لا فرص لتمكينهن الفجوة التي لا تُردم بين النساء والرجال في المناصب العليا
د. هتاو حمة صالح حسين
الجزء الأول
كانت تقف جانبا مع شقيقتها في انتظار مناداة اسمها لاكمال معاملتها المتعلقة بتحويل قطعة أرض، حين سمعت صوتا بدا مألوفا لديها “ليلى ماذا تفعلين هنا؟”.
صاحبة ذلك الصوت، حَمِلتها 20 عاما الى الوراء حين كانت طالبة في الثانوية تدرس لتلتحق بكلية الهندسة، لكن حلمها تبدد حتى مع تحقيقها للمعدل المطلوب. صوت صديقتها وذكرياتها القديمة اختلط بصوت والدها “أنت فتاة لا يمكنك أن تكوني مهندسة، لا ينفع الفتيات غير التدريس، ويظل البيت المكان الأفضل لهن”.
بعد تبادل السلام، قادتها الى غرفة في نهاية ممر طويل مزدحم بالمراجعين والموظفين الرجال، لتدرك سريعا ومن خلال اللافتة المعلقة على الباب، ان صديقتها أصبحت مديرة قسم. انها واحدة من بين سبعة نساء فقط يعملن في الدائرة التي تضم أكثر من خمسين رجلا.
تظهر بيانات حكومية رسمية، ان نسبة النساء العاملات بالمؤسسات العامة في مختلف التخصصات المهنية تبلغ أقل من ثلث المجموع الكلي للموظفين، فجميع الوزارات العراقية عدا التربية والتعليم العالي والمالية، تفتقر الى التوازن الجندري، ونسب الموظفات فيها صغيرة مقارنة بعدد الموظفين الرجال.
ووفق بيانات الجھاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط لسنة 2018، تبلغ نسبة النساء اللواتي يعملن في الوزارات المؤسسات الحكومية أقل من 30% من المجموع الكلي للعاملين في ذلك القطاع. وتتركز النسبة الاعلى للنساء العاملات بالقطاع العام في وزارة التربية، حيث تبلغ نحو 55% من عموم العاملين في تلك الوزارة.
ويشكل عدد النساء العاملات في وزارة التربية %72 من مجموع الموظفات العراقيات في القطاع العام عموما، فيما تعمل باقي النسبة (28%) من الموظفات في باقي الوزارات.
البيئة المدرسية تناسب الفتيات؟
تعمل ليلى مع ثلاث من شقيقاتها في مهنة التدريس، هذا ما فرضته الثقافة الاجتماعية التي ترى ان افضل مهنة للمرأة هي التدريس.
تقول، وهي تشير الى رزمة من الأوراق الامتحانية المدرسية التي عليها ان تراجعها: “كنت أحلم ان اصبح مهندسة، لكن والدي رفض ذلك بشدة واصر على التحاقي بكلية التربية لأصبح مدرسة أسوة بشقيقاتي. كان يردد: هذا هو المكان المناسب، او ابقين في المنزل”.
مثل بنات “حاجي علي” فان معظم قريباتهن اللواتي يعشن في اربيل، يمارسن مهنة التعليم، فهناك قناعة مترسخة انها المهنة الوحيدة التي تصلح للفتيات “لأن ساعات الدوام اقل وهناك عطلة صيفية تمتد لأشهر، والأهم انها تضمن التعامل مع طالبات وطلاب صغار في السن وتجنبهن الاختلاط مع الرجال”.
ولا يقتصر ذلك التوجه، على عائلة حاجي علي، بل يشمل باقي مناطق العراق، فالمجتمع يفضل مهنة التدريس للنساء دون سواها من المهن، وهذا ما تظهره بيانات الجهاز المركزي للإحصاء للعام 2018، حيث ان 347702 من النساء يعملن في وزارة التربية من مجموع 625311 عاملا وعاملة في الوزارة.
تلك الأرقام تؤشر بحسب الباحثة في المجال الاقتصادي سعاد قادر “خللا في التوازن الجندري، ينعكس سلبا على الأداء الاقتصادي”.
وتنبه قادر الى ان المشكلة التي “ترتبط بالبنية الثقافية والاجتماعية” في العراق، تزداد تعقيدا في القطاع الخاص “فاذا كانت نسبة النساء العاملات في القطاع العام تقل عن 30% من المجموع الكلي للعاملين، فان النسبة أدنى بكثير في القطاع الخاص وفق بعض المؤشرات التي لديهم في ظل عدم وجود ارقام رسمية”.
