Back

العراق وإقليم كوردستان: هشاشة مزدوجة ومستقبل مشترك

جمعت هذه الجلسة بين قباد طالباني، نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان العراق، والوزير الاتحادي السابق والأكاديمي طورهان مفتي، لاستكشاف العلاقة المتغيرة بين بغداد وأربيل، والضعف الهيكلي غير المحلول للنظام الاتحادي العراقي، والمستقبل السياسي والإداري لمناطق مهمة مثل كركوك. وقد انبثقت عن ذلك صورة للهشاشة المتبادلة: مركز اتحادي يعتمد بشكل كبير على النفط وغارق في تشريعات غير مكتملة، وإقليم اتحادي يرتبط أمنه وازدهاره ارتباطًا وثيقًا بالوحدة الداخلية والارتباط ببغداد. وقد اتسمت المناقشة بنقد ذاتي وتطلع إلى المستقبل بشكل لافت للنظر، مع التركيز على المؤسسية واللامركزية والوحدة الكردية باعتبارها عناصر لا غنى عنها لمستقبل مشترك أكثر استقرارًا.

ما وراء تقلبات المزاج: إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات بين بغداد وأربيل

عندما طُلب من قباد طالباني تقييم العلاقة بين بغداد وأربيل، بدأ بإجراء تمييز دقيق بين المزاج الحالي والواقع الهيكلي الذي يرتكز عليها العلاقات بين الطرفين. في الوقت الحالي، هناك تنسيق وتفاهم؛ ويجري الإعداد للرواتب؛ والتوترات قابلة للسيطرة. لكنه حذر من أن هذا يمكن أن يتغير ”غداً“. المشكلة الحقيقية تكمن في علاقة قائمة على المزاج الشخصي والمساومات العرضية والأجواء السياسية بدلاً من أن تكون قائمة على مؤسسات مستقرة.

بالنسبة لطالباني، حتى عبارة ”العلاقات بين بغداد وأربيل“ هي جزء من المشكلة. أربيل هي عاصمة إقليم كردستان، وليست طرفاً أو فصيلاً؛ وبغداد هي عاصمة العراق كله، وليست عاصمة كتلة أو طائفة واحدة. لكن في الواقع، لا تمثل أي من العاصمتين بشكل كامل قاعدتها الشعبية الرسمية. ويكمن الحل، في رأيه، في:

  • ترسيخ العلاقة بقوة في الدستور العراقي؛ و
  • بناء علاقات مؤسسية، بين الوزارات وبين البرلمانات، بدلاً من التفاهمات بين القادة التي ”تكون جيدة في يوم وتكون سيئة في يوم آخر“.

كما قدم مفهومًا استراتيجيًا هامًا: بغداد كـ”عمق سيادي“ لإقليم كوردستان. ويقول إن الأفق الاستراتيجي لإقليم كوردستان لا يكمن في هياكل موازية أو منفصلة، بل في التأثير على القرارات في المركز الاتحادي. وأوضح أن حزبه، الاتحاد الوطني الكوردستاني (PUK)، قد حرص على تعزيز وجوده في بغداد من أجل الدفاع عن المصالح الكردية والتفاوض بشأنها هناك، وليس فقط في أربيل أو السليمانية. وفي الوقت نفسه، شدد على أن العراق يجب أن يستوعب حقيقة أنه دولة اتحادية وأن إقليم كوردستان هو كيان اتحادي دستوري له حقوق ومسؤوليات واضحة.

ومع ذلك، فإن النص الدستوري وحده لا يكفي. فالعديد من القوانين التنفيذية، خاصة تلك اللازمة لسد ”الثغرات الدستورية“، لم يتم إقرارها من قبل البرلمان. ولا يمكن صياغة هذه القوانين في أربيل أو السليمانية؛ بل يجب سنها في بغداد، وهذا يتطلب قوة ووحدة الكورد هناك، كما صرح السيد طالباني.

قانون النفط والغاز المفقود: ”الدستور الاقتصادي“ للعراق

اتفق المتحدثان على أهمية قانون النفط والغاز باعتباره عنصراً أساسياً في البنية الاقتصادية للعراق. ووصفه طورهان بأنه الدستور الاقتصادي للبلاد: إنه إطار عمل من شأنه توضيح ملكية النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى وإدارتها وتقاسم عائداتها. وبدونه، يسود الغموض، وتكون ”الباب مفتوحاً“ أمام الصفقات المخصصة والتفسيرات المتضاربة والتلاعب السياسي.

