انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي
أتسمت العلاقات العراقية – السعودية بالبرود أو الجمود منذ إندلاع حرب العراق في ٢٠٠٣ كنتيجة للحرب نفسها التي شهدت نمو الدور الايراني في العراق. ولكن يلاحظ تحسن العلاقات الثنائية بشكل كبير منذ شهر يناير/كانون الثاني ٢٠١٧ مع تدفق المسؤولين السعوديين الى بغداد للقاء نظرائهم العراقيين. من جانبهم، قام مسؤولون عراقيون وشخصيات عامة مؤثرة بزيارات مماثلة الى المملكة العربية السعودية.
وقد أسفرت سياسة التقارب المفاجئ عن جملة من ألامور من بينها استعادة التمثيل الدبلوماسي السعودي في العراق وفتح معبر عرعر الحدودي وإفتتاح مجلس التنسيق العراقي ـ السعودي، مدشناً لعصر جديد من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وتُفيد وسائل الاعلام العراقية بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيبدأ زيارة رسمية الى العراق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وبذلك سيصبح أرفع مسؤول سعودي يزور العراق منذ ١٩٩٠.
والسٶال الذي يطرح نفسه هو مالذي يفسر توقيت التقارب بين العراق والمملكة العربية السعودية؟
المصالح الثنائية
يأتي التغيير التاريخي في سياسة التقارب بين العراق والسعودية الى إلتقاء المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية، مع التذكير بإنه لاينبغي فهم هذا التقارب بمعزل عن رؤية امريكية تسعى الى بناء تحالف إقليمي من شأنه تعزير الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط المزدحمة بالصراعات.
ومن الأهداف الرئيسة للاستراتيجية السعودية الجديدة في العراق، وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية، هي عزل واحتواء إيران عن طريق التعاون الثنائي وزيادة مستوى التجارة والاستثمار في العراق. ويمثل هذا تغيير في النهج السعودي السابق تجاه العراق حيث طالما نظرت السعودية الى العراق ، منذ عام ٢٠٠٣ ، على انه جيب ايراني، وقد ساعدت هذه النظره على توطيد النفوذ الايراني في العراق.
وتزامن هذا التغيير السياساتي السعودي مع رؤية عراقية تدعو الى تبني سياسة خارجية وسطية. في هذا الإطار، يسعى العراق الى بناء
علاقات إيجابية مع جميع بلدان المنطقة من دون الاعتماد على محور او حليف معين. يمكن إعتبار جولة رئيس الوزاء حيدر العبادي الإقليمية الأخيرة الى السعودية ومصر وتركيا والأردن و إيران مثالاً عن هذه السياسة الخارجية الوسطية المنفتحة.
تُمثل المصالح الاقتصادية دافعا اخر للتقارب السعودي ـ العراقي. ويبدو أن برنامج الاصلاح الذي تتبناه القيادة العراقية الحالية وهزيمة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) قد ساعدا في إقناع القيادة السعودية بأن العراق بدء أخيراً بالإنتقال نحو بناء دولة مستقرة وقوية وموحدة. ومع ذلك يدرك السعوديون بأن هذه الإنجازات لم تساهم الى الان في تحسين أنماط الحياة للعديد من العراقيين بسسب محدودية الفرص الاقتصادية. من هذا المنظور، تُدرك السعودية أهمية المساعدة في تحسين الظروف الاقتصادية للعراقيين والتي قد تنعكس على تحسين صورتها في العراق، تلك الصورة التي ترتبط بدعم الارهاب الى حد كبير.
وعلاوة على ذلك، تهدف المملكة العربية السعودية، وكجزء من الرؤية السعودية لعام ٢٠٣٠، الى تنويع مصادر دخلها غير النفطية من خلال الاعتماد على التجارة والاستثمار. وهنا إلتقت حاجة العراق الملحة لاعادة بناء واستعادة الخدمات في المناطق المحررة وغيرها مع رغبة سعودية قوية للاستثمار في العراق. ومن الجدير بالذكر أن معرض بغداد الدولي، والذي أقُيم في أكتوبر/تشرين الاول ٢٠١٧، قد شهد مشاركة ٦٠ شركة سعودية في أكبر جناح في المعرض.
ومثل نظيرتها في السعودية، تُدرك القيادة العراقية من جانبها بأن نجاحها على الأمد الطويل يتطلب تنويع الاقتصاد المحلي وتسهيل التجارة وفتح السوق المحلية أمام المستثمرين الأجانب وتقليل دور القطاع العام الذي يعاني من الفساد المُزمن وعدم الكفاءة وإنعدام الشفافية. إن انخفاض أسعار النفط وتذبذبها يجعل من تنويع الاقتصاد أمرا عاجلا وبالغ الاهمية.
يمكن ايضاً فهم سياسة التقارب السعودي – العراقي من المنظور الامني، كجزء من رؤية واسعة مدعومة من الولايات المتحدة الامريكية تهدف الى تثبيت الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط. وبما إن العراق و السعودية يتقاسمان حدوداً طويلة غير محمية بصورة كبيرة والتي يمكن أن يستخدمها الجهاديون للقيام بعمليات إرهابية عبر الحدود، يدرك البلدان ضرورة التعاون الامني لتأمين الحدود و تبادل المعلومات الاستخبارية.
