قبل عامين من اليوم، اندلعت حرب مدمرة في غزة. وبحلول هذا الوقت من العام الماضي، كان الصراع قد اجتاح لبنان. وبعد شهرین من ذلك أُعلنت بأن سوريا باتت محررة. ولم يتوقف تصعيد الصراع عند هذا الحد. لقد كانت مسألة وقت فقط قبل اندلاع حرب أكبر بين قوتين إقليميتين رئيسيتين، إیران وإسرائیل، في تموز. توقفت هذە الحر لكن لم يغلق هذا الفصل بعد. اليوم، يضع كل عراقي يده على قلبه، ويتساءل عما إذا كان سيكون التالي، متورطًا بشكل مباشر أو غير مباشر. الواضح هو أن الحوار لا يسود على المستوى الإقليمي. ويتفاقم غياب الحوار هذا بسبب ديناميكيات القوة على الساحة العالمية، مع الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتكثيف المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وتعمق الفجوة بين شمال الكرة الأرضیة وجنوبە.
داخلياً، بلاد الشام والعراق ضعيفة ومفككة ومعسكرة. باستثناء الأردن؛ نظام الحكم في البلدان الأخرى غير فعال، وتتعارض الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية بشكل مباشر. إقليم كردستان العراق ليس استثناءً. والملاحظ أن كل من هذه الدول غنية بالموارد البشرية والطبيعية ولديها القدرة على تطوير الآليات اللازمة لتحديد مصيرها وبناء مستقبل أفضل. والمكونات المجتمعیة المتعددة في هذە البلدان عاشت فيها جنبًا إلى جنب منذ العصور القديمة، تربطها روابط ثقافية وتاريخية واقتصادية.
في الحقیقة، تكمن أصالة منطقتنا في هوياتها الوطنية المتنوعة وفي المساواة بين الرجال والنساء. ومن المؤسف أننا ما زلنا بحاجة إلى التأكيد على هذه الحقيقة اليوم. يجب أن يظل بلاد الشام والعراق دائمًا موطنًا لشعوبها العديدة – العرب والكرد والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن – وبيتًا للإسلام والمسيحية واليزيدية والصابئة المندائية والكاكائية واليهودية والزرادشتية والبهائية. نحتاج إلى جميع أصحاب المصلحة للمشاركة في حوار جاد لرسم مسارنا الخاص نحو الاستقرار والسلام والازدهار. حان الوقت، وبدعم دولي، للبدء في بناء أممنا وتقوية دولنا. هذا هو سبب وجودنا هنا في هذه القاعة.
في أكتوبر العام الماضي، في هذه القاعة بالذات، أطلقنا منتدى الشام والعراق، وهي شبكة متنامیة من مراكز الفكر الإقليمية التي أنشئت لتعزيز الحوار الجاد بين جميع أصحاب المصلحة وتعزيز التكامل الاجتماعي والاقتصادي الإقليمي بما يتجاوز الصراعات المدمرة اليوم. في حزیران، اجتمع أعضاء المنتدى في عمان وأنتجوا مجموعة من توصيات السياسة، والتي نشرناها منذ ذلك الحين وأتحناها على موقعنا الإلكتروني.
بعد ظهر الأمس، اجتمع أعضاء المنتدى، جنبًا إلى جنب مع عشرات من صانعي السياسات وخبراء مراكز الفكر الدولية وكبار الدبلوماسيين لمناقشة أحدث ديناميكيات الأمن في منطقتنا. أسفرت مناقشاتهم عن مجموعة من توصيات السياسة العملية والمحدثة لجميع أصحاب المصلحة. ستلقي الجلسات المفتوحة في صباح الغد الضوء الأكثر على بلاد الشام وسوريا.
يُعقد ملتقانا اليوم بعد عام واحد من الانتخابات العامة في إقليم كوردستان. لقد مر أكثر من ثلاث سنوات منذ أن كان لدينا برلمان نشط وحكومة جدیدة منتخبة. في تلك السنوات الثلاث، عاشت منطقة كردستان ظروفاً اقتصادية وسياسية صعبة، خاصة بسبب أزمة الرواتب. وشهدنا توترات واشتباكات عنيفة بين الفاعلين السياسيين والتي شكلت تهديدًا كبيرًا لاستقرار منطقتنا الهش. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان الوقت قد حان لمعالجة هذه الجروح من خلال التعاون السياسي، وتنشيط البرلمان، وتشكيل حكومة جديدة. حان الوقت لمعالجة أهم احتياجات الناس: إيجاد حل دائم ومستدام لأزمة الرواتب، وإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقة بين أربيل وبغداد مرة واحدة وإلى الأبد. خلال هذا المؤتمر، يجب أن نستمع إلى صانعي القرار من الأحزاب الحاكمة والمعارضة، ونتعرف على رؤاهم لمعالجة هذه التحديات الملحة.
