Back

الشركاء والتقدم: مسؤولية العراق المشتركة مع المجتمع الدولي

  • فوزي حریري، رئیس دیوان رئاسة إقلیم كوردستان العراق
  • ألیسیا ریكو، سفیر إسبانیا في العراق
  • كلمنس سمتنر، سفیر الإتحاد الأوروبي في العراق
  • خوكر وریا، باحث أقدم في مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (المحاور)

تمهيد

بإشراف خوگر وريا، ناقشت هذه الجلسة رفيعة المستوى تطور علاقات العراق مع شركائه الدوليين والمسؤولية المشتركة في الحفاظ على الاستقرار والتنمية الاقتصادية والإصلاح المؤسسي. وريا حدد إطار النقاش حول ثنائية أساسية: كيف ينظر الشركاء الدوليون إلى العراق والاستراتيجيات التي يتبعونها، مقابل ما يسعى العراق نفسه إلى تحقيقه من هذه الشراكات والخطوات التي يجب أن يتخذها لتحسينها. عبّر المشاركون في الجلسة عن رؤاهم والتحديات التي يواجهونها، مما مهد الطريق لمناقشة صريحة وبناءة شملت الدبلوماسية والاقتصاد والحكم والأمن.

رؤية الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل: من الاستقرار إلى التنمية

في مستهل المناقشة، أكد السفير كليمينس سيمتنر التزام الاتحاد الأوروبي الدائم باعتباره ”شريكاً موثوقاً ومتسقاً“ للعراق والمنطقة ككل. وأشار إلى أن العلاقة تحكمها اتفاقية الشراكة والتعاون لعام 2012، التي توفر إطارًا شاملاً للتعاون في الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ووفقًا لسيمتنر، خصص الاتحاد الأوروبي حوالي 500 مليون يورو سنويًا للعراق على مدى العقد الماضي في مجال الدعم الإنساني والاستقرار والتنمية. ومع ذلك، فإن هذه الأجندة تتحول الآن من التعافي بعد الأزمة إلى التنمية طويلة الأجل، مما يعكس انتقال العراق إلى مرحلة جديدة. وأعلن أن مجلس التعاون بين الاتحاد الأوروبي والعراق المقرر عقده قريبًا في لوكسمبورغ سيركز على المضي قدمًا في هذه الأجندة، وضمان الشمولية من خلال إشراك إقليم كردستان العراق.

وأوضح أن أولويات الاتحاد الأوروبي الأساسية واضحة: ”نريد عراقًا مستقرًا وسلميًا ومتكاملًا إقليميًا، يكون ديمقراطيًا ومزدهرًا وخاليًا من ويلات أزمات الهجرة والتطرف العنيف“. كما سلط الضوء على دعم الاتحاد الأوروبي لطموح العراق في أن يصبح لاعبًا إقليميًا، مشيرًا إلى مشروع طريق التنمية باعتباره فرصة لربط العراق بأوروبا عبر تركيا في إطار مبادرة البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي.

وشدد سمتنر على أن مشاركة الاتحاد الأوروبي تتجه بشكل متزايد نحو التنويع الاقتصادي والاستثمار، مع قيام مؤسسات مثل البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD) بدور أكبر. لكنه لفت الانتباه إلى المحرك الأقوى للتقدم في العراق، والذي يتجاوز التمويل: ”لقد سئم الشباب العراقي من الخطاب الطائفي، فهم يريدون وظائف وكرامة ومستقبلًا. ونحن هنا لدعم ذلك“.

رؤية إسبانيا: شراكة قائمة على القواعد وحقبة اقتصادية جديدة

بدأت السفيرة أليسيا ريكو حديثها بوضع مشاركة العراق في سياق تحول جيوسياسي أوسع نطاقاً. ولاحظت أن العالم قد تطور ”من نظام ثنائي القطب إلى نظام أحادي القطب، ثم إلى نظام مجزأ متعدد الأقطاب” يتم فيه إعادة تعريف التحالفات والشراكات التقليدية. وحذرت من أن النظام الدولي القائم على القواعد – والمكرس في ميثاق الأمم المتحدة منذ عام 1945 – يتعرض لضغوط شديدة في خضم هذا التغير.