السياسات الحكومية
وتعلق التدريسية سلوى محمد، التي تعمل في احدى مدارس اربيل الثانوية منذ أكثرمن عشرين عاما، على مؤشر النسب العالية لتوظيف الإناث في وزارتي التربية والتعليم العالي، بالقول ان سببين رئيسيين يقفان وراء ذلك “الأول ان المجتمع العراقي بصورة عامة يفضل مهنة التدريس لأنها تتطلب ساعات عمل اقل ما يجعلها تنسجم بصورة اكبر مع العمل البيتي ولكون تلك المهنة هي الأقرب الى العمل النمطي للمرأة المتمثل بتربية الأطفال”.
فيما ترجع السبب الثاني الى سياسات الحكومة العراقية من خلال “الخطط التعليمية التي تبنتها في العقود الماضية والتي شجعت مهنة التدريس للبنات، حيث فتحت المعاهد ودور المعلمات في المدن الصغير الى جانب الكبيرة والتي قامت بتخريج آلاف المعلمات سنويا، وكانت نسبة قبول البنات فيها كبيرة جدا خاصة ان مدة الدراسة في المعاهد أقل، وهو ما جعل مهنة التدريس هي الاسهل من بين المهن الاخرى”.
قلة نسبة النساء الموظفات في القطاع الحكومي بصورة عامة والبالغة 28% وفق احصاءات وزارة التخطيط، وتركزها في وزارة التربية بسبب اقبال النساء على العمل في تلك الوزارة بشكل أساسي دون غيرها، انعكس سلبا على نسبتهن في الوزارات والمؤسسات الأخرى، ففي وزارة الداخلية تقل نسبة النساء عن 5% فيما تبلغ نحو 10% في وزارة النفط، وهذا يشكل خلالا كبيرا في التوازن الجندري بالوزارة الأخيرة.
ووفق الأرقام الرسمية فانه لكل 25 امرأة تعمل في وزارة التربية هناك امرأة واحدة فقط تعمل في وزارة الداخلية، وتسجل أرقام مقاربة في وزارة التعليم العالي. في حين انه مقابل كل 25 رجلا موظفا هناك فقط 7 نساء موظفات.
وتنبه فاطمة حسين، وهي ناشطة نسوية وموظفة في وزارة المالية، الى جملة تأثيرات سلبية تشكلها تدني نسبة المرأة في القطاعات الأخرى وحصر عملهن في قطاع التعليم
تقول ان وجود أكثر من 70% من الموظفات في وزارة التربية من الطبيعي ان ينعكس سلبا على حضورها في الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى “وهذا بدوره يؤثر سلبا على السياسات والخطط التنموية لتلك الوزارات التي ربما لن تراعي وجود المرأة وحاجاتها، كما انه يعني نقص استثمار قدرات النساء بما فيه المتميزات، وحرمان هيئات حكومية من الامكانات النسوية ومن صاحبات الموهبة والعقول الذكية”.
كما ترى فاطمة ان القيود المجتمعية والثقافة السائدة التي تدفع المرأة الى مهنة التعليم حصرا، لها تأثير سلبي على كثير من النساء اللواتي يطمحن للعمل في وظائف أخرى “ذلك يجعلها مقيدة في اختيار وظيفة تناسبها وتحقق من خلالها ذاتها وتثبت وجودها وقدراتها”.
وتنبه الى ان محدودية مشاركة المرأة في القطاعين العام والخاص في المحصلة يعني عدم الاستفادة من تلك القوى البشرية الكامنة، وبالتالي خسارة فرص اقتصادية وامكانيات تنموية مهمة.
تتفق الدكتورة سعاد قادر مع ذلك الرأي، وتلفت الى ان الأرقام والبيانات المتعلقة بمشاركة المرأة في القطاع الحكومي، وحصر قدرات النساء بوزارات محددة، تعد مؤشرا سلبيا في الاقتصاد، كما في مفھوم النوع الاجتماعي الذي يسعى الى تحقيق التكافؤ بين الجنسين في جميع وزارات الدولة واعطاء فرص متساوية لعمل الجنسين.
وتخلص الى القول ان الأرقام تخبرنا ان تحقيق المساواة بين الجنسين في الوزارات والهيئات، يتطلب من الحكومة توظيف حوالي مليون امرأة ضمن كل الوزارات العراقية.
