العراق وشركائە الدوليین: تقارب الأولويات وتعزيز الشراكة
- أندریا ناسي، سفیر نمسا في العراق
- جانيت ألبيردا، سفيرة هولندا في العراق
- توماس سيلر، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق
- زینب ربیع، إعلامیة (المحاورة)
جمعت هذه الجلسة كبار الدبلوماسيين الأوروبيين لاستكشاف الشراكات المتطورة مع العراق. وقد تبادل المتحدثون، وهم السفيرة جانيت ألبيردا من هولندا، والسفير أندريا ناسي من النمسا، وتوماس سيلر رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق، الرؤى والأولويات السياسية في نقاش أدارته الصحفية زينب ربيع. وقدّم الحوار رؤى دقيقة حول ارتباطات أوروبا الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية مع العراق، فضلاً عن الطموحات المشتركة والانتقادات المتبادلة والاحتكاكات الكامنة في العلاقة.
نموذج دبلوماسي متغير: من الانخراط في المعاملات إلى الشراكة الشاملة
افتتحت السفيرة ألبيردا المناقشة بوضع سياسة هولندا تجاه العراق ضمن سياق تاريخي واستراتيجي أوسع. وأكدت على التحول من علاقة قنصلية وتجارية إلى شراكة أكثر استراتيجية وشمولية. وسلطت الضوء على تطور هذه العلاقة، لا سيما بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى لاهاي، على إعادة تقويم العلاقات الدبلوماسية المدفوعة بالمصالح المتبادلة في إدارة الهجرة والإصلاح الاقتصادي والاستقرار الإقليمي.
وتعكس تصريحات ألبيردا تغييراً محتملاً في الانخراط الدبلوماسي الغربي مع العراق. إذ لم يعد الهدف يقتصر على إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع أو الدعم الإنساني، بل تعزيز التعاون المؤسسي المستدام. ومع ذلك، فقد سلطت الضوء أيضًا على العقبات المستمرة، بما في ذلك الديون غير المسددة للشركات الهولندية، باعتبارها عوائق أمام المشاركة الاقتصادية الأوسع نطاقًا. وتشير هذه التحديات إلى وجود فجوة بين الخطاب السياسي والتنفيذ على أرض الواقع.
دبلوماسية جودة الحياة التي تنتهجها النمسا
السفير أندريا ناسي صاغ مقاربة النمسا للعراق من خلال عدسة دبلوماسية ”جودة الحياة“. وبالاستناد إلى مؤشرات مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية والأمن الداخلي، صاغ ناسي أجندة الإصلاح في العراق على أنها تتداخل مع المعايير المعيارية للنموذج الغربي للتنمية. ومن خلال الاستشهاد بمسح ميرسر لجودة الحياة وتفصيل اتفاقيات النمسا الدبلوماسية والتجارية مع العراق، من التعاون في مجال الهجرة إلى البنية التحتية للمياه، صوّر ناسي مشاركة النمسا على أنها متعددة الأبعاد وتركز على الناس.
ومع ذلك، فإن نهج النمسا لا يخلو من الحذر. فقد حملت ملاحظات ناسي حول الحاجة إلى سيادة القانون والسيطرة المدنية على الجيش والفيدرالية الفاعلة انتقادات ضمنية لضعف الحكم المستمر في العراق. وكان تأكيده على ضرورة المساءلة القانونية الكاملة إشارة واضحة للسلطات العراقية فيما يتعلق بتوقعات الإصلاح الأمني والمؤسسي.
دور الاتحاد الأوروبي: الموازنة بين الشراكة والمشروطية
قدم السفير توماس سيلر تقييماً صريحاً لانخراط الاتحاد الأوروبي مع العراق، اتسم بشعور واضح بالإلحاح وإعادة التقويم الاستراتيجي. ومع تأكيده على قوة العلاقات الثنائية، أقرّ سيلر بوجود تحدٍ إقليمي أوسع نطاقاً: تراجع نفوذ الاتحاد الأوروبي في العالم العربي، والذي تفاقم بسبب الحرب في غزة والولاءات الإقليمية المتباينة.
