Back

ماهي مدارات إصلاح القطاع الخاص

السقوط المروع في أسعار النفط في العام الماضي كشف النقاب عن واقع مٶلم للإقتصاد الكردستاني ومدی تأثيره بالإضطرابات التي تضرب الأسواق العالمية بين الحين والحين. والآن، وبعد مضي مايقارب السنة ونصف علی ذلك الحدث، أصبح من الواضح للعيان  بأن إعتمادية كوردستان علی تصدير بضاعة واحدة  کسند رئيسي للدخل، تنطوي علی خطورة  كبيرة من حيثها كونها غير مرغوب  فيها إ‌قتصاديا وغير قابلة للإستدامة ماليا. وهكذا نری أن الأقليم، وفي خضم هبوط أسعار النفط إلی القاع علی مدی العقد الأخير وعدم الوثوق بما ستحمله الأيام في المستقبل القريب، يجد نفسه في حاجة ماسة للغاية إلی إستنباط سياسة شاملة بإتجاه تنويع إقتصاده وزيادة مستويات الإنتاج في القطاع الخاص.

وفي الواقع فإن إقليم كوردستان لاينفرد بالوقوع  في فخ هذه الوضعية المفاجئة، بل أن کثيرا من زميلاته في ميدان الإنتاج النفطي تجد نفسها في نفس الحال. ليس ذلك فحسب، بل أن التأريخ مفعم بأمثلـة مشابهةلحكومات سعيت إلی تحويل إقتصادياتها عن التعويل علی المصادر المكنونة فيها، من خلال تطورها وتطبيقها لإستراتيجيات تضمنت بالأساس التنويع الكلي والواسع للإقتصاد ومصادره. وبطبيعة الحال، فإن هناك تفاوتا لنسب النجاح والإخفاق من بلد لآخر  لكن جميع الجهود المبذولة ، سواء أحرزت التقفيق أم تحرزه، تقدم دروسا غنية وجديرة بالعبرة والموعظة للذين يرومون الوصول إلی أهداف مماثلة.

وهكذا نری أن الأقليم، وفي خضم هبوط أسعار النفط إلی القاع علی مدی العقد الأخير وعدم الوثوق بما ستحمله الأيام في المستقبل القريب، يجد نفسه في حاجة ماسة للغاية إلی إستنباط سياسة شاملة بإتجاه تنويع إقتصاده وزيادة مستويات الإنتاج في القطاع الخاص.

علی سبيل المثال، تشيلي التي تكمن في باطن أرضها لوحدها حوالي ٣٨% من إحتياط النحاس العالمية، تمكنت الحكومة من إبعاد إقتصادها من الإعتماد علی البضاعة الواحدة، مضيفة إلی مصادرها الإقتصادية بدائل مهمة من قبيل النبيذ، الخشب، الفواكه، وسمك السالمون إلی قائمة تصديراتها. وبذلك خففت من الصدمات التي يتعرض لها الإقتصاد بسبب تذبب الأسعار في الأسواق العالمية.  كما أن ماليزيا كانت مان الناحية التاريخية تعتمد بشکل أساسي علت تصدير المطاط والقصدير لكن الحكومة إتبعت إستراتيجية راسخة ومدعومة بقوة،  فتمكنت من تحقيق إنتاج جيدفي المجال الزراعي من خلال التركيز علی زراعة نخيل الزيت الذي أصبح زيته مصدرا  رئيسا للتصدير علی نطاق البلد. وإضافة إلی ذلك، فإن البلد أصبح بفضل التخطيط والمثابرة القوية تحقيق تقدم ملحوظ في مجال الصناعة فأصبحط منتوجاته منافسة قوية لمثيلتها في الأسواق العالمية خصوصا في مجال الأڵکترونيات التي درت علی البلد  أرباحا وفيرة، وبحلول عام (٢٠٠٠) تمکن هذ القطاع الصناعي الناشئ من أن ينتج ما قيمته ٣٠% من الدخل القومي العام لماليزيا. وفي النهاية، فإننا لابد أن نشير إلا أن أندونيسيا ذات التاريخ في التصنيع المدار من القطاع الحكومي  والذي حقق نجاحا ملحوضا في إنقاذ البلد من الإعتماد علی البضائع البدائية في مجالي التعدين والزراعة.