تلك الحقائق يؤكدها محمد علي، وهو استاذ جامعي، لكنه لا يقف عند مشكلة تركز حضور النساء في مهن محددة فقط، بل يشير الى ما يصفه “بالاختلال الكبير” في التوازن الجندري بين القطاعين العام والخاص.
وينبه علي: “هذا يعني ان نسبة مشاركة المرأة في الاقتصاد متدنية جدا، ولذلك انعكاسات سلبية على معدلات الفقر المتصاعدة ومعدلات التنمية الضعيفة في البلاد في ظل تهميش نصف المجتمع”.
وفيما يتوافق المحللون الاقتصاديون للبيانات المتعلقة بمشاركة المرأة في القطاع العام، ان القيود والتقاليد المجتمعية تدفع الى تعطيل الطاقات الاقتصادية والتنموية لجزء حيوي من المجتمع، من خلال حصر عمله بقطاعات محددة او اجباره على قضاء حياته بين جدران المنزل. فان ليلى، التي دفنت طموحها في ان تكون مهندسة واجبرت على الاتحاق بمهنة التدريس التزاما برأي عائلتها، ترى ان تلك القيود افرزت أثارا سلبية انعكست في حياة الكثير من النساء اللواتي خسرن خيارات العمل في مهن كن يحلمن بخوض غمارها.
تقول ليلى، وهي تبتسم بعد ان تمكنت من مساعدة ابنها ذو الستة عشر عاما في حل معادلة هندسية” “بعد كل تلك السنوات ما زلت لا أحب مهنة التدريس.. انها لا تناسب شخصيتي.. أعتقد أنني لو عملت في مجال الهندسة لأثبت تفوقي”.
وتخلص الى القول وهي تنظر الى ابنتها:”أنا لن أفعل ذلك معها، لن اسمح لأحد بحجرها أو وضعها في زاوية صغيرة وكسر اجنحتها، ستدرس وتعمل في المجال الذي يتوافق مع امكاناتها ويحقق أحلامها”.
الجزء الثاني
“لن يحدث ذلك..وان حصل ستفشل لا محالة” قالتها الدكتورة (ل. م) التدريسية في احدى كليات جامعة السليمانية، تعليقا على احتمال اختيار امرأة لرئاسة الجامعة. وتابعت بلهجة واثقة وهي ترتب عدة كتب شغلت طاولتها الكبيرة “هذا هو الواقع”.
ردت عليها زميلتها (ك. ص) وهي ترسم نصف ابتسامة :”لماذا تعتقدين ذلك؟.. هل لمجرد كونها إمراة يعني عدم قدرتها على ادارة الجامعة؟!”.
ساد الصمت للحظات قبل ان تتابع:”اذا كنا نحن الأكاديميات لا نؤمن بامكانية وجود امرأة واحدة قادرة على ادارة جامعة، فلا عجب من رأي الرجال!”.
ماتزال الفجوة بين النساء والرجال في المناصب الادارية العليا في الوزارات العراقية كبيرة جداً، فحتى فكرة ترؤس أكاديمية لإحدى جامعات اقليم كردستان، وهي المنطقة الأكثر انفتاحا واستقرارا في العراق، تواجه الكثير من المعترضين والمشككين في الأوساط الأكاديمية الأفضل تعليماً وثقافة، وتكشف بيانات حكومية أن نسبة تمثيل النساء في موقع مدير عام بوزارة التعليم العالي العراقية هي صفر%.
وتظهر البيانات الصادرة من وزارة التخطيط العراقية لسنة 2018، وجود امرأة واحدة في منصب مدير عام مقابل كل تسعة من الرجال، وذات النسبة تتكرر لمنصب معاون مدير عام.
لا تختلف النسبة اعلاه حتى في الوزارات التي تحظى بنسب مشاركة عالية للنساء كوزارة التربية، فالنسبة الاجمالية للمرأة في إدارة وزارة التربية تبلغ أقل من 10% رغم ان تلك الوزارة مع وزارة المالية وصلتا الى التوازن الجندري في عدد الموظفين بخمسين بالمائة للرجال وخمسين بالمائة للنساء.
النظرة الاجتماعية
يرى متابعون لأوضاع المرأة ولواقع تمثيلها في مواقع القرار، ان النساء لم تتح أمامهن الفرصة لتولي المناصب الإدارية العليا لأسباب واعتبارات عديدة، وليس لأنهم لم يثبتوا نجاحهم في تولي وادارة تلك المواقع.
