بسبب مواقفهم الناقدة، مشيراً إلى أن بعضهم حُرم من الحصانة البرلمانية أو مُنع من دخول أربيل بسبب آرائه.
وأكد أن المعارضة ليست حكراً على الأحزاب السياسية، بل تشمل الصحفيين والمثقفين والجمهور الواسع الذي يرفض الظلم والفساد، مشدداً على أن الصدق والمساءلة أمام الله والشعب هما أساس العمل السياسي الشريف. وأعرب عن احترامه للراحل نوشيروان مصطفى، مؤسس حركة التغيير، واصفاً إياه بأنه قائد مبدئي رفض المناصب من أجل الإصلاح، لكنه عبّر عن أسفه لأن خلفاءه لم يتمكّنوا من الحفاظ على نهجه.

الانسحاب من العملية السياسية
أوضح بابير أن قرار جماعته الانسحاب من برلمان الإقليم جاء احتجاجاً على “تزوير” نتائج الانتخابات، حيث خُفِّض عدد مقاعد الحزب من سبعة إلى ثلاثة. وقال: “لن نقف خلف أي ظلم، والانسحاب موقف مبدئي.”
وأضاف أن الحزب انسحب في وقت سابق من الحكومة تضامناً مع المحتجين على تأخر الرواتب، رغم الأداء الإيجابي لوزرائه آنذاك. واعتبر أن معيار الشرعية السياسية هو رضا الناس، لا الاستمرار في المناصب، مضيفاً :“بوصلتنا هي مدى رضا الشعب عنا.”
كما أعلن أن جماعة العدل قررت المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في بغداد، شرط أن تكون نزيهة وشفافة. وقال محذّراً “إذا اكتشفنا أن الانتخابات مصمَّمة أو مزيَّفة، فسننسحب حتى في اللحظة الأخيرة.”
كشف الحوار بين الدكتور دلاور علاءالدين والسيد علي بابير عن عمق الإشكاليات البنيوية التي تعيق تطوّر النظام السياسي في إقليم كوردستان، وعن التحدّيات التي تواجه المعارضة في بناء بديل موثوق للحكم القائم. فقد حمّل بابير المسؤولية للأطراف جميعاً: للحكومة التي احتكرت السلطة، وللمعارضة التي عانت من التشرذم وفقدان الرؤية.
ودعا إلى إصلاح سياسي وأخلاقي يقوم على الصدق والمساءلة والوحدة الوطنية، مؤكداً أن التغيير الحقيقي يبدأ من المجتمع نفسه ومن شجاعة الاعتراف بالأخطاء.
ويجسّد هذا الحوار رسالة منتدى ميري في توفير منبر حرّ ومسؤول للنقاش البنّاء حول مستقبل الحكم والإصلاح في كوردستان والعراق بأسره.
ملتقی الشرق الأوسط 2025
دور المعارضة السياسية وتحدّياتها في إقليم كوردستان العراق