في الشهر المقبل، سيشهد العراق انتخابات تاريخية أخرى. تستعد جميع الأطراف لما يبدو أنه كرنفال انتخابي. وأدعو القادة السياسيين الذين سيتحدثون في هذا الملتقى إلى تجنب استخدام هذه المنصة كجزء من حملاتهم الانتخابية، والتركيز بدلاً من ذلك على مواضيع وأهداف المؤتمر. يجب أن نستمع من صانعي السياسات ما إذا كانت هذه الانتخابات ستكون حقًا تحولية كما يأمل الكثير من الناس. في غياب ديمقراطية ناضجة في العراق، كانت الإنتخابات محركًا حقيقيًا للتغيير في العراق. السؤال الآن هو: هل يمكننا تشجيع صانعي السياسات والمشرعين على البدء في إعطاء الأولوية لتعزيز المؤسسات الديمقراطية؟
كموضوع أخير، أود أن ألفت انتباهكم إلى أحدث إنتاجنا البحثي في مؤسستنا، والذي يتناول تحدي الحوكمة في سنجار ومحنة شعبها. بعد سنوات من الإهمال والمآزق السياسية والشلل الإداري، قررنا إلقاء نظرة أعمق على سنجار وتطوير آلية عملية للتوسط في الحوكمة، وذلك لفصل السیاسة من الخدمات وعدم تسیسیها.
للقيام بذلك، أجرينا مسحًا كبيرًا لـ 656 سنجاريًا، بما في ذلك النازحين داخليًا؛ وأجرينا 78 مقابلة مع الخبراء الرئيسيين؛ ونظمنا 11 مناقشة جماعية مركزة؛ وعقدنا حوارين مجتمعيين رئيسيين لسنجار. بناءً على هذه النتائج، اقترحنا وجربنا نموذجًا جديدًا للحوكمة التشاركية. اخترنا 25 ممثلًا من أفراد مجتمع سنجار ونشطاء المجتمع المدني ويسرنا عقد اجتماع بينهم وبين محافظ نينوى ونائبە، لإجراء مناقشة صريحة وبناءة، ومراجعة العقبات التي تحول دون تقديم الخدمات لسنجار وكيفية حلها في إطار صلاحيات الحكومة المحلية.
حدد السنجاريون 81 مطلبًا محليًا ذا أولوية، يتعلق معظمها بالخدمات وإصلاح البنية التحتية. الأهم من ذلك، أن هذه المطالب ميسورة التكلفة للحكومة المحلية، ويمكنها تسريع تعافي سنجار وتسهيل عودة النازحين داخليًا. التزم المحافظ بتلبية كل من هذه المطالب والاجتماع مع ممثلي المجتمع أنفسهم مرة أخرى في الوقت المناسب.
إذا نجح المحافظ وفريقه في تنفيذ هذه الآلية، فقد تكون نموذجًا حقيقيًا للمناطق الأخرى المتأثرة بالنزاع في العراق وسوريا وخارجها. نُشرت تفاصيل هذه المبادرة، بما في ذلك مراجعة واسعة للأدبيات والسياق التاريخي، في تقريرنا الأسبوع الماضي، وهو متاح الآن على موقعنا الإلكتروني.
أيها الحضور الكرام،
نجتمع هنا اليوم وغدًا في هذا الملتقی المهم ليس فقط لمناقشة السياسات الحكومية، ولكن أيضًا لخلق تفاعل هادف بين الناس وصانعي القرار، وبين النخب وصانعي السياسات والخبراء المحليين والدوليين على حد سواء. من مواقعكم المختلفة، نتوقع من كل واحد منكم أن يساهم في عملية صياغة السياسات، والعمل نحو مصلحتنا المشتركة في بلد مشترك.
أود أن أشكركم جميعًا على حضوركم ومشاركتكم الفعالة. كما أنني ممتن بعمق لكل من ساهم، بطرق مختلفة، في تنظيم هذا المؤتمر لصالح شعبنا وأرضنا وبلدنا. أتمنى لكم جميعًا اجتماعًا ممتعًا ومثمرًا.

