ملخص
يمكن للجهات الدينية المحلية أن تلعب أدوارًا مهمة في إعادة التأهيل المادي والعاطفي للمجتمعات المتضررة من النزاع. في هذه الدراسة وبناءً على بحث ميداني نوعي، تم التحقيق في دور لجان إعادة الإعمار المحلية التي تقودها الكنيسة في إعادة تأهيل المجتمع المستدامة في سهل نينوى في العراق. أنشئت هذه اللجان بعد تحرير سهل نينوى من ما يسمى بالدولة الإسلامية، لإشراك الناجين من النزاع بشكل مباشر وتقليل الاعتماد على الجهات الفاعلة الخارجية وتعزيز التعاون داخل المجتمع وفيما بينه، بالإضافة إلى تسهيل عملية إعادة التأهيل. وتوضّح الدراسة أنّه في ظل الديناميكيات الأمنية والسياسية المعقدة، يمكن لقادة الكنيسة المحلية أن يكونوا جهات فاعلة محلية قوية ومحركين للتغيير، لا سيما في التأثير على إعادة التأهيل وإعادة بناء المجتمعات في مرحلة ما بعد الصراع. ومع ذلك، يجب عليهم أن يكونوا مدركين للديناميكيات الاجتماعية السياسية داخل المجتمعات المعقدة والمسيّسة إلى حد كبير. تقدم هذه الورقة البحثية عددًا من التوصيات السياسية العملية لأصحاب الشأن المحليين والوطنيين والدوليين.
انقر هنا لتحميل التقریر بصيغة pdf
- المقدمة
بعد انتهاء أي صراع عنيف، تظهر آثار مرئية تتمثّل بدمار واسع النطاق ونزوح السكان، تترافق مع آثار نفسية بعيدة المدى على المجتمعات النازحة. إن فقدان المنزل لا يعني الحرمان المادي فحسب، بل أيضًا فقدان الكرامة والهوية والخصوصية والتواصل الاجتماعي [1،2]. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتباط الناس بمواقع محددة، وهو أمر مهم للغاية بسبب الأمور الثقافية والعاطفية والتاريخية، يمكن أن يشكّل في حد ذاته عاملاً لعودة نازحي الداخل [2]. ولذلك فإن عملية إعادة إعمار الديار الأصلية وتسهيل العودة إليها، هي خطوة حاسمة لاستعادة الحياة الطبيعية وترتبط بإعادة التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع [1]
يشكل موقف المجتمع نفسه المتضرر من الكارثة تجاه تدابير إعادة التأهيل إحدى القضايا المحورية في عملية إعادة الإعمار المستدامة بعد انتهاء الصراع. يعد المجتمع المحلي مساهماً قيماً في إعادة بناء المساكن، لأنه يوفر الموارد البشرية المحلية (كالعمالة الماهرة وغير الماهرة) والمؤسسات والمباني والأصول المالية والتكنولوجيا [2]. علاوة على ذلك، يمكن إعادة بناء الثقة وتعزيزها من خلال التعاون الوثيق داخل المجتمع [3]
في عام 2014، احتل ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) مساحات واسعة من الأراضي العراقية، بما في ذلك محافظة نينوى التي تضم جماعات عرقية ودينية هي الأكثر تنوعاً. وقد مارس تنظيم داعش على السكان، وخاصة الأيزيديين والمسيحيين وغيرهم من المكونات العرقية والدينية، عمليات قتل جماعي وعنف شديد ودمّر الكثير من منازلهم ومزاراتهم وأماكنهم المقدسة. ولذا وصف المبعوث الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والبرلمان الأوروبي بعض ممارسات حملة داعش العسكرية بأنها إبادة جماعية [4،5]. ونتيجة لذلك، نزحت أعداد كبيرة من الأشخاص، وفروا إلى إقليم كوردستان العراق، و/أو هاجروا إلى أبعد من ذلك [6]. تحررت محافظة نينوى في نهاية المطاف من تنظيم داعش من خلال حملة عسكرية استمرت من نوفمبر 2016 إلى يوليو 2017 [7]
في الوقت الحالي، هناك توترات عميقة الجذور داخل سهل نينوى، تغذيها المظالم التاريخية بين المجتمعات المحلية، والافتقار إلى سياسات دولة واضحة لتقديم أعضاء داعش إلى العدالة، ووجود مختلف الجهات الأمنية الفاعلة في المنطقة، والثغرات في تأمين الخدمات الأساسية، بينما لا تزال أعداد كبيرة من نازحي الداخل في حالة نزوح [8]. يعدّ المسيحيون العراقيون من أقدم الطوائف الدينية في بلاد ما بين النهرين [9،10] وقد تأثروا بشدة بهذه العوامل المختلفة.
