بعد 21 عاماً من الوساطة والحوار: ما هو مستقبل بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)؟
- محمد الحسن، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونامي
- تانـيا جيلي خيلاني، عضوة سابقة في البرلمان العراقي
مقدمة
في جلسة حوارية عميقة وراهنة ضمن فعاليات ملتقى ميري لعام 2024، تحاورت البرلمانية السابقة والناشطة المدنية تانـيا گلي مع محمد الحسن، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة يونامي في العراق. وتناولت الجلسة الإرث التاريخي للبعثة، والتحديات المتغيرة التي تواجهها، إضافة إلى اقتراب موعد إنهاء مهمتها في العراق. لم يقتصر النقاش على قراءة الماضي، بل امتد لاستشراف مستقبل المشهد السياسي والتنموي والإنساني للعراق في مرحلة ما بعد يونامي.
إرث بعثة يونامي: بين الدعم المنجز والفرص غير المحققة
استهل محمد الحسن مداخلته بإشارة رمزية من خلال ارتدائه الزي العماني التقليدي تعبيراً عن احترامه للثقافة المحلية والإقليمية. ووصف العراق بأنه “ركن حضاري”، مشدداً على أن خاتمة مهمة يونامي يجب أن تكون أكثر أهمية من بدايتها، قائلاً: “النهاية أهم من البداية”.
وأكد أن العراقيين هم أصحاب القرار في تقرير مستقبلهم، موضحاً أن دور بعثة يونامي اقتصر على الدعم في مجالات عدة مثل مراقبة الانتخابات، إصلاح المؤسسات، وإعادة توطين النازحين، لكنه ظل دائماً دوراً استشارياً وليس تنفيذياً. وأضاف: “يونامي هنا للمساعدة وليس للحكم”.
مع ذلك، أقر المشاركون بأن البعثة، خلال العقدين الماضيين، لم تخلُ من جوانب القصور. حيث رأى بعض النقاد أنها أحياناً مالت للتماهي مع مصالح النخب السياسية، واعتمدت استراتيجيات اتصال غير شفافة، وبرامج من الأعلى إلى الأسفل، ما أضعف حضورها على مستوى القواعد الشعبية. ورغم استمرار الدعم الدولي، فإن الإصلاح المؤسسي العميق في العراق لا يزال بعيد المنال.
من العمل الإنساني إلى التنمية: الوعود والمخاطر
اعترضت تانـيا گلي على الخطاب المتفائل، مشيرة إلى أن الفساد وضعف المؤسسات وغياب الشفافية تشكل أبرز المعوقات أمام التنمية. وتساءلت حول قدرة مؤسسات الدولة العراقية على تحمل مسؤوليات التنمية الحقيقية، محذّرة: “دون إصلاح ومساءلة، ستبقى التنمية شعاراً لا مساراً”.
ورد الحسن موضحاً أن ولاية يونامي تتجاوز الإغاثة الإنسانية، حيث تشمل الجوانب السياسية والتنموية وحقوق الإنسان، مؤكداً أن العراقيين هم من يجب أن يقودوا هذه العملية، بينما تقدم الأمم المتحدة المشورة والدعم الفني فقط: “الأمم المتحدة ليست وصية، العراق دولة مستقلة تدير شؤونها”.
الحقوق والحريات: بين الالتزامات والواقع
احتدم النقاش عند الحديث عن الحقوق المدنية، إذ أثارت گلي مخاوف حيال محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية والتراجع في مستوى الحريات، لا سيما فيما يخص النساء والأطفال. وقالت: “صحيح أن الحريات في العراق تقدمت، لكن لا ينبغي أن نقيس أنفسنا بالمستوى المتوسط في المنطقة. علينا أن نطمح إلى ما هو أكثر”.
ورد الحسن بأن سجل العراق في المساواة بالأجور بين الجنسين يفوق دولاً كثيرة حتى في الغرب، مؤكداً أن دور الأمم المتحدة يقتصر على تقديم المشورة الفنية والتنبيه وليس فرض السياسات الداخلية، مضيفاً: “نحن نثق أن العراق سيلتزم بتعهداته الدولية”. واتفق الطرفان على ضرورة صون المكتسبات في مجال الحريات، لكن التساؤل يبقى: “هل سنحافظ عليها أم سننكفئ للخلف؟” كما تساءلت جيلي.
