Back

استراتيجيات إقليم كوردستان في خضم الاضطرابات الإقليمية والعالمية

 

هذه الجلسة النقاشية جمع بين رئيس أقليم كوردستان، الرئيس نجيرفان بارزاني، وسرهنگ حمە سەعید، خبير في عملية بناء السلام في حوار حول الموقع الاستراتيجي لإقليم كوردستان في ظل المشهد السياسي المتغير في العراق والسياق الإقليمي والدولي الأوسع. عقدت الجلسة في منتدى ميري ٢٠٢٥، وتركزت المناقشة على المرحلة الانتقالية بعد عام ٢٠٠٣ والتسوية الدستورية لعام ٢٠٠٥. يستعرض الحوار آفاق التجربة الفيدرالية في العراق ويناقش أسباب عدم تحقيق العديد من أهدافها الأساسية بعد مرور ما يقرب من عقدين من الزمن. وبدلاً من التعامل مع التحديات التي يواجهها العراق على أنها أزمات منفصلة، يضع الحوار هذه التحديات في سياق عملية بناء الدولة الطويلة والمستمرة التي تتسم بالفيدرالية الخلافية وضعف المؤسسات والفجوة المستمرة بين النص الدستوري والممارسة السياسية.

طوال المناقشة، يطرح الرئيس بارزاني حجة متسقة: لا يزال الدستور العراقي أهم إنجاز سياسي لإقليم كوردستان، لكن عدم تنفيذه هو السبب الرئيسي لعدم الاستقرار الهيكلي في العراق. ثم ينتقل الحوار إلى الانتخابات والشرعية الديمقراطية والاستدامة الاقتصادية والأمن والحوكمة والعلاقات الإقليمية، مع التركيز على المخاطر التي تشكلها الجهات المسلحة التي تعمل خارج سلطة الدولة والنموذج الاقتصادي غير المستدام الذي يقوده القطاع العام.

وعلى الصعيد الإقليمي، تم اعتبار نهج إقليم كوردستان نهجاً براغماتياً وموجهاً نحو الاستقرار، يمنح الأولوية للدستورية والتنسيق السياسي والانخراط طويل الأمد، لا سيما مع بغداد، التي تم تحديدها على أنها العمق الاستراتيجي لإقليم كوردستان.

تتناول الاقتباسات التالية المواضيع الرئيسية التي تمت مناقشتها. ويمكن الاطلاع على النص الكامل للمناقشة باللغة الكردية، كما يمكن مشاهدة التسجيل المصور عبر موقع MERI الإلكتروني.

تم تنقيح الاقتباسات الواردة تحت كل موضوع للحفاظ على معناها السياقي الكامل.

  1. الدستور العراقي: إنجاز أساسي، مشكلة أساسية

تم أعتبار الدستور أهم مكسب كردي بعد عام 2003، ولكنه أيضًا أصل الخلل الوظيفي الحالي في العراق بسبب عدم تنفيذه بشكل منهجي.

صرح الرئيس نجيرفان بارزاني قائلاً: ”أعتبر الدستور العراقي نفسه إنجازًا كبيرًا لإقليم كردستان“. ثم شدد على أن ”المشكلة الأساسية هي ما إذا كان هذا الدستور قد تم تنفيذه أم لا، والجواب هو لا“. ومضى في شرحه قائلاً ”جميع خلافاتنا مع بغداد – النفط، والمادة 140، والبشمركة – تنبع من مصدر واحد: عدم تنفيذ الدستور“. وحذر لاحقاً من أن ”أخطر مشكلة في العراق اليوم هي أن لا أحد يعرف ما إذا كان النظام فيدرالياً حقاً أم مركزي“.

  1. الفيدرالية مقابل المركزية في الممارسة

في حين أن العراق فيدرالي دستوريًا، إلا أنه يعمل في الواقع كدولة شديدة المركزية، مما يتعارض مع توقعات الكورد والأنظمة الفيدرالية المشابهة.