ويعاني المسيحيون في العراق أيضًا من انقسامات داخل جماعاتهم على أسس اجتماعية وعقائدية وسياسية. هناك 14 طائفة وأكثر من 12 حزبًا سياسيًا وستة فصائل مسلحة ضمن الجماعات المسيحية المحلية [11]. ليس من المستغرب أن يكون هناك شعور عميق بعدم الأمان بين المسيحيين العراقيين بشأن مستقبلهم في سهل نينوى، وهو ما ينعكس في أعداد المهاجرين إلى الخارج [8]، ما يهدد بمزيد من تراجع المجتمع المسيحي في البلاد. ولمعالجة هذه المشكلة، قامت العديد من المنظمات المحلية والوطنية والدولية بالاستثمار في سهل نينوى وتشجيع السكان على البقاء وعودة النازحين إلى ديارهم. ومن بين المنظمات المحلية هناك لجنة إعادة إعمار نينوى التي تتولى عدّة مهام من بينها “تمكين المسيحيين العراقيين الذين يرغبون في العودة إلى قراهم في سهل نينوى… للقيام بذلك بطريقة تضمن كرامتهم وأمنهم وسلامتهم “[12].
تأسست لجنة إعادة إعمار نينوى في عام 2016، وهي منظمة جامعة للعديد من لجان إعادة الإعمار المحلية (11 لجنة في عام 2019) التابعة للكنائس المسيحية في سهل نينوى، والتي تم تشكيلها بين عامي 2016-2017 ثم تكاتفت فيما بعد لتسهيل إعادة بناء المنازل المدمرة. تختلف لجان إعادة الإعمار المحلية عن بعضها البعض من حيث البنى التنظيمية وتدفقات التمويل، ولكنها تتشابه بأن كلّ لجنة منها مرؤوسة من قبل كاهن الكنيسة. قامت هذه اللجان معًا بإنشاء نظام لمسح المباني السكنية والعامة المدمرة وتقييمها وفهرستها (مثل المدارس ومؤسسات الرعاية الصحية والكنائس). تستخدم هذه الفهارس فيما بعد كأساس لجذب الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.
ونتيجة لذلك، تحولت لجان إعادة الإعمار المحلية على مر السنين إلى جهات فاعلة قوية، تؤثر على إعادة التأهيل وإعادة بناء المجتمعات في مرحلة ما بعد الصراع. الهدف من هذه الورقة البحثية هو الحصول على فهم شامل للجان إعادة الإعمار المحلية، كدراسة حالة أو نموذج، وإظهار الدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدينية المحلية في إعادة التأهيل المستدام للمجتمعات في إطار ما بعد الصراع.
- المنهجية
أجري البحث الميداني في محافظة أربيل خلال خريف عام 2019، حيث استخدمت في هذه الدراسة عينة مكونة من 31 مقابلة مع مزودي المعلومات الرئيسيين، وهي مقابلات غير متكررة وطوعية وسرية وشبه منظمة.
يعتمد تعريف “مزود المعلومات الرئيسي” أو “الخبير” المستخدم في هذا البحث على ناجل ومیوسر [13] ويصف شخصًا يؤدي وظيفة معينة داخل نظام اجتماعي. وهو غير مرتبط بمؤهل رسمي أو بمنصب حكومي كـ “خبير”. تنتج معرفة الخبراء المتخصصة من الخبرة العملية لمزاولة وظائف معينة ضمن سياق محدد ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال المقابلة [13]. أُجريت المقابلات مع مزودي المعلومات الرئيسيين باستخدام اثنين من المبادئ التوجيهية التي تم تكييفها مع إطار المقابلة المعنية [14]. وقد تم تحليلها من خلال نظام الكود قبل إجراء تقييم أعمق مع تحليل المحتوى النوعي كما وصفها مایرینج [15].