رغم ذلك، يظل القلق قائماً من أن خروج يونامي قد يضيّق مساحة الدفاع عن الحريات المدنية، حيث طالما اعتبرها الناشطون درعاً ضد النزعات السلطوية المتزايدة. في المقابل، أعرب الحسن عن ثقته بقدرة العراق على بناء آليات مشابهة عند الحاجة.
اتفاق سنجار: بين الرمزية والتعثر في التنفيذ
عند مناقشة الوضع في قضاء سنجار ذي الغالبية الإيزيدية، استعرضت الجلسة التعثر في تنفيذ اتفاق سنجار، حيث نقلت گلي انتقادات من الناجين الإيزيديين ومنظمات المجتمع المدني التي رأت أن الاتفاق افتقر إلى الشمولية والمشاركة الفاعلة. وقالت: “الناجون لم يشعروا أنهم جزء من العملية”.
أقر الحسن أن النجاح يعتمد على الحوار الشامل والمستمر، مشدداً على أن الأمم المتحدة تدعم “نهجاً تدريجياً مستقراً”، لضمان ديمومة الحلول. لكنه أشار إلى أن ضيق الوقت المتبقي للبعثة يفرض ضغوطاً على كافة الأطراف لتحقيق تقدم سريع: “مرحلة ختام مهمة يونامي ليست نهاية بل بداية جديدة”.
انسحاب منظم: من البعثة إلى آلية جديدة
كان التخوف من الفراغ المؤسسي عقب خروج يونامي محوراً أساسياً للنقاش، حيث تخشى منظمات المجتمع المدني، خصوصاً في المناطق المهمشة، من فقدان قنوات الدعم الدولي.
سعى الحسن إلى طمأنتهم قائلاً: “قد تنتهي يونامي، لكن الأمم المتحدة باقية في العراق والعراق باق في الأمم المتحدة”. وشرح أن الدعم المستقبلي سيأتي عبر منظومة المنسق المقيم ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، مشيراً إلى مباحثات جارية مع الحكومة العراقية لوضع هيكلية المرحلة التالية. كما أشار إلى ملفات أخرى يمكن للأمم المتحدة مواصلة دعمها مثل الحدود والعلاقات مع الكويت.
مع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من غياب استراتيجية انتقالية واضحة وتشاركية، حيث تظل العديد من الأسئلة معلقة: من يقود التنسيق مع المجتمع المدني؟ وكيف ستحدد الأولويات؟ وهل ستُسمع أصوات الفئات المهمشة؟
بغداد وأربيل: تقريب المسافات بالحوار
تطرقت الجلسة أيضاً للعلاقة بين بغداد وإقليم كردستان. وأشارت گلي إلى أن الأمم المتحدة تعاملت أحياناً مع العراق ككيان موحد، متجاهلة خصوصية البنية السياسية والحكومية للإقليم.
ورد الحسن بأن تنوع العراق يمثل مصدر قوته: “العراق فسيفساء من الكرد والعرب والتركمان والمسيحيين واليهود والسنة والشيعة، والتحدي يكمن في تحويل هذا التنوع إلى مصدر قوة”. وشدد على أن كل من بغداد وأربيل تدركان مصيرهما المشترك، وأنهما تتعاونان رغم التحديات، مضيفاً: “استقرار وازدهار الإقليم لا يخدم العراق وحده بل يصب في مصلحة المنطقة بأسرها”.
الأولويات الأخيرة والمسار القادم
في ختام النقاش، سُئل الحسن عن أولويات يونامي في عامها الأخير حتى ديسمبر 2025، فأكد التركيز على دعم الانتخابات، العدالة الانتقالية، المصالحة مع الكويت، ورصد حقوق الإنسان. وشدد قائلاً: “المرحلة القادمة هي مرحلة الإرث”، مشيراً إلى بقاء ملفات عالقة مثل المفقودين والنزاعات الحدودية مع الكويت، والتي ستتطلب استمرار الوساطة الدولية حتى بعد انتهاء ولاية يونامي رسمياً.
والتحدي المقبل أمام الأمم المتحدة هو ضمان ألا يعني انسحابها انفصالها عن العراق. إذ أن متانة المؤسسات العراقية، وحيوية الديمقراطية، ونشاط المجتمع المدني ستحدد ما إذا كانت المرحلة المقبلة خاتمة أم استمراراً لمرحلة بناء متجدد.
ملتقی الشرق الأوسط 2024
مستقبل الحوار في العراق و الدور المتبقي لبعثة یونامي؟