عندما خاض الرئیس دونالد ترامب حملته الإنتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأمریكیة، كان شعاره (أمریكا أولا)، ومن ثم حدد في بیانە الإنتخابي جملة أمور سيعمل على تحقيقها في حال فوزه. وبالتالي نتيجة لفوزه لاحقا اصبح ملزم بتحقيق هذه الوعود لأنها تحولت إلى عقد أخلاقي بينه وبين ناخبيه. وعندما يعيد ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة عام 2020، سيكون مقدار ما حققه من وعوده هي المعيار الفيصل لنجاحه أو فشله.
خلال السنتين الماضيتين عمل الرئیس ترامب على تحقيق معضم وعوده ولم يبقى الكثیر في جعبته سوى وعد محاسبة إيران” وتقطيع اذرعە الاخطبوطية في المنطقة والعالم”. ولكن هل يستلزم ذلك هذه العودة القوية الأمیركیة للعراق، أم هناك هدف إستراتيجي اكبر والتي ستبدأ رسميا في بداية ايار القادم حيث موعد انتهاء مهلة السماح باستيراد النفط الايراني؟
يتوقع أن تؤدي زيادة انتاج النفط الصخري الأمريكي الى سبعة مليون برميل يوميا فائض عن حاجة السوق الأمريكية وبحاجة إلى التصدير بحلول عام 2023، أي خلال السنوات الأربعة القادمة. وهذه الكمية بحاجة إلى تأمين سوق خارجية لإستيعابها – أي شراءها – وعند تحقق ذلك ستتحول أمريكا إلى أحد المنتجين الكبار إلى جانب الروس والسعودية والعراق.
لهذا دأبت الإدارة الأمريكية في عهد الرئیس ترامب إتباع إستراتيجية تأمن لها سوق مريحة لتسويق فائض إنتاجها القادم من النفط والغاز. ودخلت في معركة واضحة مع الروس والسعودية في سبيل تحقيق استراتيجيتها، وذلك من خلال الضغط على زبائن الدولتين لضمان كسبهم لشراء الوقود الاحفوري منها. وبذلك تحولت من إستراتيجية تأمين مصادر الطاقة لها إلى تأمين سوق لتسويق الطاقة منها.
متى بدأت أمريكيا معركتها وكيف؟
ابتدأ أمریكا معركتها مع اوبك – السعودية بشكل خاص- من خلال تفعيل الكونغرس الأمريكي في منتصف 2018 مقترحات كانت مجمدة، تسمح للولايات المتحدة بمقاضاة دول “أوبك“، وذلك بعد أن اعتبرت سابقًا ذات فرصة ضئيلة لتتحول إلى قانون يُطلق عليه قانون “منع التكتلات الإحتكارية لإنتاج وتصدير النفط، أو “نوبك”، والذي سيلغي الحصانة السيادية التي حمت طويلًا أعضاء “أوبك” من أن تتخذ الولايات المتحدة إجراء قضائيًا بحقهم.
ويستهدف مشروع القانون، تغيير قانون مكافحة الإحتكار الأمريكي، ليسمح بمقاضاة منتجي “أوبك” بتهمة التواطؤ، وسيجعل تقييد إنتاج النفط أو الغاز أو تحديد أسعارهما مخالفًا للقانون، ويزيل الحصانة السيادية التي تقضي المحاكم الأمريكية بوجودها بموجب القانون الحالي. هذا وقد سبق أن دعا ترامب في كتاب “حان الوقت لنصبح أشداء” عام 2011، قبل أن يصبح رئيسًا إلى مقاضاة اوبك وتمرير قانون (نوبك) في الكونغرس.
أما بالنسبة الی روسيا، فكان اعلان المعركة واضحا من خلال السفير الأمريكي في برلين في 15 كانون الثاني 2019، ريتشارد غرينيل الذي هدّد علنا بفرض عقوبات على شركات متعاونة مع روسيا في مجال الطاقة. وهي شركات ألمانية تعمل مع (كازبروم) الروسية في مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي سينقل الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، حيث تشارك عدّة شركات ألمانيّة في بناء الخط، الأمر الذي تعتبره أمريكا “تهديداً صادراً من روسيا” وتجعل أوربا تحت رحمة الابتزاز الروسي لحاجته للطاقة وتسعى إلى وقف المشروع. وقد نجحت أمریكا فعلا في إقناع بولندا بشراء الغاز السائل الامريكي وحتى ألمانيا نفسها بدأت تهىء نفسها لإستقبال الغاز الأمريكي بديلا عن الروسي.
كل هذه الأحداث الجارية الآن لتأمين سوق لاستيعاب النفط والغاز الامريكي يقودنا مجددا إلى معرفة سبب عودتها القوية للعراق. فالعراق ثاني منتج في أوبك ولا يحتاج شراء الوقود الاحفوري من أحد، لكن قرأة أرقام الإنتاج الإيراني تكشف الستار عن سبب مهم لهذه العودة للعراق. فإيران تنتج ثلاثة ملايين ونصف برميل يوميا (وتسعى الى زيادتها الى أربعة)، تستهلك منها نصف مليون محليا فتصبح بذلك قدرتها التصديرية ثلاثة ملايين. أمريكا بحاجة إلى تصدير ملایین البرامیل من نفطها في المستقبل المنظور، وهكذا فإن تحييد تصدير النفط الإيراني يعني انها ضمنت فقدان السوق حوالي ثلاثة مليون برميل، وإذا إفترضنا حاجة السوق العالمية لباقي المنتج الامريكي فإنها بذلك تكون قد حققت هدفا إستراتيجيا يتمثل بتامين سوق لتصريف الفائض من إنتاجها النفطي.
العودة للعراق اذا يرتبط بشكل كبير بتنفيذ هذه الإستراتيجية كهدف طويل المدى، وإضعاف إيران عسكريا بأبعاده عن العراق سيشكل بداية لتنفيذ هذه الاستراتيجية. ولهذا ليس غريبا ان أمريكا تقولها علنا أن هدفها تغيير سلوك النظام في إيران وليس تغيير النظام نفسه ليضمن لها الفسحة الزمنية لتحقيق إستراتيجيتها الجديدة بشكل أفضل، كما أن وجودها بقوة في العراق يضمن لها التحكم بثاني أكبر منتج في اوبك.
انقر هنا لتنزيل الملخص السياساتي PDF
خالد ابراهيم السلیم، باحث و تدریسي، جامعة سوران، إقلیم كوردستان العراق