وأكدت أن الدفاع عن هذا النظام يظل أساساً لجميع الشراكات بالنسبة لإسبانيا والاتحاد الأوروبي: ”نريد علاقة مع العراق قائمة على السلام والتفاوض والحوار، وليس المواجهة“.

وأشارت ريكو إلى أنه في حين أن التحديات الأمنية في العراق قد هيمنت على الأجندة الدولية، فقد حان الوقت للاعتراف بأن البلاد قد دخلت مرحلة جديدة. وأقرت بأن ”إقليم كردستان كان له السبق في التحديث والانفتاح، ولكن العراق ككل يتقدم الآن“. وشددت على أن التركيز يجب أن يتحول من المساعدة الأمنية إلى التنمية الاقتصادية والمؤسسية.

وأكدت على أهمية الحوكمة الرشيدة ونزاهة المؤسسات وسيادة القانون، واصفة إياها بأنها شروط أساسية للشراكات المستدامة. وأضافت أن دور إسبانيا يتجاوز مشاركتها في البعثة الاستشارية لحلف الناتو: ”نريد تعزيز المشاركة الاقتصادية والتجارية، وليس الأمن فقط“.

ووصفت ريكو مجموعة متنامية من الاستثمارات والاتفاقيات الإسبانية، بما في ذلك ضمانات سيادية بقيمة مليار يورو وقروض بقيمة 300 مليون يورو تم توقيعها خلال زيارة رئيس الوزراء محمد السوداني إلى مدريد. وأشارت إلى أن الشركات الإسبانية تعمل بالفعل في السكك الحديدية ومصانع الأسمنت والجبس ومشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العراق، بما في ذلك دراسات الجدوى لخطوط السكك الحديدية في كردستان.

واختتمت حديثها بتفاؤل بشأن إمكانات العراق: ”يتمتع العراق بإمكانات هائلة، فموقعه الجغرافي وسكانه وموارده لا مثيل لها. قليل من البلدان لديها مثل هذه الفرصة الفريدة لدفع عجلة التكامل الإقليمي والازدهار”.

سياسة العراق الخارجية في طور التحوّل

قدّم فوزي حريري لمحة تاريخية وسياسية مفصّلة عن تطوّر سياسة العراق الخارجية منذ عام 2003، مقسّماً إياها إلى أربع مراحل. ووصف المرحلة الأولى، من عام 2003 إلى عام 2012، بأنها فترة ”الانفتاح وإعادة الإعمار“، بدعم من السلطة المؤقتة للتحالف ومشاركة مبكرة مع الشركاء الغربيين. لكن المراحل اللاحقة اتسمت بالتفكك السياسي، وتراجع المهنية الدبلوماسية، وتزايد تدخل الأطراف الفاعلة المحلية. وقال حريري بسخرية: ”في العراق، ليس لوزير الخارجية رئيس أو رئيسان، بل ثلاثمائة رئيس“. فقد أدى وجود قادة الأحزاب السياسية والبرلمانيين والتنافس المؤسسي إلى صعوبة ممارسة الدبلوماسية بشكل متسق.

ومع ذلك، أشاد الحريري بالحكومات المتعاقبة ووزراء الخارجية لإعادة بناء العلاقات مع الدول التي كانت في يوم من الأيام متباينة حول حرب العراق عام 2003. وسلط الضوء على الدبلوماسية النشطة لرئيس الوزراء السوداني، بما في ذلك زياراته إلى الإمارات العربية المتحدة وإسبانيا والمملكة المتحدة، كدليل على تجدد المشاركة الدولية. وشدد الحريري على أن ”السياسة الخارجية ليست منفصلة عن الحياة اليومية. فالسياسة الخارجية الناجحة تعني حياة أسهل للمواطنين“.