حملت تصريحات سيلر رسالة مزدوجة. فمن ناحية، لا يزال الاتحاد الأوروبي ملتزماً بدعم سيادة العراق وتطوره الديمقراطي. ومن ناحية أخرى، فإن مشاركته تتشكل بشكل متزايد من خلال المشروطية، خاصة فيما يتعلق بقضايا مثل مكافحة الفساد وسيادة القانون وحقوق الإنسان. وشدّد على أهمية الاستراتيجيات المنهجية لمكافحة الفساد وتطوير المجتمع المدني كشرطين أساسيين للدعم المستدام.
كما تناول أيضًا الانتقادات المتعلقة بحرية التعبير، موضحًا موقف الاتحاد الأوروبي: بينما يجب حماية المعارضة السياسية، فإن خطاب الكراهية، بما في ذلك الهجوم على الزعماء الدينيين، لا تحميه المعايير الديمقراطية. وهذا يعكس محاولة الاتحاد الأوروبي لدعم الحقوق العالمية أثناء التعامل مع التعقيدات الاجتماعية في العراق.
الاستثمار والتكامل الاقتصادي: الفرصة تلتقي بالقيود
تحدث السفيران ألبيردا وسيلر عن البعد الاقتصادي للعلاقات الأوروبية العراقية. وقد أكد كلاهما على الإمكانات غير المحققة للاستثمار الأوروبي في العراق، مشيرين إلى الغموض القانوني وضعف التواصل ونقص القدرات المؤسسية كعقبات مستمرة. وأكدت ألبردا على الدور الكبير الذي لعبته هولندا في الماضي في التنمية الزراعية في إقليم كردستان، وأعرب عن أملها في تكرار هذا النموذج في أجزاء أخرى من العراق. ومع ذلك، تمت الإشارة إلى النزاعات التجارية التي لم يتم حلها، بما في ذلك الديون المستحقة للشركات الهولندية، باعتبارها عوائق كبيرة أمام مشاركة القطاع الخاص على نطاق أوسع.
تعكس ملاحظات المشاركين في حلقة النقاش توافقاً في الآراء: إن العراق في ”منعطف محوري“، حيث يوفر فرصاً في البنية التحتية والرقمنة والطاقة المتجددة، ولكن فقط إذا تمت معالجة القيود النظامية. إن مقارنة سيلر لأرقام الاستثمار في الاتحاد الأوروبي بأرقام الاستثمار في الصين (10٪) تسلط الضوء على حجم الأداء الضعيف، في حين أن إصراره على أرقام الاستثمار ”المخصصة“ بدلاً من أرقام الاستثمار المتضخمة يكشف عن تفضيله للمشاركة الاقتصادية الاستراتيجية ذات المنفعة المتبادلة.
التعاون الأمني: رؤية شاملة
الأمن برزت بشكل بارز في النقاش. فقيادة هولندا للبعثة الاستشارية لحلف الناتو، ودعمها لبعثة الاتحاد الأوروبي العسكرية في العراق، ومساعدة قوات البيشمركة تُظهر التزاماً شاملاً بالاستقرار المؤسسي في العراق. وشدّدت ألبيردا على أن المشاركة الهولندية في مجال الأمن ليست قائمة بذاتها، بل هي جزء لا يتجزأ من إطار دبلوماسي وتنموي أوسع.
إن مساهمة النمسا في بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتركيزها على الأمن البشري يوسع نطاق الحوار الأمني ليشمل إدارة المياه وتغير المناخ والفيدرالية. وهذا المنظور الشامل، كما أوضح ناسي، يربط الاستقرار بالحكم الديمقراطي والمتانة المؤسسية. ووصفت الانتخابات في إقليم كردستان، على وجه الخصوص، بأنها ”علامة فارقة في الحياة الطبيعية“.
بدوره، أشاد سيلر بسياسة التهدئة الإقليمية في العراق تحت قيادة رئيس الوزراء السوداني. وسلط الضوء على التوازن الذي حققته بغداد في خضم النزاعات الإقليمية، مشيداً باستقبالها للاجئين والتزامها بعدم المواجهة. إن دعم الاتحاد الأوروبي لسيادة العراق، بما في ذلك ضد الضغوط الخارجية من القوى المجاورة، يتماشى مع المصالح الأوروبية الأوسع في الاستقرار الإقليمي.