نظرًا لعوامل الأمان والجدوى، كان من الصعب إجراء مسح میداني للمجموعة المستهدفة أو عينة أوسع وأكثر تمثيلاً لمزودي المعلومات الرئيسيين. ومع ذلك، فقد جرت محاولات للتأكد من أن مزودي المعلومات الرئيسيين يمثلون مختلف الفئات العمرية والمستفيدين والكيانات والانتماءات العرقية والدينية (انظر الجدول 1). وسط المنظمات (المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الحكومية الدولية) وممثلي لجان إعادة الإعمار المحلية، كان 45% من مزودي المعلومات الرئيسيين أيضًا مستفيدين من المساعدات الإنسانية. ضم ممثلو لجان إعادة الإعمار المحلية زعماء مسيحيين من الكنائس السريانية الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية والكلدانية وموظفاً في لجان إعادة الإعمار المحلية في بغديدا (نينوى). وكان من بين الآخرين 11 موظفًا وطنيًا و8 موظفين دوليين من المنظمات غير الحكومية الدولية، بالإضافة إلى 3 موظفين من المنظمات غير الحكومية الوطنية وخمسة متطوعين من لجنة السلام المحلية في بعشيقة، نينوى.
البحث محدود من حيث الزمان والمكان، ويرتبط دائمًا بسياقه الاجتماعي والسياسي المباشر ويتشكل من خلاله، مما يؤثر على ظروف المقابلة بالإضافة إلى الآراء ووجهات النظر التي يحملها المُستجوَبين في تلك اللحظة المحددة.
الجدول 1: دراسة مزودي المعلومات الرئيسيين
% | العدد | الوصف | (الإجمالي = 31) المُستجوَبين |
67,7 | 21 | ذكر | الجنس |
32,3 | 10 | أنثى | |
9,7 | 3 | 20-30 | الفئة العمرية |
41 | 13 | 31-40 | |
22,6 | 7 | 41-50 | |
19,3 | 6 | 51-60 | |
6,5 | 2 | 61 فما فوق | |
25,8 | 8 | ممثلو المنظمات غير الحكومية | |
61,3 | 19 | ممثلو المنظمات دولية غير الحكومية | |
13 | 4 | ممثلو لجنة إعادة الإعمار المحلية | |
45 | 14 | المستفيدون من المساعدة الإنسانية | |
3,2 | 1 | سريان أرثوذكس | الانتماء العرقي والديني |
3,2 | 1 | سريان كاثوليك | |
3,2 | 1 | كلدانيون | |
6,5 | 2 | عرب سنّة | |
3,2 | 1 | مسيحيون آشوريون | |
16 | 5 | أيزيديون | |
3,2 | 1 | شبك سنّة | |
3,2 | 1 | تركمان شيعة | |
13 | 4 | مسيحيون – لم يتم الإشارة إلى طائفة | |
45 | 14 | لا يفضلون أن يُعرّفوا كمتدينين |
التأهيل المجتمعي في سهل نينوى
نظرًا للتأثير الذي تمارسه الجهات الدينية على مجتمعها، يمكنها أن تؤثر بشكل كبير على عمليات الإغاثة وإعادة التأهيل، وبالتالي تعمل كقوى دافعة إما لحل النزاع أو مفاقمته، حيث يمكن أن تتحول النشاطات الدينية إلى مؤثرات سياسية [16]. وفقًا لوینسكوت [17]، يُنظر إلى الزعماء الدينيين في العراق على أنهم شخصيات مهمة في حل المشكلات، حيث إنهم مكلّفون بتحديد الخطابات الدينية، وهم قادرون على تسهيل الوصول إلى الموارد المختلفة التي تعزز القوة والنفوذ، مثل الشبكات الاجتماعية والبنى التحتية المادية. إذا ما استخدمت هذه الأخيرة بطريقة مراعية للظروف، فإن الزعماء الدينيين بهوياتهم المتجذرة محليًا يمكن أن يكونوا قوى دافعة لإقامة سلام مستدام [17].