إدارة العلاقات مع الجيران: تحقيق التوازن بين إيران وسوريا وتركيا

وفي معرض حديثه عن الديناميات الإقليمية، شدد حريري على أن دبلوماسية العراق لا يمكن فصلها عن جيرانها. وأشار إلى أن العراق يواصل إعطاء الأولوية للاستقرار والشمولية في علاقاته مع سوريا: ”سوريا ليست مجرد دولة عربية، بل هي فسيفساء من الأمم التي يجب أن تكون ممثلة في أي حكومة جديدة“.

وأشاد بإقليم كردستان لحفاظه على علاقات براغماتية في جميع أنحاء المنطقة، من الخليج إلى تركيا وإيران، بينما حذر من أن كل منها يمثل تحديات فريدة. وقال: ”مع إيران، نتحدث الآن عن التعاون الاقتصادي أكثر من السياسة“، واصفاً ذلك بأنه علامة على النضج. وفيما يتعلق بتركيا، أشار إلى تطور العلاقات منذ عام 2003 والدور الحاسم لصادرات الطاقة عبر خط أنابيب جيهان باعتباره ”مؤشراً على مدى نجاح الدبلوماسية“.

الأمن والسيادة وانسحاب التحالف

وفيما يتعلق بالأمن، قدم الحريري تقييماً صريحاً للمخاطر المرتبطة بانسحاب التحالف العالمي لهزيمة داعش. بينما ترى بغداد أن التهديد قد تضاءل، لا تزال أربيل غير مقتنعة: ”قد لا يسيطر داعش على الأراضي، لكنه لا يزال موجودًا في جيوب قادرة على زعزعة استقرار العراق“. وشدد على أن كردستان تدعم تمديد وجود التحالف حتى عام 2026 على الأقل، بحجة أن القوات العراقية لا تزال تعتمد على الشركاء الدوليين في التغطية الجوية والاستخبارات والتعبئة السريعة. وحذر من أنه ”بدون هذه القدرات، سيظل العراق عرضة للخطر“.

كان حريري صريحًا بنفس القدر بشأن التوترات السياسية الداخلية، لا سيما الخلاف حول الميزانية والتوزيع غير المتكافئ للموارد الفيدرالية: ”انخفضت حصة كردستان الدستورية من 17 في المائة إلى أقل من 4 في المائة في الواقع“، على حد قوله. ”لا تزال الثقة هشة“.

بالنسبة لكردستان، قال إن الطريق إلى الأمام يكمن في الوحدة والتنسيق الاستراتيجي بين الأحزاب الكردية وفي ضمان وجود أقوى ومؤسساتي في بغداد. وأصر على أن ”القضايا الاستراتيجية والميزانية والبشمركة والاقتصاد يجب أن تتجاوز الانقسامات الحزبية“.

الحكم الاقتصادي ومعضلة الاستثمار

بالعودة إلى موضوع الاستثمار، سلط السفير سمتنر الضوء على القيود الاقتصادية الهيكلية في العراق. ومن أبرزها ضعف القطاع المصرفي وهيمنة الإنفاق الحكومي الذي ” يغلب على الإنفاق الخاص”. وحث على الانتقال نحو تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، بدعم من المؤسسات المالية الأوروبية وإصلاح الحوكمة.

وفي معرض حديثه عن أحد التحديات الرئيسية في النظام العراقي، تحدث سيمتنر بصراحة عن الفساد: ”إنه متأصل في نظام تقاسم السلطة. وبدون إصلاح هذا الأساس، فإن التقدم سيصطدم بسقف زجاجي“. وقال إن الاتحاد الأوروبي يواصل إعطاء الأولوية للشفافية وبناء القدرات والحكم الرشيد في برامج الشراكة التي يضطلع بها، لكن المسؤولية النهائية تقع على عاتق المؤسسات العراقية نفسها.

منظور إسبانيا للأمن والإصلاح

رداً على سؤال وريا حول دور إسبانيا ضمن حلف الناتو، أوضحت السفيرة ريكو أن مشاركة إسبانيا تتجاوز المساعدة الأمنية. وقالت: ”نعم، نحن نقود البعثة الاستشارية لحلف الناتو اعتباراً من عام 2026، لكن تركيزنا الآن ينصب على الإصلاح الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص“.