تقول أمل جلال، عضوة المجلس الأعلى لشؤون المرأة في حكومة اقليم كردستان، موضحة اسباب عدم وصول المرأة الى المناصب الادارية العليا: “الأمر يرتبط بطبيعة المجتمع العراقي ونظرته لدور المرأة بشكل اساسي، وينعكس ذلك بإحداث تباين وفروق بين النساء والرجال فی التأهيل والتعليم”.
وترى جلال ان تغيير ذلك الواقع، بما يتطلبه أولا من تحسين حالة التوازن الجندري في الوظائف “يفرض البدء بحلول عملية واجراءات داخل الوزارات”، مطالبة الحكومة العراقية بالعمل على “ضمان حق المرأة في تولي الادارات العليا ضمن فقرات الدستور، أسوة بنسبة النساء في البرلمان العراقي والمحددة بـ 25%”.
وتدعو جلال الى اطلاق مشاريع “لتأهيل المرأة من خلال دورات تدريبية لتكون مستعدة لاستلام تلك المهام ولضمان نجاج مشاركتها في المواقع العليا”.
وتطالب أيضا بقيام الدولة بتحديد نسبة معينة لتوظيف النساء في القطاعين الحكومي والخاص “فحسب قانون العمل يمكن ان نشترط على الشركات والهيئات مراعاة حق النساء في التوظيف”.
سببان وراء الفجوة
من جانبها تحدد المهندسة والوزيرة السابقة لشؤون المرأة في العراق، بيان نوري، سببين يقفان وراء محدودية مشاركة المرأة في المناصب الادارية العليا، الأول يتعلق بضعف الخبرات التي تحصل عليها، والثاني يعود الى ان أغلب النساء ليس لديهن رغبة في تولى المناصب الادارية.
تتفق الموظفة في وزارة التعليم العالي سهاد جبار، مع ذلك الرأي، وتقول “ان الالتزامات المنزلية لا تخلق الدافع لديها ولدى زميلاتها بتولي مناصب عليا.. نحن نرغب بانهاء عملنا سريعا والعودة الى المنزل لتأمين متطلبات العائلة، في حين يمكن للرجال قضاء ساعات اطول في العمل او حتى متابعته بعد انتهاء الدوام”.
تلك الأسباب هي التي تجعل نسبة النساء في موقع مدير عام بوزارة التعليم العالي تبلغ صفرا، رغم ان التوازن الجندري متحقق فنسبة النساء عموما مقاربة لنسبة الرجال في تلك الوزارة وفق ما تظهره البيانات الرسمية.
ويتكرر التمثيل الضعيف للنساء في باقي الوزارات، فنسبة تمثيل النساء في الوظائف بوزارة الداخلية التي تعد واحدة من أكبر الوزارات العراقية كما في الإدارة العليا هي الأسوأ، فلا حضور لها في المناصب العليا. وبعدها تأتي وزارات الصحة والشباب والهجرة التي فشلت في تحقيق التوازن الجندري بالمناصب الادارية حيث ينعدم تمثيل النساء في الادارات العليا رغم ان نسبة النساء الموظفات فيها تبلغ نحو 30%.
وتختلف الصورة في كل من مجلس القضاء الأعلى ووزارة التخطيط، فنسبة تقلد النساء لمنصب مدير عام تبلغ 60% في مجلس القضاء، في حين تبلغ نحو 40% في وزارة التخطيط.
تعلق المهندسة بيان نوري، على تلك النسب: “هذا يؤكد حصول عمل في مجال تنصيب المرأة كمديرعام بمجلس القضاء ووزارة التخطيط، في مؤشر ايجابي نادر للنساء في العراق”، مشيرة الى ان الموقعين المذكورين يحظيان بأهمية وان ذلك يظهر امكانية تحقيق ذات الأمر بالوزارات الأخرى ان تم العمل في ذلك المسار.
https://datawrapper.dwcdn.net/bWzEN/15/
أما في موقع نائب مدير عام، فان وزارتي التعليم العالي والعدل فضلا عن البنك المركزي كما مجلس القضاء الأعلى عملت على تنصيب المرأة في ذلك الموقع بشكل ممتاز، ففي هذه الوزارات والمؤسسات نسبة المرأة كمعاون مدير عام هي اكثر من النصف، خاصة في وزارة التعليم العالي حيث تفوق نسبة النساء فيها ضعفي نسبة الرجال وهي 75%.