في هذه الدراسة، قدم المشاركون رؤىً حول ما يعتبرونه مجتمعهم وما يرون أنّها عوامل حاسمة لإعادة بنائه. حدد تحليل محتوى البيانات النوعية أربع طبقات مختلفة، ولكنها متداخلة، تحتاج المجتمعات فيها إلى إعادة التأهيل في نطاق سهل نينوى:
(أ) إعادة البناء المادي للمنازل والبنية التحتية التي تضررت بشدة.
(ب) إعادة تأهيل العلاقات الاجتماعية داخل المجتمعات وفيما بينها. لقد تمزّق “النسيج الاجتماعي” لمجتمعات سهل نينوى، وهذا ما يؤثر سلباً على الارتباط العاطفي الطبيعي لنازحي الداخل بمسقط رأسهم.
(ج) التعافي النفسي للأفراد الذين تأثرت مشاعرهم وانفعالاتهم وحالتهم النفسية. وأوضح المشاركون أن الوقائع العنيفة أثناء احتلال تنظيم الدولة الإسلامية هي طويلة الأمد ويصعب التعامل معها وتتصاحب مع تجارب وذكريات مؤلمة.
(د) إصلاح السياق السياسي والعوامل ذات الصلة. ويخشى المشاركون في المقابلات من احتمال حدوث أعمال عنف، أو ما هو أسوأ من ذلك، كحرب أهلية مرة أخرى. إنهم قلقون بشأن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد وفي مناطقهم، والذي غالبًا ما يؤثر على قرار الفرد بالهجرة.
- دور الجهات الدينية المحلية: الثغرات وتوصيات سياساتیة
في هذه الدراسة، يتم تحليل أدوار الجهات الدينية المحلية في سهل نينوى، بما في ذلك لجان إعادة الإعمار المحلية ولجنة إعادة إعمار نينوى والزعماء الدينيين كلّ على حدة، للمساهمة في إعادة الإعمار وإعادة تأهيل المجتمع المستدام على المدى الطويل. وتمشياً مع الأدبيات، أشار التحليل بوضوح إلى أن إعادة الإعمار المادي في سهل نينوى هي عملية معقدة للغاية وحساسة إلى حدّ بعيد وتتجاوز مجرد إعادة بناء المنازل. وكما ذكر أحد مزودي المعلومات الرئيسيين: “يمكن للجان إعادة الإعمار المحلية أن تدعم إعادة بناء المنزل، ولكن إعادة تأهيل المنزل تتعدى الجانب المادي”. ويمكن تلخيص النتائج والثغرات والعلاجات الرئيسية المستخرجة من هذه الدراسة على النحو التالي:
4-أ. إشراك المستخدم النهائي:
ويمكن إشراك الأشخاص المعنیین من المستخدمين النهائيين لمشاريع إعادة الإعمار من خلال الجهات الدينية المحلية، ولكن يجب أن يشاركوا بشكل مباشر أيضًا. يشير تحليل الدراسة إلى أن الناس كانوا مرتبطين بشكل وثيق بطوائفهم الدينية خلال فترة النزوح. توجد أنماط نزوح مختلفة، ومع ذلك فإن الأشخاص من نفس المجموعة العرقية والدينية والمناطقیة غالبًا ما يتم تهجيرهم إلى (أو یتجمعون في) نفس المنطقة. وفي الوقت نفسه، عملت طوائف الكنيسة والمجتمعات الدينية الخاصة بهم كمنصة للمعلومات أثناء النزوح، والتي لعبت أيضًا أدوارًا مهمة في عمليات إعادة الإعمار. تمكنت لجان إعادة الإعمار المحلية من تعديل نهج عملها بما يتوافق مع احتياجات المستفيدين حيثما أمكن ذلك. وكان تنفيذ ذلك معقولاً بفضل الاتصال المباشر والتواصل بين لجان إعادة الإعمار المحلية والمستفيدين، وذلك في الغالب من خلال هيئات وشبكات الكنائس. وبالتالي، يمكن لمبادرات إعادة الإعمار، التي تقودها المجتمعات المتضررة نفسها، أن تطور حلولاً طويلة الأمد ومستدامة حيث أنها تتشكل بشكل مباشر حسب احتياجات المستفيدين المعنيين.