وأشار طالباني إلى المحاولات المتعددة لتمرير مثل هذا القانون، والمسودات التي تمت في أعوام 2007 و2010 و2012 و2018، لكنه لاحظ أن كل حكومة في نهاية المطاف أحالت المسألة إلى الحكومة التي تلتها. وقد تكون الأسباب عديدة: عدم الرغبة في التخلي عن السيطرة المركزية، أو الخوف من تمكين المناطق والمحافظات، أو تفضيل سياسي عام للسيطرة التحكمية حتى على القواعد الشفافة. أياً كان السبب، فإن العواقب وخيمة:

  • العراق، وهو بلد يبلغ عدد سكانه حوالي 46 مليون نسمة، لديه مصدر دخل رئيسي واحد فعلياً ولكن ليس لديه قانون تنظيمي لهذا المصدر. ووصف طالباني هذا الوضع بـ ”الكارثة“.
  • أدى غياب إطار قانوني واضح إلى تفاقم النزاعات المتكررة بين بغداد وإقليم كوردستان حول السلطة والإيرادات.
  • تواجه الشركات الدولية حالة من عدم اليقين ومخاطر متزايدة. تعمل بعضها في العراق، لكن ”تكلفة التأمين“ عليها مرتفعة في ظل غياب بيئة قانونية قوية لحماية العقود والاستثمارات.

بالنسبة لطالباني، فإن قانون النفط والغاز الذي تم المصادقة عليه بشكل صحيح لن يخدم كوردستان فحسب، بل سيخدم أيضاً المناطق الأخرى الغنية بالموارد مثل البصرة والأنبار. فمن شأنه أن يبعث برسالة جدية، ويجذب الاستثمارات، ويبعد العراق عن الحكم بالتفسير و”المزاج الشخصي“ نحو الحكم بالقانون. واتفق المفتي على أنه طالما أن النفط والغاز يشكلان ما يقرب من 88-89٪ من الميزانية، فإن الإغراء بتأجيل مثل هذا القانون سيظل قوياً؛ لكن هذا التأجيل قد يؤدي فقط إلى تعميق الاعتماد الهيكلي والضعف.

وربط طالباني ذلك مباشرة بالحاجة إلى التنويع الاقتصادي. وبمجرد سن قانون النفط والغاز، يجب على العراق الاستثمار في الزراعة والطاقة النظيفة وقطاعات أخرى. وحذر من أنه إذا انخفضت أسعار النفط إلى 40-50 دولارًا أمريكيًا للبرميل، فإن الأزمة لن تقتصر على رواتب حكومة إقليم كوردستان؛ بل ستعمّ البصرة وبقية العراق. لذلك، يجب على صانعي السياسات، على المستوى الاتحادي والإقليمي، وضع خطط طويلة الأجل لمثل هذه السيناريوهات، ويجب على الحكومات تنفيذها.

الأجور والسيادة وثقافة الفيدرالية

عندما ضغط المفتي من أجل اتخاذ تدابير عملية لضمان التدفق المنتظم للأجور من بغداد إلى إقليم كوردستان، أشار طالباني إلى سخافة وهشاشة الترتيبات الحالية. فكل شهر، يتم إرسال القوائم ومراجعتها وتدقيقها وإعادتها وتصحيحها في عملية شاقة تتطلب تبادلًا متكررًا للوثائق، مما يسبب قلقًا مستمرًا بين الموظفين الحكوميين. لا بغداد ولا أربيل راضيتان عن هذه العملية، ومع ذلك فهي مستمرة.

ربط طالباني هذا الأمر بمسألة أعمق: هل العراق حقاً دولة مستقلة قادرة على اتخاذ قرارات لصالحها، أم أنه مقيد بشدة بالسياسات الإقليمية والدولية؟ طالما أن سياسات ميزانية العراق رهينة للحسابات السياسية قصيرة الأجل والتحالفات الخارجية، فإن الوضع المالي لإقليم كوردستان سيظل غير مستقر. وأكد أن الإجابة تكمن مرة أخرى في القوة السياسية الكوردية في بغداد، التي تعمل على أساس أننا ”جزء من العراق“ ويجب أن نهتم بالاتجاه العام للعراق، وليس فقط بمنطقتنا.

واستناداً إلى خبرته في الحكومة، أشار المفتي إلى أن التوترات بين المركز والوحدات الفرعية أمر طبيعي في نظام فيدرالي متعدد المستويات – مركزي، فيدرالي، وحدات محلية. في العراق، هذا التوتر حاد بشكل خاص بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، لكنه ليس فريداً من نوعه: فمحافظات مثل البصرة تشعر أيضاً بالإهمال. التحدي الحقيقي هو بناء ثقافة فيدرالية يفهم فيها الوزراء في بغداد أن العراق يضم الآن تسع عشرة محافظة، لكل منها حكومتها وسلطاتها، بالإضافة إلى إقليم اتحادي له برلمانه وحكومته.