بينما تظهر البيانات انعدام تمثيل النساء في منصب مدير عام في كل من مجلس الوزراء، ديوان الوقف السني، ديوان الوقف الشيعي، المفوضية العليا للانتخابات، ووزارات الداخلية، الهجرة، التعليم العالي، الصحة، الشباب والرياضة. وكذلك الحال بالنسبة لتمثيل المرأة كمعاون مدير عام في وزارات الصناعة، البيئة، النفط، الداخلية، الصحة، هيئة النزاهة.
تفسر موظفات واقع تمثيل النساء في تلك المواقع، بأن جزءاً منه يتربط بنظرة المجتمع وبمسؤوليات النساء في المنزل، لكن جزءا آخر يتعلق بعدم حصول عمل وتخطيط جدي لتغيير ذلك الواقع من خلال تنصيب نساء يتمتعن بالكفاءة.
تقول الأكاديمية والناشطة في مجال المرأة نسرين احمد، ان التمثيل الضعيف للنساء في الوظائف العليا يرتبط بالنظرة القاصرة للمجتمع إلى دور المرأة ومكانتها في مختلف جوانب الحياة “في مجتمعنا يسود الاعتقاد بأن الدور القيادي للمرأة ضعيف جدا وهي غير مؤهلة لذلك”.
وتضيف “ما يزيد المشكلة هو قلة وعي المرأة بامكاناتها ودورها المحوري، فذلك يحول دون انطلاقها ومشاركتها الفعالة في المناصب الإدارية والتنظيمية”.
لكن الباحث احمد سنجاري، يرجع التمثيل المحدود للنساء الى جانب آخر وهو ان “المناصب العليا في العراق هي حصص سياسية، والسياسة ميدان لعمل الرجال، لذا من البديهي ان تذهب المواقع العليا للرجال كحصص سياسية وليس كاستحقاق مرتبط بالكفاءة”.
https://datawrapper.dwcdn.net/Cl779/10/
التدريب و التحصيل العلمي
يرى المهتمون بموضوع التوازن الجندري، ان التدريب والتأهيل وسيلة مهمة لتعزيز العمل بمبدأ النوع الاجتماعي، بالتالي هو يشكل ضرورة للنھوض بتمثيل المرأة في المؤسسات من خلال زيادة وتعزيز مھاراتها وصقل الخبرات التي تمتلكها ورفع مستوى الأداء لديها.
حسب بيانات الجھاز المركزي للإحصاء بوزارة التخطيط لسنة 2018، فان نسبة النساء الموظفات اللواتي حضرن المؤتمرات والدورات الخارجية هي اقل من ثلث النسبة الكلية للذين حضروا تلك النشاطات التأهيلية، فبين كل ثلاث نساء هناك سبعة رجال يشاركون في المؤتمرات والدورات.
ومن المجموع الكلي للموظفين في الوزارات شارك الرجال بنسبة 10% في الدورات الداخلية، فيما بلغت نسبة مشاركة النساء 11% من المجموع الكلي للموظفات، وهنا تميل الفجوة بين الجنسين لصالح النساء، اذا لم نأخذ بنظر الاعتبار ان نسبة النساء في القطاع العام أقل من 30%.
وفي الدورات الخارجية بلغت نسبة مشاركة الموظفين من الرجال والنساء1% على حد سواء من المجموع الكلي لكل منھما، وھنا نجد تكافؤ في الفرص لكلا الجنسين .
ويرى دلوفان برواري، الذي يدرب في مجال الصحافة والجندر، ان مشاركة النساء في الورش والمؤتمرات مهمة جدا لمنحهم الخبرات اللازمة وأدوات تطوير قدراتهن، مبينا ان بعض المنظمات تشترط نسبة مشاركة لا تقل عن الثلث للنساء في الورش التي تنظمها “في اطار جهودها لتمكين المرأة، وهو أمر مهم لمنحها فرص افضل لتولي المناصب في مواقع العمل المختلفة”.
