وسائل الإعلام هي مجموعة قوية من الجهات الفاعلة في المجتمع، سواء كانت منصات صحافية أو تلفزيونية أو إذاعية أو مواقع على الإنترنت، فلديها القُدرة على الإبلاغ والسماح بالنقاش والمداولة؛ وبالتالي فهي تلعب دوراً هاماً في عمليات الحُكم، وفي التشكيل الفكري والثقافي، وكُل ما يؤدي إلى اتخاذ القرارات. يمكن لوسائل الإعلام أيضاً أن تلعب دورا هاماً في رفع مستوى الوعي العام وتغيير تصورات الناس لأدوار الجنسين ومفهوم الشرف. على هذا النحو، وسائل الإعلام تُشكل السلطة الرابعة في كوردستان. السؤال هو: كيف تسعى هذه السلطة لفهم الحدود والإمكانيات المفروضة على نضال المرأة الكوردية من أجل الحرية والمساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية.
طوال العقد الماضي، كانت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الجديدة تُأثر بشدة على حياة الأفراد في كوردستان العراق، ولها دور في تشكيل العلاقة والتفاعل بين الناس. كانت وسائل الإعلام الإلكترونية، والتي تشمل جميع أنواع المنشورات على الإنترنت والتفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني، ذاتُ آثار مزدوجة على النِساء. من طرفٍ، خلقت فضاء جديد للمرأة، تُمكنها من الوصول إلى العالم الخارجي والمشاركة في نمط جديد من التفاعل. فمن خلال هذا الفضاء الجديد من وسائل اتصال، كانت النساء تستطيع أن تكسر حاجز الصمت حول مسألة العنف المُتصل ب”نوع الجنس”، بما في ذلك الجرائم المُتعلقة ب”الشرف”، وكان يُمكنها أن تتجاوز موقعها الجُغرافي المُحيط، واستطاعت المُشاركة في المناقشات عبر الانترنت، وتم إنشاء شبكات للتضامن والمُشاركة في العرائض والوطنية، وكذلك في الحملات الدولية.
على طرف آخر، وضعت هذه الطريقة الجديدة للتواصل والتفاعل، وضعت النِساء في مواجهة تحديات جديدة، حيثُ تأسست المعايير والشروط الخاصة بوسائل تكنولوجيا الاتصالات الجديدة. فقد وفرت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة الفضاء لاستنساخ “العنف الهيكلي” والمعايير الثقافية الجديدة و”الوضع الأبوي” من التفاعل، مما يؤدي إلى عنف مُتصل بالشرف بشكل ما. وقد سمحت هذه التكنولوجيا بظهور “الفاعل المجهول”. وتخلص الأبحاث إلى أن شبكة الإنترنت واستخدام الهاتف المحمول قد ساهمت في تداول الشائعات وزادت من الشهية لتداول “القيل والقال”، والرغبة الشديدة في نشر شائعات “العار”. ولا تهتم هذه الأخبار المبثوثة، أن تكون صحيحة أو لا تكون، لكن المسألة في الحسابات الأخيرة تظهر وكأنها معقولة في المجال العام، وإن كانت حياة هؤلاء النساء في خطر، بما في ذلك القتل المُرتبط بالشرف.
مُعظم النساء اللاتي عانين من هذا النوع من العنف من الشخصيات المعروفة، والتي تلعب دوراً حيوياً في الحياة العامة، ولها مصداقيتها وصورتها. ففي مجتمعات تحتل فيها السُمعة والمصداقية العامة جوهر المكانة المُعتبرة للنساء وعائلاتهن، لا مناص من أن تلك النساء وأسرهن وضعن تحت الضغط الجمعي، الذي يُمكن أن ينتهي في بالعزلة أو الانتحار، أو حتى القتل في نهاية، من قِبل الأعضاء الذكور من عائلاتهن، بحثاً عن تطهير “العار”.
ثمة “لُعبة” تتألف من تكوين وتعميم المواد “المُشينة”، من صور ولقطات مُلفقة للنساء، ومن ثُم نشرها خلال شبكة الانترنت والهواتف المحمولة، ومن ثُم كِتابة ونشر مواد تشهيرية ضدهن على شبكة الإنترنت. تعتمد هذه العملية على القرصنة الشخصية على الفيسبوك والبريد الإلكتروني لحسابات النساء، ومن ثم نشر البيانات الخاصة، وتهديدهن ومتابعتهن في مجالهن، وممارسة الاعتداء العاطفي والنفسي. حيث في المسعى الخفي من الديماغوجيا هو السعي لتحريض مشاعر العامة، لخلق الغضب ضد المرأة المُستهدفة.
الهدف النهائية لهذا الشكل الجديد من العُنف وممارسة السُلطة، وهو وضع المرأة في ظل نظام من التحكم والمراقبة والتخويف الشديد. كما تستهدف هذه الإعتدائات على النساء في مجال السياسة والإعلام والنشاطات الاجتماعية، تستهدف إسكات النِساء وعزلهن. في مجتمع يعتبر الشرف والسمعة القيمة الأعلى للمرأة، وحيث أن الهدف العام من قِبل المُهاجمين عبر الانترنت هو إلحاق العار الدائم بهن، والتي يُمكن أن تؤدي إلى القتل، رمزياً أو حقيقياً.
لقد شغل هذا الوضع الجديد الناشطين في مجال حقوق المرأة، الذين نظموا حملات ضد هذه الأعمال، داعين السُلطات إلى اتخاذ تدابير جديدة لحماية النساء المُستهدفات. في عام 2008، صوت البرلمان الكوردستاني على تشريع القانون رقم 6، الذي يتناول التشهير وسوء استخدام كافة وسائل الاتصال الحديثة. هذا القانون يُجرم إساءة استخدام وسائل الاتصالات، لا سيما إذا كان يؤدي إلى “التشهير” وانتهاك “الحياة الخاصة” للأفراد ووضعهم في موقع الخطر.
مع ذلك، خلصت أبحاثنا أنه ليس من السهل دائما توثيق الأدلة على هذه الانتهاكات، وتحشيد قوات الشرطة والقضاء لحماية النساء من إعتداءات الإنترنت؛ إذ لم تركز السُلطات، سواء على مستوى السياسات والتشريعات، على هذا الشكل الجديد من العنف الإفتراضي. ووجدت الدراسة أيضا أن وسائل الإعلام في كردستان لم تكن قادرة على وضع استراتيجية تقدمية تساوي بين الجنسين، وذلك بإدماج تدابير إعلامية محترفة وموافقة للمعايير الدولية، بما في ذلك السلوك الأخلاقي والدقة في إصدار تقارير متوازنة، لتجنب تصاعد الأعمال المثيرة والأبوية، التي تؤدي إلى تكاثر العنف البنيوي.