وأكدت ريكو أن الإصلاحات الهيكلية في العراق، لا سيما في مجال مناخ الأعمال وحماية المستثمرين، ضرورية لفتح الباب أمام رأس المال الأجنبي. وقالت: ”يحتاج المستثمرون إلى الأمن والقدرة على التنبؤ“، مضيفة أن إسبانيا لا تشجع الاستثمار الأجنبي فحسب، بل تشجع أيضاً ريادة الأعمال العراقية. وأشادت بالنجاح الذي حققته الحكومة مؤخراً في استعادة الاستقرار: ”لا يرغب العراقيون في العودة إلى الصراع. الأولوية الآن هي الوظائف والنمو والإصلاح“.

السياسة العالمية واليمين المتطرف في أوروبا

رداً على سؤال وريا الأخير حول صعود اليمين المتطرف وتأثيره المحتمل، أقرت ريكو بأن أوروبا تواجه استقطاباً، لكنها شددت على أن إسبانيا لا تزال ملتزمة بالانفتاح والشمول. وقالت: ”لقد تفوق اقتصادنا على منطقة اليورو لأننا نعتمد على الانفتاح والهجرة المنظمة والتجارة الحرة“.

وقارنت هذا النهج بالاتجاهات القومية المتصاعدة في أماكن أخرى، مؤكدة إيمان إسبانيا بالتعددية والتفاعل التقدمي مع المنطقة. واختتمت ريكو حديثها بالتأكيد على دعم إسبانيا لسلطة الدولة ونزع السلاح في العراق: ”يجب أن تحتكر الدولة السلاح. نحن قلقون بشأن هجمات الطائرات بدون طيار واستخدام الأصول العسكرية خارج سيطرة الدولة“.

الانعكاسات والاستنتاجات

كشفت هذه الجلسة عن قناعة مشتركة بين شركاء العراق الدوليين بأن البلاد قد طوت صفحة جديدة. ورغم استمرار الهشاشة، يبدو أن العراق ينتقل من مرحلة البقاء إلى مرحلة رسم الاستراتيجيات، ومن مرحلة الاستقرار إلى مرحلة التنمية.

وقد برزت عدة مواضيع أساسية:

  • استمرارية الشراكة: لا يزال الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ملتزمين باستقرار العراق، ويربطون دعمهم بالحوكمة والنمو الاقتصادي الشامل.
  • المسؤولية المشتركة: مع إعادة تعريف العراق لسياسته الخارجية، يجب عليه أيضاً أن يطبق الإصلاحات الداخلية لضمان المساءلة والشفافية.
  • التوازن الإقليمي: الدبلوماسية البراغماتية مع الجيران أمر بالغ الأهمية، لكن النجاح يعتمد على الوحدة الداخلية وقوة المؤسسات.
  • الاستعداد للاستثمار: التنويع الاقتصادي وسيادة القانون وحماية المستثمرين هي شروط أساسية للمشاركة الأجنبية الهادفة.
  • التطورات الأمنية: انسحاب التحالف يزيد من الحاجة إلى بناء القدرات المحلية والتنسيق بين الأكراد وبغداد.

في نهاية المطاف، كما لاحظ السفير سيمتنر، سيعتمد تقدم العراق على ”نقاش صادق حول العقد الاجتماعي المستقبلي بين مجتمعاته المتنوعة“. وعبّر السفير ريكو عن ذلك بشكل أبسط: يجب على العراق الاستفادة من جغرافيته وتنوعه لبناء الازدهار، وليس الانقسام. وكما خلص فوزي حريري، فإن الدبلوماسية ليست مجردة، بل إنها تمس الحياة اليومية. وقال: ”إن السياسة الخارجية الناجحة تعني حياة أسهل للشعب“.

ملتقی الشرق الأوسط 2025

الشركاء والتقدم: مسؤولية العراق المشتركة مع المجتمع الدولي

الجلسة 2

7 تشرین الأول 2025

Comments are closed.