- ميان خيري سعيد بيك، أميرة الإيزيديين
- طلال مراد، صحفي، سنجار
- خوگر وريا، باحث أقدم ، مؤسسة الشرق الأوسط للأبحاث (ميسر الجلسة)
في البداية أكد خوگر وريا، ميسر الجلسة، على أهمية وتعقيد عملية التطبيع في سنجار بعد هجوم ما يُعرف بالدولة الإسلامية (داعش) والإبادة الجماعية التي ارتُكبت ضد الإيزيديين. وأشار إلى الأبحاث والمنشورات المكثفة التي أجرتها مؤسسة الشرق الأوسط للأبحاث منذ عام 2014 حول معاناة مجتمعات نينوى المختلفة، بما في ذلك سكان سنجار والنازحين. كما سلط الضوء على الأنشطة البحثية المستمرة في المؤسسة المتعلقة بمواضيع “إعادة الإعمار، التعافي، وعودة النازحين”. ثم دعا المتحدثين إلى تناول التحديات المستمرة التي يواجهها مجتمع سنجار والإيزيديين.
تحديات إعادة الإعمار والحكم
استهلت الأميرة ميان خيري المناقشة باستعراض المآسي التي تعرض لها الإيزيديون في عام 2014، مشيرةً إلى أن تنظيم داعش استهدف الإيزيديين في محاولة لتدمير دينهم وثقافتهم، مما أدى إلى عمليات قتل جماعي واستعباد وتهجير قسري. وذكرت أن 30 ألف شخص نزحوا، بينما لا يزال الآلاف من النساء والأطفال في عداد المفقودين. وأكدت أن هذا العنف المنهجي ترك ندوبًا نفسية عميقة تعيق إعادة دمج الناجين في المجتمع. شددت خيري على الحاجة العاجلة إلى إنشاء مراكز متخصصة لإعادة تأهيل الصحة النفسية لدعم الناجين، ودعت إلى التنفيذ الكامل لقانون الناجيات الإيزيديات. ورغم وجود هذا الإطار التشريعي، إلا أن التأخير في الدعم المالي ونقص البنية التحتية يواصل عرقلة التقدم في تنفيذ هذا القانون.
من جانبه، تناول طلال مراد هذا السرد من زاوية أخرى، مشيرًا إلى التدهور في العلاقات بين المجتمعات في أعقاب الإبادة الجماعية. وأوضح أن الإيزيديين عاشوا تاريخياً في سلام مع مجموعات أخرى في العراق، لكن هذا الانسجام تزعزع بشدة عندما شارك بعض الجيران بنشاط في الجرائم التي ارتكبها داعش، رغم وجود التزام قبلي طويل بممارسة أخوية تُعرف باسم “كريف”. وأكد مراد على ضرورة إعادة بناء الثقة من خلال المساءلة القضائية، مشددًا على أهمية تحديد هوية مرتكبي الجرائم وإنفاذ القانون لاستعادة الثقة ومعالجة الجروح المجتمعية. كما دعا إلى تجنب التعميم والتمييز بين الجناة الحقيقيين والأبرياء، مشيرًا إلى أن العديد من العائلات السنية والشيعية في سنجار استمرت في العيش بسلام جنبًا إلى جنب مع الإيزيديين.
وأشار المتحدثان إلى غياب حكومة محلية فعالة في سنجار، موضحين أن هذا الفراغ الإداري ترك المجتمع الإيزيدي في حالة ضعف وأعاق عملية إعادة الإعمار. ولفتت خيري الانتباه إلى عدم التنسيق بين حكومتي العراق وكردستان، مما جعل الإيزيديين ضحايا للصراعات السياسية. ودعا المتحدثان الحكومتين إلى التوصل إلى اتفاق تعاوني يضمن الحكم الرشيد والأمن والاستقرار في المنطقة.
التأثير النفسي والاجتماعي والثقافي
تناولت الندوة التأثير الجذري للإبادة الجماعية على الثقافة الإيزيدية والنزوح المصاحب لها. وأشار المشاركان إلى أن العيش في ملاجئ مؤقتة لمدة عقد من الزمن أثر بشكل كبير على شعور المجتمع بالانتماء. وانتقدت الأميرة ميان السلطات بسبب معاناة النازحين المستمرة في الخيام، مسلطةً الضوء على الحاجة الماسة إلى توفير الخدمات الأساسية في مناطق العودة لاستعادة الكرامة وضمان عودة آمنة وطوعية. وأكدت أن هذه الدعوة تنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان الأساسية التي تتطلب التدخل الحكومي والدولي.
كما سلط المتحدثون الضوء على الحاجة إلى إصلاحات بنيوية وإدارية عاجلة في سنجار. وتطرق مراد إلى النقص الحاد في مرافق الرعاية الصحية، والأطباء المتخصصين، والأدوية. وأشار إلى أن الأنظمة التعليمية تعاني من ضغوط مماثلة، حيث تعمل المدارس المكتظة في نوبات، مع نقص حاد في الموارد اللازمة لتلبية احتياجات المناهج الدراسية. وانتقد استمرار وعود مثل تخصيص 1000 وظيفة في قطاع التعليم، والتي لم تتحقق بعد، مما يزيد من البطالة ويعمق حالة عدم الاستقرار.
الاعتراف والعدالة
انتقدت الأميرة ميان خيري كلًّا من بغداد وأربيل لعدم الاعتراف الكافي بمحنة الإيزيديين. وأكدت أن الإبادة الجماعية للإيزيديين، التي اتسمت بالقتل المنهجي والاستعباد والتهجير، قوبلت باستجابات غير كافية ومساعدات محدودة. وأوضحت أن إعادة إعمار سنجار، إلى جانب تنفيذ مشاريع صناعية وتجارية وسياسية، يعكس تطلعات المجتمع واحتياجاته نحو الاستقرار واستعادة الحياة الطبيعية.
كما ناقشت الجلسة الحاجة إلى تدابير قانونية فعالة لمكافحة خطاب الكراهية وتعزيز التعايش. وأكدت خيري أن الانقسامات المجتمعية تفاقمت بسبب الخطاب التحريضي الأخير ضد الإيزيديين. ودعت إلى ضرورة الوصول إلى إجماع مجتمعي وسن قوانين تجرّم خطاب الكراهية وتعزز الاحترام المتبادل بين المجموعات المختلفة. وطرحت هذه التدابير كشرط أساسي لتحقيق السلام والتكامل المجتمعي على المدى الطويل، مما يمكن الإيزيديين من استعادة مكانتهم في المنطقة.
واختتم طلال مراد الندوة بتحذير جاد، قائلاً: “بدون تحقيق العدالة واستمرار الدعم لعمليات التعافي، قد يتحمل الإيزيديون خطر التعرض لإبادة جماعية أخرى.” وأكد أن العدالة لا تقتصر على معاقبة الجناة، بل يجب أن تضع الأساس لمجتمع مستقر وشامل يحول دون تكرار مثل هذه الفظائع.
ملتقى ميري 2024
سنجار: إعادة الإعمار, التعافي وعودة النازحين