اللامركزية أم إعادة المركزية، هذا هو السؤال
تناولت هذه الجلسة الحواریة وضع الحوكمة في العراق، مركزة على السيناريو الامثل الذي يمكن أن يناسب العراق في ضوء الطابع الفيدرالي الذي ينص عليه دستوره والتنوع الذي يفرضه. وفي ذلك، تحاور أندريا ناسي، السفير النساوي في العراق، مع قباد طالباني ، نائب رئيس الوزراء لحكومة إقليم كوردستان، الذي خدم طويلاً في المجال السياسي وفي المفاوضات مع بغداد حول قضايا السلطة وتقاسم الإيرادات.
ابتدأت المناقشة باستكشاف المزايا المحتملة المرتبطة بتأسيس المجلس الفيدرالي في العراق. على الرغم من أن تأسيس هذا المجلس مطلوب وفقًا للدستور العراقي، إلا أن تشكيله لم يتحقق حتى الآن. مؤكدًا على أهميته في الحفاظ على توزيع متوازن للسلطة ضمن الهيكل الحاكم، خاصة في حماية الأقليات من التهميش على يد القوى السائدة، أكد طالباني أن الهدف الأساسي المتصور في تشكيله كان لـ “خلق توازنات في النظام”. وأشار إلى أن مثل هذا الآلية “يمكن أن تكون درعًا ضد الحكم السيء المحتمل للأغلبية، مما يعزز الالتزام بسيادة القانون ومبادئ المساواة”.
أكد طالباني على التأثير المأمول لهذا المجلس المقترح، مشيرًا إلى أن إنشاؤه سيضمن المشاركة الفعّالة للمحافظات والوحدات الفيدرالية في عملية الحوكمة. واعتبر ذلك لن يساهم فقط في تعزيز النظام الفيدرالي ولكن أيضًا في تعزيز الملكية والمشاركة العامة. وببساطة، يتم تصوير المجلس الفيدرالي الذي يتم انتخابه وتمثيله بشكل متساوٍ كوسيلة للحفاظ على مبادئ الديمقراطية، ومنع سوء استخدام السلطة، وتعزيز شمولية الحوكمة في العراق. يوضح دستور العراق لعام 2005، أن العراق هو كيان فيدرالي، مقدمًا مبادئ توجيهية عامة لتأسيس هكذا نظام. ومع ذلك، بعد مرور أكثر من عقدين، ما زال تحويل هذه الأحكام الدستورية إلى جوانب عملية في الحكم، خاصة في مجال العلاقات بين الحكومة المركزية والمناطق والمحافظات، أمرًا غامضًا. يظهر العراق انه لا يزال يتسم بدرجة عالية من المركزية وان تعاملاته مع إقليم كردستان العراق، الكيان الفيدرالي الوحيد في البلاد، غير منظمة بأطر وقوانين. ولا شك ان هذا النقص في التنظيم ادى إلى تذبذب إقليم كوردستان في تعاملاته بين كيان فيدرالي وكيان مستقل، معاكسا للتقلبات الأوسع في الدولة العراقية نفسها، التي تتناوب بين تفويض للسلطات وتركيزها.
نوقش في الجلسة أن هذا الوضع المشوش يعود إلى فشل ترجمة الإطار الدستوري إلى قوانين تحدد توزيع السلطات بين الوحدات الإدارية المختلفة داخل البلاد. وهذا النقص في التنظيمات أدى إلى ظهور حالة غامضة في تعامل إقليم كوردستان والدولة العراقية، مسهمًا في تناقضات وتقلبات عديدة.
ووفقًا لطالباني، فان مركزية الحكم تعتمد في سياق الديكتاتورية فقط، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع طموحات المجتمع الدولي والشعب العراقي، اللذين قاموا بتضحيات كبيرة لاستبدال نظام ديكتاتوري بنظام يتسم بالحوكمة العادلة. كم وتم التأكيد على ضرورة أن يتجاوز العراق الإطار الدستوري الحالي، وضرورة تشريع القوانين الخاصة بتوضيح توزيع السلطات بين وحدات الإدارة المختلفة لتحقيق الحكم الفعّال في البلاد.
في التأمل في نماذج الفيدرالية العالمية المختلفة، أعرب طالباني عن رأيه بأن العراق يمكن أن يستفيد من النماذج الحالية المعمولة بها دوليا مع التأكيد على ضرورة صياغة نهج خاص يتناسب مع السياق الفريد للعراق. وشدد على أهمية الحفاظ على خصوصيات البلاد، داعيًا إلى نموذج يتسع للتنوع ويعزز المواطنة من خلال التمثيل القوي والمشاركة الفعّالة، وتحديد دقيق للحقوق والمسؤوليات. وفي هذا السياق، أشار إلى ضرورة أن يتماشى إقليم كوردستان العراق مع هذه المبادئ في دستوره المستقبلي، مشيرًا إلى أن الحكم الحالي في إقليم كوردستان يجمع بين النظام المركزي والنظام اللامركزي، مما يؤدي إلى ظهور تناقضات جوهرية. فعمي سبيل المثال، الغموض الهيكلي الحالي، مثل أدوار ومسؤوليات المحافظين، يشير إلى مشكلة عدم الوضوح في توزيع السلطات عبر المستويات الإدارية في إقليم كوردستان. وقال طالباني إن ما يفتقده الإقليم حاليًا هو توزيع واضح للسلطات على جميع المستويات الإدارية. على الرغم من الدعوات لتنفيذ النظام الفيدرالي من بغداد، أكد أن ما يحتاجه كوردستان حقًا هو اللامركزية الحقيقية لمعالجة التناقضات الحالية وتعزيز فعالية نظامها الحكومي. وأشار إلى أن هذا يمكن تحقيقه إذا كان لدى إقليم كوردستان دستورًا واضح المضمون قابل للتنفيذ.
من البديهي ان تفويض السلطة يمكن أن يكون صعبًا بالنسبة للسياسيين لان هذا يمكن أن يؤدي إلى استحداث آليات قد تقييد السلطات وتمنح للأفراد والجماعات خارج هياكل السلطة القوة والقدرة في التأثير على عملية صنع القرار. وقد يتردد الأطراف الحاكمة بالتالي في تفويض السلطات، بينما يطالب الأفراد والجماعات الذين يقعون خارج نطاق السلطة الحقيقية في العراق بنظام لامركزي للحوكمة، مما يؤدي إلى توتر يمكن التعامل معه في المدى القريب. ما يثير الأمل، وفقًا لطالباني، هو أن الفيدرالية الآن تعد متطلبًا يتجاوز رغبات الأكراد فقط. إنه نظام حكومي لم يعد “طلبًا كرديًا” فحسب، بل إن تدعم في جميع أنحاء العراق وبين مكوناته الإثنية والدينية.
ملتقی الشرق الأوسط 2023
معالجة أولويات العراق العاجلة
11-10 اکتوبر/تشرين الاول
الجلسة 12: نينوى: اللامركزية أو إعادة المركزية: هذا هو السؤال
فيديو الجلسة