تظهر البيانات وجود تكافؤ في الفرص المتاحة للتدريب لكلا الجنسين في الوزارات المختلفة، ومع ارتفاع التحصيل العلمي للنساء الموظفات ترتفع فرص تطوير امكاناتها وخبراتها وبالتالي توليها لمناصب عليا
مستوى تعليمي عالي وتمثيل ضعيف
في تقاطع واضح مع الفرص الضعيفة لتقلد النساء مناصب ادارية عليا، يلاحظ ان عدد النساء الموظفات اللواتي حظين بمستوى تعليمي يصل الى الدبلوم والبكالوريوس مرتفع.
وتبلغ نسبة النساء الحاصلات على شھادة البكالوريوس في جميع الوزارات اكثر من 40% من العدد الكلي للموظفين (الرجال والنساء)، وهذا يؤشر ان النساء قياسا لنسبتهن الكلية في المؤسسات الحكومية يمتلكن تعليما جيدا يفوق تعليم الرجال في وقت لا يحظين بفرص جيدة لتقلد مناصب عليا.
وتظهر بيانات الجھاز المركزي للإحصاء، ان عدد الرجال من حملة شهادة البكالوريوس أكبر من عدد النساء الحاصلات على ذات الشهادة، ونسبتهم تقل عن ضعفي نسبة النساء. حيث تبلغ نسبة النساء الحاصلات على شھادة البكالوريوس 41% ضمن كل الوزارات.
لكن عند دراسة التوزيع النسبي للمستوى التعليمي نلاحظ ان نسبة الرجال العاملين من فئة الأميين (الذين لا يستطيعون القراءة والكتابة) وفئة يقرأ ويكتب وذوي الشهادة الابتدائية، في الوزارات المختلفة، هي اكبر من نسبة النساء وتبلغ نحو 11%.
نسبة الموظفات الحاصلات على شهادات البكالوريوس والدبلوم في وزارة التربية 55.58%
نسبة الموظفات الحاصلات على شهادات البكالوريوس والدبلوم في وزارة المالیة 52.18%
نسبة الموظفات الحاصلات على شهادات البكالوريوس والدبلوم في وزارة التعلیم العالي 55.31%
تعليقا على النسبة الأخيرة تلفت الدكتورة سعاد قادر، المتخصصة في الاقتصاد، الى عدم انعكاس النسبة العالية للنساء الحاصلات على شهادة البكالوريوس في وزارة التعليم العالي، على تقلد النساء للمناصب العليا في الوزارة.
وتقول ان ذلك يظهر في أحد جوانبه “ان الأمر مرتبط بعدم منح فرص للنساء لتقلد تلك المناصب ولا يرجع الى مستوى التعليم والمؤهلات”، مضيفة “هذا في وزارة التعليم العالي، فما بالك بالوزرات الاخرى”.
وتؤشر البيانات والأرقام المتعلقة بمستوى تعليم النساء في الوزارات والمؤسسات الحكومية، ان التحصيل العلمي بمستوى شهادة البكالويوس لدى النساء ضمن كل الوزارات والهيئات الحكومية ليس سيئاً، فبين كل ثلاثة رجال هناك امرأتان مؤهلة تعليمياً لتولي المناصب الإدارية العليا، ما يمثل مؤشرا جيدا لصالح النساء.
كما ان نسبة الموظفات الحاصلات على شهادات البكالوريوس والدبلوم في بعض الوزارات مثل الاعمار والاسكان، التربية، المالية، التعليم العالي، فضلا عن البنك المركزي، اكبر من النصف، وهذا يعني ان المرأة مؤهلة اكثر في هذه الوزارات للوصول الى المراكز الإدارية العليا.
لتحقيق التوازن الجندري؟
وتشير الدكتورة سعاد، الى انه وفقا لأرقام وبيانات الجھاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط لسنة 2018، فان تحقيق المساواة بين الجنسين في الوزارات والهيئات يتطلب تنصيب 855 امرأة في المناصب الادارية العليا بالوزارات.
حيث تبلغ نسبة النساء في الإدارات العليا بالوزارات والهيئات المختلفة نحو %12 وهذا يعني ان النساء يحصلن على 12 منصب اداري فقط مقابل كل 88 منصب يذهب الى الرجال “وهذا يؤشر وجود خلل في التوازن الجندري يحتاج الى معالجة”.
وبحسب الأرقام ذاتها، فان تحقيق التوازن بين الجنسين في الوزارات والهيئات، يتطلب من الحكومة توظيف 855 امرأة في المناصب الادارية العليا. أي ان على الحكومة أن تزيد عدد النساء في المناصب الإدارية من 128 حاليا الى 983 والتي هي عدد المناصب الإدارية للرجال.