لاحظ بارزاني أن ”في الممارسة اليومية، العراق شديد المركزية، على الرغم من أنه يُصنف كدولة فيدرالية“. وأضاف أن ”لا يوجد في أي مكان في العالم حكومة فيدرالية تعامل منطقة ما بالطريقة التي تعامل بها بغداد إقليم كوردستان“. وأشار كذلك إلى أن ”سلوك بغداد تجاه إقليم كوردستان يعكس عقلية مركزية مفرطة.“

  1. العمق الاستراتيجي لإقليم كوردستان: بغداد

برأي البارزاني، فإن مستقبل إقليم كوردستان مرتبط ببغداد من الناحية الهيكلية، وليس التكتيكية، على الرغم من التوترات المستمرة.

وشدد بارزاني على الطبيعة طويلة الأمد لهذه العلاقة، قائلاً إن ”العمق الاستراتيجي لإقليم كوردستان يكمن في بغداد“ وتابع قائلاً إن ”علينا التوصل إلى تفاهم مع بغداد، ليس كحيلة، بل كضرورة طويلة الأمد.“ وشدد كذلك على أن ”الحفاظ على هذه العلاقة الاستراتيجية مع بغداد أمر بالغ الأهمية.“

  1. الانتخابات والعملية الديمقراطية في العراق

تم تقديم الانتخابات في الجلسة بأنها معيبة ولكنها غير قابل للاستغناء عنها لأنها الآلية الشرعية الوحيدة للتغيير السياسي.

وصف بارزاني الانتخابات بأنها ”الأكثر أهمية منذ عام 2005“. وشدد على أن ”الديمقراطية ليست هدية، بل هي ممارسة يومية“. ثم سأل: ”إذا تخلينا عن الانتخابات، فما هو البديل؟“ قبل أن يؤكد أن ”العراق لن يعود إلى الدكتاتورية“. واختتم بالقول إن ”الانتخابات تظل الآلية الوحيدة للتغيير السياسي في العراق“.

  1. انتخابات إقليم كوردستان وأزمة تشكيل الحكومة

وصفت الجلسة انتخابات إقليم كوردستان بأنها ناجحة وسلمية، في حين أن التأخير في تشكيل الحكومة يعزى إلى انعدام الثقة والنزاعات حول تقاسم السلطة.

وفي إشارة إلى الانتخابات الإقليمية، أشار بارزاني إلى أن ”نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت حوالي 72 في المائة“. وأكد أن ”الحزبين الرئيسيّين قاما بحملات انتخابية ضخمة دون وقوع أي اشتباكات، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير.“ ثم أقرّ بأن ”الحكومة كان يجب أن تُشكّل في وقت سابق بكثير“ محذّراً من أن ”هناك نقصاً في الثقة يجب معالجته.“

  1. الجماعات المسلحة الخارجة عن سيادة الدولة

تم تحديد التهديد الرئيسي لاستقرار العراق على أنه الجهات المسلحة التي تعمل خارج نطاق السلطة القانونية والدستورية.

وحذر بارزاني من أن ”الخطر الحقيقي على العراق يأتي من القوى التي تحمل السلاح خارج إطار القانون“. وشدد على أن ”لا يحق لأي جماعة مسلحة تتلقى رواتب من الدولة شن هجمات بطائرات بدون طيار“. ثم أصر على أن ”هذه القوى يجب أن تخضع للقانون وتوضع تحت سلطة رئيس الوزراء“.

  1. أزمة النموذج الاقتصادي وبطالة الشباب

يرى بارزاني أن نموذج التوظيف العام في العراق غير مستدام من الناحية المالية، لا سيما في ضوء النمو السريع لعدد السكان الشباب.

وفي معرض حديثه عن الاقتصاد، قال بارزاني إن ”العراق يحتاج إلى ما يقرب من ستة مليارات دولار شهريًا لمجرد تغطية رواتب القطاع العام“. وأضاف بصراحة أن ”لا يمكن لأي بلد أن يحكم بهذه الطريقة“.

ثم شدد على أن ”المحرك الحقيقي للتنمية الاقتصادية هو القطاع الخاص“، مشيرًا إلى أن ”العراق قد انتقل من مرحلة تركزت على الأمن، وحان الوقت للتركيز على فرص العمل والتوظيف“.

