هشاشة النظام السياسي العراقي: أين المخرج؟
- یوسف گوران، قیادي في الإتحاد الوطني الكوردستاني
- فارس الفارس، قيادي في كتلة الصدارة
- ستەم كامل سعید، قیادي في حركە التغییر
- فضل فرج الله، قیادي في حزب الدعوة
- نور الماجد، إعلامیة (المحاورة)
في جلسة جمعت طيفاً واسعاً من التوجهات الأيديولوجية، شارك فيها أربعة من الشخصيات السياسية العراقية: يوسف گوران (الاتحاد الوطني الكردستاني)، فارس الفارس (تيار الصدارة)، ستم كامل (حركة التغيير)، وفاضل فرج الله (حزب الدعوة)، جرى النقاش حول أسس النظام السياسي العراقي واختلالاته الراهنة. وأدارت الجلسة الصحفية نور المجيد، حيث ناقش المشاركون قضايا أساسية تمتد من الفيدرالية وتآكل المؤسسات إلى المحاصصة الطائفية والعرقية، وتعطل السلطة التشريعية، والتشابكات الإقليمية.
مع بداية الجلسة، طرحت المديرة سؤالاً: هل لا يزال يمكن وصف العراق بأنه يمر بتجربة سياسية قيد التشكل، أم أنه انتقل إلى نظام سياسي متكامل؟ بالنسبة ليوسف گوران، القيادي البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني ووزير التعليم العالي السابق، كانت الإجابة متعددة الأبعاد. ورأى أنه رغم امتلاك العراق لنظام سياسي من الناحية الشكلية، إلا أن النظام يعاني من قصور “ولا يعكس الرؤية التي نص عليها الدستور العراقي”. وأشار إلى غياب مكونات فيدرالية حيوية، وعلى رأسها مجلس الاتحاد، كدليل على أن الدولة العراقية لم تبلغ النموذج الدستوري الذي يفترض أن تتبناه.
شدد گوران على خصوصية الفيدرالية العراقية، التي لا تزال محصورة في إقليم واحد معترف به وهو إقليم كردستان، دون وجود إطار بين الأقاليم كما هو الحال في الدول الفيدرالية الفاعلة. وقال: “لا توجد فيدرالية في العالم تقوم على إقليم واحد فقط”. كما أعرب عن أسفه لفشل إنشاء غرفة برلمانية ثانية (مجلس الاتحاد)، ينص عليها الدستور لتمثيل الأقاليم والمحافظات، معتبراً أن غياب الثنائية البرلمانية يشوّه التمثيل الوطني والنقاش السياسي. وفي كلماته: “هذا القصور يخلق خللاً في عملية اتخاذ القرار التشريعي، حيث تهيمن غرفة واحدة على بلد كان يفترض أن يكون فيدرالياً”.
بالانتقال إلى فعالية السلطة التشريعية، سلط فارس الفارس، القيادي في تيار الصدارة وعضو البرلمان السابق، الضوء بشكل نقدي على أداء البرلمان العراقي. وأقر بالمكانة المركزية للبرلمان نظرياً في البنية السياسية للعراق — “البرلمان هو غرفة محركات الدولة”، كما وصفه — لكنه أكد أن البرلمان فشل مراراً في أداء مهامه الدستورية والوطنية. وأشار الفارس إلى الانقسامات الداخلية العميقة، والصراعات السياسية، والتغيبات المستمرة بوصفها أعراضاً لأزمة أوسع، موضحاً: “لو كان البرلمان ناجحاً، لما كانت هذه الجلسة بعنوان هشاشة النظام السياسي”.
وقدم الفارس عرضاً صريحاً حول إخفاق الكتلة السنية بشكل خاص في توحيد القيادة أو تأكيد استقلالها السياسي، لا سيما فيما يتعلق بمنصب رئيس البرلمان الشاغر منذ فترة طويلة، وهو المنصب المخصص للمكون السني. واتهم الإطار التنسيقي الشيعي بالتدخل، قائلاً: “لقد اختاروا مرشحينا نيابة عنا دون تشاور”، في إشارة مباشرة إلى ترشيح محمود المشهداني. وكشفت ملاحظاته عن مدى تغلغل انعدام الثقة والمناورات الطائفية في أروقة السلطة التشريعية العراقية.
تناول ستم كامل، الأكاديمي والقيادي في حركة التغيير (گوران)، قضية المحاصصة الطائفية والعرقية بشكل أعمق. واعتبر المحاصصة مفارقة بحد ذاتها: فبينما كانت تهدف في البداية لضمان شمولية الحكم ومنع سيطرة أي طرف منفرد، تحولت لاحقاً إلى أداة للفساد المنهجي وتعطيل القرار السياسي. وقال: “كان الهدف احترام تنوع العراق وضمان التوازن، لكنها أصبحت وسيلة لتقسيم موارد الدولة بين النخب السياسية”. ودعا كامل إلى انتقال وطني من “دولة البيروقراطية” إلى “وطن الانتماء” الذي يستوعب جميع المواطنين. محذراً من أن غياب هذا التحول سيبقي العراق مجزءاً ومعرضاً لصراعات لا تنتهي.