ولتحقيق التوازن المفقود، يجب توظيف النساء بشكل أكبر في المناصب الإدارية العليا بوزارات: الھجرة، الداخلية، مجلس الوزراء، ديوان الوقف السني، ديوان الوقف الشيعي، المفوضية العليا، التعليم العالي، الصحة، الشباب والرياضة. لأن نسبة النساء كمدير عام او كمعاون مدير عام فيها معدومة.
لكن الدكتورة سعاد، الأكاديمية المختصة بالاقتصاد، تنبه الى نقطة تعتبرها جوهرية وحساسة في التعيينات، تتمثل في “التعيين على أساس الانتماء السياسي والمصالح الحزبية، وليس على أساس الكفاءة والمؤهلات”.
وتوضح “هذه التعينات تضع الكثير من النساء غير المؤهلات علميا واداريا في المواقع العليا، ولاحقا يواجهن الفشل ويؤثرن على قوة حضور المرأة ودورها، في حين لا تحظى نساء مؤهلات بتلك المواقع بسبب استقلاليتهن السياسية والحزبية”.
مرتكزات خلق التوازن
ويرى المهتمون بموضوع التوازن الجندري، ان هناك ثلاثة مرتكزات يمكن ان تزيد فرص وصول المرأة الى المناصب الإدارية العليا، وهي تتمثل في زيادة أعداد النساء في الوزارات، واتاحة الفرص أمامهن لكسب الخبرات والمؤهلات، وزيادة مستوى التحصيل العلمي للمرأة.
من حيث العدد، هناك بعض الوزارات مثل التربية والمالية، تزيد احتمالية توظيف النساء في المواقع الإدارية العليا أكثر من غيرها، لأن نسبة النساء فيها اكبر من الرجال ولأن تحصيلهن العلمي فيها مرتفع، بينما في وزارة الداخلية فان احتمال وصول النساء للمواقع العليا فيها ضئيل جدا لأن نسبة النساء من حملة شهادة بكالوريوس فما فوق صغيرة وهي اقل من 10%.
وفيما يتعلق أيضا بتأثير المستوى العلمي للموظفات، ووفق البيانات فان احتمال حصول المرأة على وظيفة عليا في خمس وزارات (وزارات الاعمار والاسكان، والتربية، والمالية، والتعليم، فضلا عن البنك المركزي) أكبر من غيرها، لأن تمثيل النساء من حملة شهادة البكالوريوس فيها يبلغ اكثر من نصف العدد الكلي للموظفين.
بينما إمكانية الوصول الى المواقع الإدارية العليا في وزارتي الداخلية والنفط ضئيلة جدا بسبب تدني نسبة الموظفات الحاصلات فيها على تحصيل جامعي.
وتلعب مسألة تمكين المرأة واتاحة الفرص أمامها ضمن الخطط الاستراتيجية للمؤسسات، أهمية محورية في تقلدها للمناصب في الإدارات العليا، فمجلس القضاء الأعلى ووزارة التخطيط، منحتا فرصة اكبر للنساء لتقلد المناصب العليا فانعكس ذلك على ارتفاع نسبة النساء اللواتي تقلدن مواقع عليا فيهما بمستوى مدير عام ونائب مدير عام تواليا.
على عكس وزارة الصحة التي لم تعطي فرص للنساء للوصول الى المواقع العليا رغم ان أكثر من 40% من النساء في الوزارة يحملن شهادة البكالوريوس.
تعليقا على مخرجات تلك الأرقام والبيانات، تقول الأكاديمية فاطمة احمد، التي تأمل في الفوز بموقع اداري متقدم في احدى الجامعات باعتباره استحقاقا علمياً وادارياً طبيعياً لها: “هم لا يمنحون النساء فرص لتطوير قدراتهن الادارية، ثم يقولون انتِ لاتملكين الخبرة.. كيف نكتسب الخبرة اذا لم تمنحونا الفرصة؟”.
وتنبه: “الفجوة بين النساء والرجال في المناصب العليا ستظل قائمة، بكل ما يعنيه ذلك من تعطل جزء مهم من القوى التنموية التي يريد البعض أن تظل مقيدة او مؤطرة في زاوية محددة، ما لم تتبنى الحكومة خطط لتمكين النساء بما فيهم الموظفات واتاحة الفرص أمامهن لتجربة العمل الاداري والقيادي”.