  1. الفساد وضعف المؤسسات

اعتُرف بأن الفساد متأصل في النظام والثقافة، ويتطلب إصلاحًا مؤسسيًا طويل الأمد بدلاً من حلول سريعة.

وفيما يتعلق بالفساد، صرح نيجيرفان بارزاني أنه ”لا يمكنني القول إن الفساد غير موجود“. وحذر من أن ”الفساد لا يمكن القضاء عليه بين عشية وضحاها“، مضيفًا أنه ”مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهياكل المؤسسية والأعراف المجتمعية“.

  1. حرب الطائرات بدون طيار والتحول الأمني

تم تصوير هجمات الطائرات بدون طيار في المناقشة على أنها شكل جديد من أشكال الحرب من شأنه أن يقوض السيادة والردع وثقة المستثمرين.

وفي هذا الصدد، صرح بارزاني بأن ”من يهاجمون إقليم كوردستان يفعلون ذلك باستخدام المتفجرات والصواريخ.“ وشدد على أن ”هذا ليس مجرد تهديد لإقليم كوردستان، بل هو اعتداء على سيادة العراق“ وأضاف أن ”رد بغداد تخللته إهمال جسيم.“

  1. العلاقات الإقليمية: إيران وتركيا وسوريا والولايات المتحدة

إيران:

فيما يتعلق بإيران، صرح بارزاني أن ”إيران جارة مهمة، ونحن لا نسعى إلى أن نكون مصدر تهديد لها“، مضيفًا أن ”علاقاتنا التجارية تبلغ قيمتها حوالي 11 مليار دولار“.

تركيا وحزب العمال الكردستاني:

فيما يتعلق بتركيا وحزب العمال الكردستاني، صرح أن ”تجديد عملية السلام يمثل فرصة تاريخية“، محذرًا من أن ”تكتيكات التأخير والألعاب السياسية قد تقوض العملية وتضر بالسكان الكورد“.

سوريا/روجافا:

وفيما يتعلق بسوريا، صرح بارزاني أن ”سوريا تحظى بفرصة أخيرة للإنعاش،“ مشيرًا إلى أن ”سوريا لا يمكن أن تحكم من خلال المركزية، نظرًا لتنوعها”. وأضاف أن ”رسالتي إلى أخوتي السوريين الكورد هي أن يؤسسوا وجودًا قويًا في دمشق في أقرب وقت ممكن، ويرفعوا العلم السوري، ويتولوا زمام العملية السياسية، ويفتحوا مكتبًا في دمشق، ويصبحوا أطرافًا قوية في العملية السياسية. ”

الولايات المتحدة:

فيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن، أشار بارزاني إلى أنه ” يدعم سياسة الرئيس ترامب لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ونؤيد الجهود الرامية إلى ضمان إحلال السلام في غزة في أقرب وقت ممكن“ مشيرًا إلى أن ”العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة توفر فرصًا أكثر من المخاطر“، مضيفًا أن ”دون دعم المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ما كان من الممكن هزيمة داعش.“

  1. رسالة ختامية إلى الكورد والسياسة العراقية

أكد بارزاني على أن المسؤولية السياسية والمشاركة والتنسيق الكردي في بغداد هي عوامل حاسمة للمرحلة المقبلة.

في الختام، قال بارزاني: ”المهم هو وحدة الصف. نحن بحاجة إلى إيجاد صيغة للتعاون والاتفاق عليها، بحيث تعمل الأحزاب الكردستانية مع بعضها البعض سواء في المعارضة أو الحكومة أو غيرها من الجهات لتحقيق والحفاظ على الأشياء المهمة التي لدينا في بغداد.“ كما صرح بأن ”الانتخابات المقبلة تشكل فصلاً جديداً للعراق وإقليم كوردستان“ ، واختتم حديثه بنبرة متفائلة بـ”دخول العراق مرحلة جديدة وبدء فصل جديد من البناء والمأسسة وحل القضايا العالقة بين العراق وإقليم كوردستان.“

ملتقی الشرق الأوسط 2025

استراتيجيات إقليم كوردستان في خضم الاضطرابات الإقليمية والعالمية

الجلسة 13

8 تشرین الأول 2025

Comments are closed.