وفي الواقع فإن إقليم كوردستان لاينفرد بالوقوع في فخ هذه الوضعية المفاجئة، بل أن کثيرا من زميلاته في ميدان الإنتاج النفطي تجد نفسها في نفس الحال. ليس ذلك فحسب، بل أن التأريخ مفعم بأمثلـة مشابهةلحكومات سعيت إلی تحويل إقتصادياتها عن التعويل علی المصادر المكنونة فيها، من خلال تطورها وتطبيقها لإستراتيجيات تضمنت بالأساس التنويع الكلي والواسع للإقتصاد ومصادره. وبطبيعة الحال، فإن هناك تفاوتا لنسب النجاح والإخفاق من بلد لآخر لكن جميع الجهود المبذولة ، سواء أحرزت التقفيق أم تحرزه، تقدم دروسا غنية وجديرة بالعبرة والموعظة للذين يرومون الوصول إلی أهداف مماثلة.
علی سبيل المثال، تشيلي التي تكمن في باطن أرضها لوحدها حوالي ٣٨% من إحتياط النحاس العالمية، تمكنت الحكومة من إبعاد إقتصادها من الإعتماد علی البضاعة الواحدة، مضيفة إلی مصادرها الإقتصادية بدائل مهمة من قبيل النبيذ، الخشب، الفواكه، وسمك السالمون إلی قائمة تصديراتها. وبذلك خففت من الصدمات التي يتعرض لها الإقتصاد بسبب تذبب الأسعار في الأسواق العالمية. كما أن ماليزيا كانت مان الناحية التاريخية تعتمد بشکل أساسي علت تصدير المطاط والقصدير لكن الحكومة إتبعت إستراتيجية راسخة ومدعومة بقوة، فتمكنت من تحقيق إنتاج جيدفي المجال الزراعي من خلال التركيز علی زراعة نخيل الزيت الذي أصبح زيته مصدرا رئيسا للتصدير علی نطاق البلد. وإضافة إلی ذلك، فإن البلد أصبح بفضل التخطيط والمثابرة القوية تحقيق تقدم ملحوظ في مجال الصناعة فأصبحط منتوجاته منافسة قوية لمثيلتها في الأسواق العالمية خصوصا في مجال الأڵکترونيات التي درت علی البلد أرباحا وفيرة، وبحلول عام (٢٠٠٠) تمکن هذ القطاع الصناعي الناشئ من أن ينتج ما قيمته ٣٠% من الدخل القومي العام لماليزيا. وفي النهاية، فإننا لابد أن نشير إلا أن أندونيسيا ذات التاريخ في التصنيع المدار من القطاع الحكومي والذي حقق نجاحا ملحوضا في إنقاذ البلد من الإعتماد علی البضائع البدائية في مجالي التعدين والزراعة.
وفي الوقت الذي يتوفر لإقليم كوردستان المجال الوافر للإستفادة من تجارب هذه البلدان، فإن عليه أن يثابر من أجل ترسيم نموذجه الخاص للخلاص من الوضع القائم وفقا لطبيعة ومتطلبات موارده الطبيعية الفريدة، ومتاحاته الإقتصادية وموقعه الجيوسياسي. وعلی نفس المسار، علی إقليم كوردستان تحديد ما يـمكن عمله وإستغلاله بالتوازي معا الإمكانيات والموجودات المادية الموجودة حاليا علی الساحة وأن يعمل بمثابرة وبنشاط من أجل الحصول علی المساعدة والخبرة من ذوي الخبرة والإختصاص المتمرسين في خطط الإصلاح الإقتصادي التي تضمن الوصول إلی هذه الأهداف. إن مثل هذه الخطوة يجب أن تخرج بعيدا عن مجال التشخيص فقط علی وفق ” العاهة الهولندية” سيئة الصيت، أي فقدان الميزة التنافسية في الميدانين الزراعي والصناعي کحصيلة سيئة لإختيار السبيل الغير المجدي. وفي الحقيقة، ليس هناك من مغفل يحاول حمل كوردستان علی المضي في تحمل النتائج المضرة الناجمة عن الإعتماد علی النفط لوحده وإهمال سائر مجالات الإقتصاد، أو عرض حجم الأضرار اللاحقة بالإقليم نتيجة الصدمات الخارجية المتكررة. لكن فهم وإستيعاب المشكلة شيئ وإتخاذ الخطوات العقلانية لحلها شيئ آخر.