حقوق الإنسان والحريات المدنية وتمكين الشباب
كان الموضوع المتكرر في الجلسة هو وضع حقوق الإنسان والحريات المدنية ودور الشباب في العراق. وأشادت ألبيردا بالانتخابات الأخيرة وأكدت على دعم هولندا للمجتمع المدني وتوظيف الشباب والشمولية. وسلّطت الضوء على مبادرات مثل ”أورانج كورنرز“ و”كابيتا“ كآليات لتنمية القطاع الخاص وتمكين الشباب.
كان سيلر صريحًا بشكل خاص في تحديد موقف الاتحاد الأوروبي من حقوق الإنسان: سياسة ”عدم التدخل“ التي تعزز الحوار والإصلاح القانوني وتقوية المجتمع المدني في الوقت نفسه. وأوضح الخطوط الحمراء للاتحاد الأوروبي، لا سيما فيما يتعلق بحرية التعبير، وميّز بين المعارضة المشروعة وخطاب الكراهية. ويوازن هذا الموقف الدقيق بين احترام السيادة العراقية والدعوة إلى المعايير العالمية.
وشدد السفير ناسي على أن الهيكل السياسي التعددي في العراق يوفر إطاراً أساسياً للتوافق مع النماذج الديمقراطية الغربية. إلا أنه أشار أيضاً إلى أن المناقشات الحساسة، لا سيما حول التشريعات، من الأفضل أن تتم في الخفاء، وهي لفتة دبلوماسية تهدف إلى تعزيز الثقة مع تجنب الاحتكاك العلني.
ومع ذلك، تم الإعراب عن مخاوف بشأن بطء وتيرة الإصلاح التشريعي، والضغوط المتزايدة على الحريات المدنية، والمصير الغامض لقوانين مثل مشروع قانون الأحوال الشخصية المثير للجدل. وقد أعربت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني وشرائح من الجمهور العراقي عن انتقادات قوية، وهو ما أقرّ الدبلوماسيون الأوروبيون بأنه مؤشر على التقدم المحرز والتحديات التي لم يتم حلها.
الديناميكيات الإقليمية وسيادة العراق
تقارب المتحدثون في تقييمهم لدور العراق الإقليمي. فقد أثنى سيلر وألبيردا على سياسة الحياد وعدم التصعيد التي تنتهجها الحكومة العراقية، لا سيما في خضم الصراع بين إسرائيل وغزة. وذهب ناسي إلى أبعد من ذلك، وعزا نجاح هذه السياسة إلى الدعم الشعبي والتماسك المؤسسي.
كانت رسالة الاتحاد الأوروبي الدبلوماسية واضحة: يجب ألا يصبح العراق ساحة معركة للقوى الخارجية. ومن خلال التأكيد على حق العراق في تحديد سياساته الخارجية والأمنية، عزز الدبلوماسيون الأوروبيون مكانة بغداد مع التحذير من التورط في حروب إقليمية.
نحو شراكة مبدئية واستراتيجية
أكدت الجلسة على أهمية التحول من إدارة الأزمات إلى الشراكة الاستراتيجية. وفي حين أكدت الجهات الفاعلة الأوروبية من جديد التزامها بتنمية العراق وسيادته، إلا أنها أكدت أيضاً على أهمية الإصلاح المؤسسي والوضوح القانوني والحكم القائم على الحقوق.
باختصار، عكس الحوار تقارباً متزايداً في الأولويات بين العراق وشركائه الأوروبيين. إلا أنه كشف أيضاً عن التحديات المقبلة: الديناميكيات السياسية الراسخة، والقيود الاقتصادية، وعدم الاستقرار الإقليمي. وسيعتمد نجاح هذه الشراكة المتطورة على المساءلة المتبادلة والحوار الشفاف والالتزام المشترك بالإصلاح.
ملتقی الشرق الأوسط 2024
العراق وشركائە الدوليین: تقارب الأولويات وتعزيز الشراكة