توصية سياساتیة:
- عند إعادة بناء المنازل، يجب على الجماعات الكنسية ولجان إعادة الإعمار المحلية في نينوى إشراك أصحاب المنازل في عمليات إعادة الإعمار. سيؤدي ذلك إلى تقليل “التبعية” أثناء إعادة البناء وتعزيز شعور أكبر بالاستقلالية والاعتماد على النفس. علاوة على ذلك، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى عملية إعادة إعمار أكثر استدامة بما أن إعادة التأهيل تتكيف مع احتياجات المستخدمين النهائيين.
4-ب. التضمين
إن سیاسة التضمين في إعادة التأهيل المجتمعي الأوسع في عمليات إعادة الإعمار هو أمر حيوي. قد تكون إعادة بناء المساكن في مرحلة ما بعد الصراع حساسة للغاية من الناحية السياسية، وذلك بسبب تأثيرها الكبير على حياة الناس والموارد المطلوبة [2]. فغالبًا ما تستمر التوترات الخفية وقد تنشط مرة أخرى إذا لم يتم التعامل مع الأسباب الجذرية بشكل مناسب [1]. ولذلك، تحتاج برامج إعادة الإعمار إلى فحص الديناميكيات المحلية بعناية لتجنب إحداث الصراعات نفسها.
أظهرت المقابلات أنه على الرغم من أن لجان الإعمار المحلية ركزت في المقام الأول على إعادة بناء المنازل المسيحية، إلا أن بعضاً من هذه اللجان قامت بتوسيع مجموعتها المستهدفة، لتشمل بيوت المجتمعات العرقية والدينية الأخرى أيضًا. ومع ذلك، اعتمدت هذه الأنشطة على موقف الكهنة كلّ على حدة، حيث أوضح أحدهم: “في مدينتنا، أردت أيضًا إصلاح منازل الأيزيديين من خلال لجنة الإعمار المحلية وطلبت من المانحين تقديم دعم إضافي. ولسوء الحظ، كانت ميزانيتهم مخصصة فقط لدعم إعادة بناء المساكن المسيحية. أعتقد أن هذا قرار خاطئ! ومن حسن الحظ، لم يؤثر ذلك على العلاقة مع المجتمع الإيزيدي”.
ينبغي أن تكون مثل هذه المبادرات الشاملة محركًا للتماسك الاجتماعي في المنطقة، ولكنها يمكن أن تسبب أيضًا التنافس على الموارد والصراع داخل المجتمعات (وفيما بينها). فعندما جرى دعم لإعادة تأهيل أسرٍ غير مسيحية في الوقت الذي لا تزال هناك حاجة داخل الجماعة المسيحية المعنية، واجه بعض الكهنة انتقادات من أعضاء جماعتهم بسبب توزيع الموارد الشحيحة. وفي هذا الصدد، صرّح موظف لدى إحدى المنظمات غير الحكومية الوطنية: “إنّ إعادة الإعمار بشكل عام هي عملية حساسة. وأي نهج يؤدي إلى زيادة الفجوات بين المكونات العرقية والدينية المختلفة قد يسبب مشاكل. وعلى وجه الخصوص، يجب على المنظمات المرتبطة بمجتمع عرقي وديني معين أن تنتبه لذلك”.
توصيات سياساتیة:
- يجب على لجان إعادة الإعمار المحلية أن تستخدم موقعها لتعزيز التعاون بين الطوائف المسيحية المختلفة. يمكن أن تصبح عملية إعادة البناء المادي داخل المجتمعات نقطة انطلاق لتعزيز العلاقات بين أفراد المجتمع.
- يمكن للجان إعادة الإعمار المحلية أن تدعو بحذر داخل تجمعاتها الخاصة إلى إشراك المجموعات العرقية والدينية الأخرى، على سبيل المثال الجماعات الأيزيدية أو الشبك، في عمليات إعادة الإعمار. وبهذه الطريقة يمكنهم جمع الناس معًا حتى عبر الخطوط المجتمعية، والحد من التحيزات وإعادة بناء الثقة.