العامل الايراني والطائفية
يُحذر المراقبون، في منشوارات عدة، من محاولات إيرانية لتقويض العلاقات بين العراق والسعودية بالإعتماد على الدعم السياسي والشعبي الذي حصلت عليه طهران على مدى الاربعة عشر سنة الماضية. وفي حين أن مثل هذه المخاوف شرعية، نظراً لسجل و نفوذ إيران في العراق منذ عام ٢٠٠٣، إلا أن مثل هذه الاطروحات تتجاهل حقيقة بسيطة وهي إن العراق ومنذ عام ٢٠١٥ بدأ يتعافى من سيطرة إيران على البلاد وكذا بدء يتصرف بصورة متزايدة كدولة ذات سيادة لها أجندتها الخارجية الخاصة بها. ولتهدئة المخاوف الإيرانية، تعمل القيادة العراقية على طمأنة طهران بأن “عودة بغداد للحضن العربي” سوف لن تأتي بالضرورة على حساب علاقات طيبة مع طهران. وبعد عقود من الصراع بدء العراق بتبني سياسة جديدة مبنية على الحياد والترحيب بالجميع.
ولكن، إذا ماحاولت إيران العمل على تعطيل التقارب، فمن غير المرجح أن تُلحق أضراراً كبيرة بالإتجاه الحالي في العلاقات بين العراق والمملكة العربية السعودية.
ومع تزايد الدعم العربي والغربي لحكومة العراق، من المرجح أن يضعف الدور الإيراني في العراق بسبب الإختلاف في المصالح بما في ذلك القضايا التي من المفترض لها أن ترسخ الدور الإيراني في العراق، أي دعمها لبعض الأحزاب السياسية الشيعية والجماعات المسلحة.
من ناحية اخری، فأن إيران مهتمة بإدامة الدور القيادي الشيعي في العراق في حين تحرص العديد من الجماعات الشيعية والمجتمع الدولي على بناء دولة عراقية تعددية ذات سلطة مستقلة في صنع القرار.
وعلاوة على ذلك، أن الاتجاه القومي الصاعد في العراق ، والذي يجسده رئيس الوزراء حيدر العبادي و رجل الدين الشيعي السيد مقتدى الصدر والعديد من الشخصيات العامة المؤثرة، جدير بالملاحظة في هذا الصدد. وقد رحبت هذه الشخصيات السياسية والدينية بالتقارب، اعترافاً منها بأنه يمكن أن يعود على العراق بفوائد اقتصادية وسياسية و أمنية ودبلوماسية كبيرة. وبالاعتماد على القوة السياسية والاجتماعية التي يتمتع بها هولاء، هنالك سبب وجيه للاعتقاد بأن لديهم القدرة على دفع البلاد بإتجاه التقارب.
وأخيراً، بما إنه من المرجح أن تعود الاستثمارات السعودية بالنفع على المجتمعات الشيعية في العراق، من خلال الاستثمار في حقول نفط البصرة مثلاً، من غير المحتمل أن يعمل “وكلاء” إيران في العراق على إضعاف التقارب ذلك لان الأمر سيضر بمجتمعاتهم في النهاية.
وكما يوجد هناك مخاوف من إندلاع توترات طائفية بين البلدين مما قد يؤثر على تطور مستوى التعاون. ولكن، تبدو احتمالية حدوث مثل هكذا مخاوف قليلة، لسببين مهمين على الاقل. أولاً، على مستوى القيادة، يمكن وصف القيادتان العراقية والسعودية بالاعتدال والانفتاح على الاخرين وهما يعملان بنشاط على إضعاف الهويات الطائفية من أجل بناء هوية دينية معتدلة وهوية وطنية شاملة. ثانياً، وبنفس القدر من الاهمية، ليس من الدقة حصر العلاقات السعودية – العراقية على أنها منافسة أيدولوجية، بل على العكس يوجد هناك مصالح سياسية واقتصادية وأمنية مشتركة مهمة بصورة كافية لتمهيد الطريق لإقامة تعاون دائم أو حتى تحالف بين الدولتين. من المرجح والمؤمل ان تطغى المصالح المشتركة محل الاختلافات الايدولوجية والتي أضرت بالبلدين منذ عام ٢٠٠٣.
الخاتمة
وصفت مؤخراً مجلة فورن أفيرز الامريكية التقارب السعودي ـ العراقي على إنة من “بين أفضل الاخبار القادمة من منطقة الشرق الاوسط منذ وقت طويل.” ونظراً لوجود مصالح سياسية وأمنية وإقتصادية مشتركة، يتحرك البلدان بثبات لبناء شراكة استراتيجية مؤثرة على الاستقرار والامن في منطقة الشرق الاوسط. إذا ما نجحت المملكة العربية السعودية في تنفيذ نواياها الاستراتيجية فإن ذلك سيؤدي الى تغيرات إيجابية في العراق.
وسيعمل التقارب السعودي – العراقي ليس فقط على تقليل إعتماد بغداد المفرط على إيران بل سيتيح لها ايضاً خيارات كثيرة لتوسيع قاعدة الشركاء والفرص في منطقة الشرق الاوسط وخارجها. ومن العوامل الرئيسية التي ستؤثر على العلاقات الثنائية هي الانتخابات المقبلة في العراق المقرر إجراؤها في شهر أيار/مايو ٢٠١٨. أن فوز شخصية معتدلة ذات توجه إصلاحي سيزيد من إزدهار العلاقات الثنائية.