ووفقاً لطالباني، يتطلب ذلك:

  • الاستيعاب الكامل للحدود والصلاحيات الدستورية؛ و
  • تعيين أشخاص مؤهلين وأكفاء على جميع المستويات، وزراء ونائبي وزراء ومديرين عامين ومستشارين، يفهمون الفيدرالية ويعرفون متى يتطلب الأمر التنسيق بدلاً من اتخاذ القرارات من جانب واحد.

وبدون هذه القدرات البشرية والمؤسسية، تظل الفيدرالية حبراً على ورق بدلاً من أن تكون ممارسة واقعية.

اللامركزية داخل إقليم كوردستان: حلبجة و رانية ومحدودية الرمزية

ثم انتقلت المحادثة إلى الداخل، إلى مسألة اللامركزية داخل إقليم كوردستان نفسه. كان طالباني واضحاً: ”100٪“ هناك حاجة إلى مزيد من اللامركزية داخل الإقليم. تماماً كما أن إقليم كوردستان يطالب بتفويض الصلاحيات من بغداد، يجب عليه أيضاً أن يفوض الصلاحيات من أربيل إلى المحافظات والأقضية والنواحي.

وشدد على أن العديد من التحديات ليست سياسية بل إدارية. فمسؤول محلي مثل نوخشة، رئيس بلدية حلبجة السابق، تعرف أفضل بكثير من الوزراء في أربيل ما تحتاجه المنطقة. وقال إنه من غير المنطقي أن تقرر السلطات المركزية أي موظف يجب نقله من قسم إلى آخر في منطقة نائية، أو أي مشروع محلي يجب تنفيذه وأين، في حين توجد حكومات محلية لديها المعرفة والمهارات المحلية.

وهذا يؤدي إلى انتقاد رئيسي لـ ”اللامركزية الرمزية“. إذ إن رفع مستوى حلبجة إلى محافظة ورانية إلى إدارة مستقلة لم يترجم تلقائياً إلى صلاحيات عملية أكبر: تتمتع حلبجة بمكانة محافظة ولها لوحات سيارات خاصة بها، ولكن بدون ميزانية مخصصة ومؤسسات كاملة وموظفين ومرافق، فهذا التغيير قد يكون مجرد تغيير شكلي. وأشار طالباني إلى أن رانية كانت تتمتع بسلطات أكبر عندما كانت لا تزال قضاءً مما تتمتع به الآن كـ”إدارة مستقلة“. وبالنسبة له، يجب عكس الترتيب: أولاً تحديد وتنظيم السلطات اللامركزية بوضوح، وتصميم الميزانيات وفقاً لذلك، وبعد ذلك فقط النظر في زيادة عدد الوحدات الإدارية. وعدم القيام بذلك قد يؤدي دون قصد إلى إضعاف الحكم المحلي وإثقال كاهل المحافظات الجديدة بمسؤوليات لا يمكنها الوفاء بها. كما ذكّر الحضور بأن حكومة إقليم كوردستان لم تمتلك ميزانية رسمية منذ عام 2013، وهو شرط أساسي آخر للحكم الرشيد يتعين استعادته.

واتفق المفتي على أنه إذا كان سيتم إنشاء محافظات إضافية، مثل جمجمال أو زاخو، وهي أفكار طرحت في مناقشات سابقة، فيجب أن تسبق الإعلانات السياسية توفير البنية التحتية الضرورية والسلطات والأطر المالية، لا أن تتبعها.

كركوك كاختبار للحكم الشامل

في الجزء الأخير من الجلسة، انتقلت المناقشة إلى كركوك، المدينة التي تحمل أهمية عاطفية وسياسية عميقة لطورهان المفتي، الذي ينحدر منها. بعد الانتخابات المحلية الأخيرة، تم تشكيل حكومة إقليمية جديدة بقيادة محافظ كوردي تابع للاتحاد الوطني الكوردستاني وبمشاركة بعض الأطراف العربية. أما التركمان والحزب الديمقراطي الـكوردستاني وبعض الجماعات العربية فقد قاطعت الحكومة.

أجاب طالباني بصفته زعيماً حزبيّاً و”تلميذاً لمام جلال“. وقال إن رؤية جلال طالباني لكركوك تظل المبدأ التوجيهي لحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني: يجب أن تكون الحوكمة مشتركة بين جميع مكوناتها، الكورد والتركمان والعرب والمسيحيين. صحيح أن المحافظ هو كوردي، لكنه ليس “محافظ الكورد في كركوك“؛ إنه محافظ كركوك بكل مكوناتها.