- يجب على لجان إعادة الإعمار المحلية مراقبة السياق المحلي بحذر والتصرف بشكل لائق. ويمكن لعمليات إعادة الإعمار بدورها أن تولّد توترات داخل مجتمع واحد أو بين مجتمعات مختلفة، لا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى الموارد والشبكات والاتصالات مع الجهات المانحة الدولية أو المحلية. يجب أن تكون لجان إعادة الإعمار المحلية على اتصال جيد مع قادة المجتمعات التي يعملون معها، حتى لا يُنظر إلى إجراءات إعادة الإعمار على أنها تدخل في شؤون المجتمعات الأخرى.
- يحتاج المانحون الدوليون وشركاء التنفيذ للجان إعادة الإعمار المحلية إلى تخطيط برامجهم وتأثيراتها ومراقبتها عن كثب وتقييمها من أجل ضمان أن يفيد دعمهم جميع الأشخاص المحتاجين، بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو الانتماء إلى الكنيسة. ويجب مراجعة آليات التمويل والتنفيذ بشكل منتظم ومواءمتها مع السياق الخاص الذي تعمل فيه.
4-ج. الدعم المنصف لجميع المحتاجين
بعد استعادة المناطق من داعش، بدأت العديد من المنظمات الدولية العمل في سياقات غير مألوفة وكانت بحاجة إلى تحديد شركاء محليين للعمل معهم في فترة زمنية قصيرة. كان من السهل الوصول إلى الكنائس بسبب هيئاتها ومؤسساتها الراسخة التي يمكن أن توفر فوائد ملموسة. وفقًا لبعض مزودي المعلومات الرئيسيين، كان أعضاء مجلس إدارة الكنيسة يتمتعون بسلطة كبيرة في المجتمع ويُعتبرون جهات فاعلة مهمة في الديناميكيات الاجتماعية والثقافية. ولذا فإن تقديم المساعدة من خلال الكنيسة أو لجنة إعادة الإعمار المحلية يمكن أن يضر ببعض الأشخاص. “أنا عضو نشط في المجتمع المسيحي هنا، لكني أعرف أشخاصًا ليسوا كذلك. فالأشخاص الذين لا يتحالفون بشكل مباشر مع الكنيسة أو ينتقدون الكنيسة علنًا يمكن أن يُحرموا من الدعم. لا ينبغي أن يتمتع الناس بالمزايا لمجرد أن لديهم أقارب يعملون في اللجنة أو مرتبطين برجال الدين”، هذا ما أعرب عنه أحد الموظفين الوطنيين في إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية.
توصيات سياساتیة:
- يجب على لجان إعادة الإعمار المحلية ضمان الدعم المحايد وغير المتحيز لجميع المستفيدين، بغض النظر عن عقيدتهم الشخصية أو مشاركتهم في الهيئات الكنسية أو علاقاتهم مع جماعات معينة أو مع قادتها.
- يتعين على الجهات المانحة الدولية وشركاء التنفيذ للجان إعادة الإعمار المحلية أن يأخذوا بعين الاعتبار التأثير الذي قد يحدثه تعاونهم على عمليات إعادة الإعمار وإعادة التأهيل. توفّر هذه الشبكات المجتمعية الأوسع مساعدة قيّمة للمجتمعات المسيحية، إلا أن هذه المساعدة يمكن أن ينظر إليها على أنها غير عادلة من قبل المكونات العرقية والدينية الأخرى، خاصة في مرحلة الإغاثة وإعادة التأهيل التي تعقب الصراع مباشرة عندما تكون احتياجات المجتمعات المختلفة مرتفعة.
4-د. الثقة في المنظمات الدينية المحلية
تتمتع العديد من الجماعات الدينية المحلية بتاريخ وعلاقات طويلة الأمد في البلاد مقارنة بالمنظمات الإنسانية. وذكر بعض مزودي المعلومات الرئيسيين وأعضاء المنظمات غير الحكومية الدولية أن الارتباط الوثيق بين الجماعة ورجال الدين والمستفيدين يمكن أن يكون أيضًا عاملاً إيجابيًا في عملية إعادة الإعمار، على سبيل المثال أثناء جمع البيانات والمسوحات. قد يحاول الأشخاص المحتاجون الاستفادة من الظروف للحصول على دعم أكبر وأسرع. وفقاً لمزوّد معلومات رئيسي، تم تفويض لجان إعادة الإعمار المحلية عندما نفّذوا تقييماً لاحتياجات مجتمعاتهم: “يعرف أعضاء لجان إعادة الإعمار المحلية المستفيدين شخصياً. وحقيقة أن الكاهن على اتصال وثيق بأعضاء جماعته يمكن أن تمنع التصريحات الكاذبة لأعضاء الجماعة عن احتياجاتهم.”