وفي الوقت الذي يتوفر لإقليم كوردستان المجال الوافر للإستفادة من تجارب هذه البلدان، فإن عليه أن يثابر من أجل  ترسيم نموذجه  الخاص للخلاص من الوضع القائم وفقا لطبيعة ومتطلبات موارده الطبيعية الفريدة، ومتاحاته الإقتصادية وموقعه الجيوسياسي.  وعلی نفس المسار، علی إقليم كوردستان تحديد ما يـمكن  عمله وإستغلاله  بالتوازي معا الإمكانيات  والموجودات  المادية الموجودة حاليا علی الساحة وأن يعمل بمثابرة وبنشاط من أجل الحصول علی المساعدة والخبرة من ذوي الخبرة  والإختصاص المتمرسين في خطط الإصلاح الإقتصادي التي تضمن الوصول إلی هذه الأهداف. إن مثل هذه الخطوة يجب أن تخرج بعيدا عن مجال التشخيص فقط علی وفق ” العاهة الهولندية” سيئة الصيت، أي فقدان الميزة التنافسية في الميدانين الزراعي والصناعي کحصيلة سيئة  لإختيار السبيل الغير المجدي. وفي الحقيقة، ليس هناك من مغفل يحاول حمل كوردستان  علی المضي في تحمل النتائج المضرة الناجمة عن الإعتماد علی النفط  لوحده وإهمال سائر مجالات الإقتصاد، أو عرض حجم الأضرار اللاحقة بالإقليم نتيجة الصدمات الخارجية المتكررة. لكن فهم وإستيعاب المشكلة شيئ وإتخاذ الخطوات العقلانية لحلها شيئ آخر.

في الحقيقة، ليس هناك من مغفل يحاول حمل كوردستان  علی المضي في تحمل النتائج المضرة الناجمة عن الإعتماد علی النفط  لوحده وإهمال سائر مجالات الإقتصاد، أو عرض حجم الأضرار اللاحقة بالإقليم نتيجة الصدمات الخارجية المتكررة. لكن فهم وإستيعاب المشكلة شيئ وإتخاذ الخطوات العقلانية لحلها شيئ آخر.

هناك أمام الحكومات جملة واسعة  من الإختيارات والأدوات لوضعها في خدمة أي سياسية تهدف إلی تعزيز  دور القطاع الخاص وتنويع قدراته، وهي تتراوح بين  الإعفاءات الضريبية، والدعم المالي، والمشتريات العامة، والإستثمار وصولا إلی التحرير أو التسهيل في القوانين والأنظمة، وتقليل القيود عن الإستثمار، وسياسات منع إستيراد البضائع المماثلة وتشجيع الشراكة بين القطاعين الخاص والعام وزيادة المساعدة للأعمال التجارية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. ويتطلب بعض هذه الآليات تخصيص مبالغ مالية قد تكون غير متوفرة لدی الحكومة في الوقت الحاضر، لكن البعض الآخر منها يمكن القيام بها دون الحاجة الی الموارد المالية كتشجيع الشركات بين القطاعين الخاص والعام ووضع الرسوم علی الإستيراد  وتوفير مناخ  إستثماري أكثر صحة من خلال زيادة عامل الشفافية وتحسين المراقبة  المٶسساتية.

إن الحاجة إلی تكوين فهم شامل وكامل لتطوير القطاع الخاص في كوردستان، قد فرضت  نفسها بقوة ولايرواد أحد شك في أهميتها وجوهريتها. وفي نهاية الأمر، فإنه لايشترط للسياسات والإجراءات المتبعة في بعض البلدان أن تطبق حرفيا، لأن بعضها قد لاتصلح هنا لتفاوت المناخات والثقافات لذا فالحاجة تدعو إلی إتباع سياسات مختلطة ناجحة مستجيبة للأوضاع الفاعلة علی الأرض في كوردستان. ومع ذلك، فإن حكومة إقليم كوردستان ستستفيد من سياسات ومناهج متطلعة للخارج والتي من شأنها توفير الإستوحاء من تجارب البلدان الأخری في مجال الإصلاح الإقتصادي التي تحولت بنجاحاتها إلی ملك للبشرية جمعاء، وبمقدور  هذه البلدان  أن تقدم  إستشارات ونصائح ذات قيمة عالية  وجعلها تتحول إلی منائر تنير الطريق أمام حکومة إقليم  كوردستان نحو التنويع المنشود في قطاعه الخاص.

تم نشرها أولا في العدد العاشر لمجلة Kurdistan Reviewمن قبل Invest in Group

Comments are closed.