في نقاش الفشل في بناء هوية وطنية جامعة، وجد كل من كامل وگوران أرضية مشتركة. وأشار كوران إلى غياب ما وصفه بـ”هوية عراقية شاملة تتجاوز الطائفة والعرق”، موضحاً أن معظم الفاعلين السياسيين لا يزالون يعملون ضمن أطر جماعية ضيقة. وهذه الحقيقة، كما حذر، تعزز منطق المحاصصة لا عن رغبة، بل عن ضرورة. فمن دون هوية مدنية جامعة، تظل المحاصصة القائمة على الحصص هي الآلية الوحيدة لضمان التمثيل ومنع التهميش. ومع ذلك، يرى أن هذا النموذج بلغ حدوده القصوى وفشل في التحول إلى نظام قائم على الجدارة أو سيادة القانون.
وسع كامل النقاش من خلال تأطير عملية بناء الدولة كصراع مزدوج — داخلي وإقليمي. داخلياً، دعا إلى إصلاحات جوهرية وعميقة في بنية الحوكمة تستند إلى سيادة القانون. أما خارجياً، فرأى أن العراق عليه أن يوازن بحذر بين القوى الإقليمية والدولية المتنافسة والمتزايدة الاستقطاب، بما في ذلك تركيا، إيران، روسيا، الصين، والمعسكر الغربي.
قدم فضل فرج الله، القيادي في حزب الدعوة ورئيس شبكة الإعلام العراقي السابق، رؤية أكثر توازناً. واعترض على وصف النظام بـ”الهش”، مفضلاً اعتباره ديمقراطية فتية في مراحلها الأولى. وقال: “عشرون سنة ليست وقتاً طويلاً في عمر الأمم”، مشدداً على ضرورة التريث التاريخي. وأقر بالقصور المؤسسي، لكنه أشار في المقابل إلى مجالات التقدم، مثل تعزيز الحريات الشخصية واتساع التعددية السياسية. ومع ذلك، أقر أن العملية السياسية تشوبها الانقسامات الحزبية وتكرار انهيار التنسيق بين النخب السياسية.
عندما تحول النقاش إلى الديناميكيات الإقليمية، وسع ستم كامل العدسة ليشمل موقع العراق الجيوسياسي. وشبه أزمات الشرق الأوسط الراهنة بحرب الثلاثين عاماً في أوروبا، معتبراً أن المنطقة لا تزال عالقة في صراع طائفي وأيديولوجي طويل الأمد. ودعا إلى معاهدة “وستفاليا” حديثة — اتفاق أساسي بين الدول لاحترام السيادة والسعي لتحقيق الاستقرار. ورأى أن العراق يجب أن يلعب دور التوازن في هذا المشهد، مشيداً بجهود الحكومة الحالية للحفاظ على الحياد وسط التوترات الإقليمية المتصاعدة. وقال: “لا يمكن للعراق أن ينحاز في منطقة شديدة الاضطراب”، مشدداً على ضرورة الحفاظ على التوازن الاستراتيجي.
تركزت الملاحظات الختامية للجلسة على آفاق الإصلاح ومسؤولية الطبقة السياسية العراقية في إحداث التغيير المنشود. شدد فارس الفارس على ضرورة توضيح قانون الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بآليات تشكيل الأغلبية البرلمانية. وانتقد تفسير قاعدة “الكتلة الأكبر” بعد 2018، معتبراً أنه شجع على صفقات ما بعد الانتخابات على حساب إرادة الناخبين والحكم الرشيد. وقال: “نحن عالقون في حلقة مفرغة من المساومات السياسية، حيث تُشترى السلطة ولا تُكتسب بالكفاءة”.
في المقابل، دافع فرج الله عن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، مؤكداً أنها تشكلت بمشاركة واسعة وتستحق الدعم المستمر. ورفض المزاعم بأن الإطار التنسيقي يعرقل خيارات السنة في اختيار قيادتهم، موضحاً أن المشكلة تكمن في غياب التوافق الداخلي ضمن المكون السني ذاته. وقال: “الإطار لم يفرض مرشحاً؛ بل انتظر أن يتفق السنة فيما بينهم”.
على مدار النقاش، ورغم تباين الآراء وتفاوت درجات التفاؤل، اتفق المتحدثون على تشخيص مشترك: لا يزال النظام السياسي العراقي في حالة تقلب بين الطموح والتردد. وسواء وُصف بالهش أو الناقص أو غير المكتمل، من الواضح أن الإصلاحات الهيكلية، والإرادة السياسية الصادقة، وهوية مدنية موحدة ستظل العوامل الحاسمة في تحويل النظام من تنافس قائم على الحصص إلى ديمقراطية مستقرة وشاملة.