توصية سياساتیة:
- تحتاج لجان إعادة الإعمار المحلية إلى تسهيل عملية جمع البيانات بطريقة احترافية وسلسة بالإضافة إلى آليات المراقبة والتقييم. ويجب أن تعتمد تقييمات الاحتياجات على بيانات موثوقة مع منع المحسوبية.
ه) توترات ما بعد داعش
وكشفت المقابلات أنه بعد عودة النازحين داخلياً، تصاعدت التوترات في مواقع معينة بين السكان الذين بقوا في بلداتهم وأولئك الذين عادوا لاحقاً (على سبيل المثال في بعشيقة والفضیلية). وقد خففت المنظمات غير الحكومية هذه التوترات في وقت لاحق، ولكن تمت معالجتها بشكل رئيسي من قبل الزعماء الدينيين من كلا الجانبين. وأوضح أحد أعضاء لجنة السلام المحلية: “لا يزال الناس لا يستشيرون الشرطة في حالة حدوث مشكلة. في الغالب، إذا نشأت توترات بين المجتمعات العرقية والدينية المختلفة، فيُعهد إلى الزعماء الدينيين المعنيين بحل المشكلة.”
توصيات سياساتیة:
- يجب على الزعماء الدينيين، باعتبارهم أشخاصًا مؤتمنين، أن يعترفوا بأدوارهم المهمة كوسطاء في الصراعات على الأرض. ويمكنهم العمل على نزاعات الهوية الثقافية، التي غالباً ما يتم الترويج لها من قبل لاعبين طائفيين.
- من خلال استخدام اللغة الدينية والتفسيرات اللاهوتية والصلوات، يجب على قادة الكنيسة خلق بيئة جيدة لتعزيز العلاقات المجتمعية.
- من خلال البرامج الاجتماعية في الكنائس، تتاح لقادة الكنيسة الفرصة لفتح المجال للمناقشات وتعزيز التعافي المجتمعي.
خاتمة
لتحقيق عمليات إعادة التأهيل المستدامة، لا بد من النظر في إمكانية قيام الناجين من الصراع بدور نشط في مرحلة ما بعد الصراع. وتساعد مشاركة المجتمع المحلي على تقليل الاعتماد على الجهات الفاعلة الخارجية في سياقات الصراع وما بعد الصراع، وبالتالي تؤدي إلى حلول أكثر استدامة. علاوة على ذلك، ومن خلال التعاون الوثيق داخل المجتمع، يمكن إعادة بناء الثقة وتعزيزها حيث يرتبط إعادة بناء المنازل بإعادة التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع. وفي الواقع، تشكل التدخلات في مجال الإسكان عاملاً حاسماً في إعادة التأهيل الجسدي والعاطفي للأفراد المتضررين من النزاع، ويمكن أن تعزز القدرة على الصمود. إن الجهات الدينية المحلية الفاعلة هي متجذرة داخل المجتمعات التي تحتاج إلى الدعم. في كثير من الأحيان، تتمتع هذه الجهات الدينية بالفعل بإمكانية الوصول إلى أوساط معقدة، ولكن يسهل التواصل معها، ويتم تكليفها من قبل المستفيدين. وعلى الرغم من أن التحديات تبدو هائلة في ضوء حالة عدم اليقين التي تشوب السنوات المقبلة، فإن هذه التدخلات تحمل القدرة على تمهيد طريق أكثر سلمية نحو المستقبل.
مصدر البحث
يعدّ هذا البحث جزءًا من التعاون بين كلية اللاهوت في جامعة هومبولت في برلين والمنظمة الدینیة، مالتیزر الدولية، التي موّلت هذه الدراسة. وقد تم تقديم البحث المفصّل كرسالة ماجستير لبرنامج الماجستير “الدين والثقافة” في كلية اللاهوت بجامعة هومبولت.