وأشار طالباني إلى عدة مؤشرات على التقدم المحرز تحت قيادة المحافظ الجديد: شوارع أنظف، ومظهر حضري أنيق، وخدمات أفضل، ومؤسسات أكثر فعالية. وشدد على أن فريق المحافظ مختلط عمداً، ويتألف من عرب وتركمان وكورد مستقلين، وأن المشاريع موزعة على المناطق دون تمييز. من جانبه، أقر المفتي بأن المحافظ ”يبذل قصارى جهده“.

وعند سؤاله عن المقاطعة المستمرة، أصر طالباني على أن ”الباب لم يُغلق أبداً“. واعتقد أنه إذا تخلّى الفاعلون عن العقليات القديمة ونظروا إلى الديناميات الحالية بعيون جديدة، فلن يكون من الصعب على التركمان والحزب الديمقراطي الكوردستاني وغيرهم الانضمام إلى الحكومة. وأشار إلى أن علاقات الاتحاد الوطني الكوردستاني مع كل من تركيا والحزب الديمقراطي الكوردستاني قد تحسنت، مما يخلق مناخاً أكثر ملاءمة لترتيب شامل في كركوك.

وأكد بشكل حاسم أن كركوك لا ينبغي أن تكون مرتبطة بالمفاوضات حول تشكيل الحكومة المقبلة لإقليم كوردستان. ويرى أن قرار الحزب الديمقراطي الكوردستاني بمقاطعة إدارة كركوك أضر بالحزب أكثر مما أفاده؛ فالناس العاديون في كركوك سعداء ببساطة بوجود محافظ كوردي، بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه. وينبغي حماية المحافظة من المساومات الحزبية حول حكومة إقليم كوردستان، وعلى جميع الأطراف تحمل مسؤولياتها بما يتناسب مع الأصوات التي حصلت عليها.

وهكذا برزت كركوك كنموذج واختبار في آن واحد: مكان يمكن أن تثبت فيه الحوكمة الشاملة والموجهة نحو الخدمة فوائد التعاون بين الأعراق، ولكنها أيضاً مكان هش يمكن أن يؤدي فيه المقاطعة والتفكير القائم على مبدأ الصفر إلى عكس المكاسب بسهولة.

الوحدة الكردية والمستقبل المشترك للعراق وإقليم كردستان

اختتمت الجلسة بتأمل في السلوك السياسي الكردي تجاه بغداد وتشكيل الحكومة المقبلة لحكومة إقليم كردستان. لخص طالباني تاريخاً طويلاً في جملة واحدة: عندما تنقسم الأحزاب الكردية، تكون ضعيفة؛ وعندما تتحد، تكون قوية. وقال إنه لا يوجد شيء غير طبيعي في التنافس بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني داخل إقليم كردستان. ولكن في القضايا الاستراتيجية مثل العلاقات مع بغداد، والقوانين الاتحادية، ومستقبل كركوك، والسياسة الاقتصادية الوطنية، يجب أن يجدوا طرقاً لتقديم جبهة موحدة.

هذه الوحدة ليست فقط في مصلحة الأكراد؛ بل لها آثار مباشرة على استقرار العراق وآفاق نجاح الفيدرالية في الممارسة العملية. إن المشهد الكردي المجزأ يجعل من الصعب تمرير تشريعات أساسية مثل قانون النفط والغاز، أو إعادة تصميم العلاقات المالية، أو التفاوض على اتفاق فيدرالي أكثر توازناً. على النقيض من ذلك، يمكن أن يساعد وجود كردي أكثر تماسكاً في بغداد على دفع الإصلاحات التي تفيد البصرة والأنبار بقدر ما تفيد أربيل والسليمانية.

في هذا الصدد، فإن ”الهشاشة المزدوجة“ للعراق وإقليم كوردستان مترابطتان بشكل وثيق. إن البنية الفيدرالية غير المكتملة في بغداد، والافتقار إلى التنويع الاقتصادي، واتخاذ القرارات على أساس سياسي، كلها عوامل تحد بشكل مباشر من الاستقرار المالي والسياسي لإقليم كوردستان. أما المركزية الداخلية لإقليم كوردستان، والتنافس بين الأحزاب، والاستغلال أحياناً لمناطق مثل كركوك، فتضعف بدورها قدرته على العمل كشريك اتحادي بناء. الرسالة المركزية للحلقة النقاشية هي أن مستقبل العراق وإقليم كوردستان مرتبطان ارتباطاً وثيقاً: ولا يمكن تحويل هذين الضعفين التوأمين إلى مستقبل مشترك وأكثر مرونة إلا من خلال علاقات مؤسسية وتشريعات جادة ولامركزية حقيقية واتحاد كوردي استراتيجي.

ملتقی الشرق الأوسط 2025

العراق وإقليم كوردستان: هشاشة مزدوجة ومستقبل مشترك

الجلسة 9

8 تشرین الأول 2025

Comments are closed.