العراق: بناء الدولة وسط الديناميكيات السياسية المتطورة
في جلسة حوارية صريحة وجريئة ضمن فعاليات منتدى ميري، استعرض رئيس تحالف العزم، مثنى السامرائي، واقع التمثيل السياسي للسنة في العراق، ومآلات الشغور في رئاسة مجلس النواب حينها، وتحديات عودة النازحين، وآفاق الفيدرالية في المناطق المحررة. الجلسة التي أدارها الباحث عبد العزيز الجربا، تناولت قضايا حساسة تتعلق بمخرجات ما بعد داعش، وتعقيدات المشهد السياسي العراقي الراهن.
في مستهل الجلسة، أشار الجربا إلى أهمية التوقف عند التحولات السياسية التي شهدتها المحافظات ذات الأغلبية السنية منذ تحريرها عام 2017. وأوضح أن تحالف العزم جاء نتيجة حراك سياسي محلي في خمس محافظات حررت من قبضة تنظيم داعش، واستطاع أن يحجز لنفسه مكانًا بارزًا داخل مجلس النواب العراقي بعدد يقارب الثلاثين نائبًا. ومع ذلك، واجه هذا المكون تحديات كبيرة أبرزها الفراغ الذي دام عامًا كاملًا في منصب رئيس البرلمان، وهو المنصب الذي يُعد تقليديًا من حصة المكون السني وفق العرف السياسي بعد 2003.
من جانبه، أكد السامرائي أن تأخر انتخاب رئيس البرلمان لا يعود فقط إلى خلافات سنية داخلية كما يُشاع، بل هو نتيجة تشابك الخلافات بين جميع المكونات السياسية، سواء الكردية أو الشيعية أو السنية. وقال: “ليست هذه مشكلة سنية-سنية فقط، بل هناك خلافات كردية -كردية، وشيعية – شيعية، والسنية واحدة منها”. وأضاف أن بعض الأطراف تسعى لتأخير التوافق على رئيس البرلمان بهدف تحقيق مكاسب تفاوضية في ملفات حساسة مثل قانون الانتخابات والمفوضية، مشيرًا إلى أن هذا التأخير يعكس صراعًا أوسع على شكل العملية السياسية.
وبالإضافة إلى أهمية إنهاء الجدل الذي حصل حول رئاسة البرلمان، أقر السامرائي بالمسائل الاستراتيجية الأعمق المطروحة – منها مستقبل قانون الانتخابات في العراق ودور البرلمان في معالجة التشريعات الحساسة سياسياً. وقال:” يجب أن نوضح للرأي العام العراقي أن هذه التأخيرات ليست تقنية بل هي متجذرة في المناورات السياسية“.
وانتقل النقاش إلى ملف النازحين، حيث طرح الجربا قضية نزوح ما يقارب 800 ألف نازح لم يعودوا إلى مناطقهم الأصلية، بعضهم يُمنع من العودة من قبل ميليشيات وفصائل سياسية في أطراف بغداد ونينوى وديالى وبابل. ورد السامرائي بالتأكيد على أن التهميش الذي عانت منه المحافظات السنية بعد 2003، والانقطاع عن الدولة ومؤسساتها، شكّل أرضية خصبة لصعود الجماعات الإرهابية. لكنه أشار إلى تحسن ملحوظ في الأوضاع الأمنية مؤخرًا، مستشهدًا بمدينة سامراء كمثال على التحسن، حيث تم نقل المسؤوليات الأمنية من الجيش إلى وزارة الداخلية، وكذلك تنفيذ مشاريع الإعمار في هذه المحافظات. كما أكد التزام الحكومة بإعادة النازحين، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة تحرك المؤسسات الدينية والمجتمعية، مثل الوقف السني، للمساهمة في إعادة بناء الثقة الاجتماعية بالدولة.
أما بخصوص قضاء سنجار، فقال السامرائي إن معاناة سكان المدينة لا تزال ماثلة، مشيرًا إلى تخصيص أموال من الموازنة لصالح سنجار وإنشاء صندوق خاص لإعادة الإعمار. كما أشار إلى توظيف أبناء المدينة في المؤسسات الأمنية كمؤشر لتحسن الأوضاع. لا شك أن هناك تحديات جمة تعيث تنفيذ هذه الجهود، لكن حصر السامرائي التحديات باستمرار الخلافات السياسية بين القوى المحلية في محافظة نينوى. وأضاف أن الحكومة الاتحادية تبدي اهتمامًا جادًا بالقضية، وهناك اجتماعات متواصلة لدفع عجلة العودة الطوعية للنازحين وتحقيق الاستقرار.
وفيما يتعلق بمحور كركوك وديالى، أوضح السامرائي أن الانقسامات السياسية التي تعصف بمجالس المحافظات ناتجة عن قانون الانتخابات الذي سمح بتعدد الكتل الصغيرة، ما أعاق التوافق بعد الانتخابات. وانتقد عتبة القاسم الانتخابي (1.7)، معتبرًا أن رفعها إلى (1.9) كان سيؤدي إلى تشكيل كتل كبرى تسهّل التفاهمات. وأوضح أن تحالفه حرص على تضمين نص في القانون الانتخابي يضمن تمثيل كافة المكونات في الإدارة المحلية لمحافظة كركوك. لكنه أشار إلى أن بعض القوى العربية تصرفت بشكل انفرادي، مما أضعف وحدة الموقف وانعكس سلبًا على جمهورهم. أما في ديالى، فقد وصف الوضع بأنه أكثر تعقيدًا، حيث تأخرت الحكومة المحلية لأكثر من ثمانية أشهر في التشكيل، وانتهى الأمر بإقالة رئيس مجلس المحافظة.
وعند سؤاله عن المطالبات المتصاعدة بالفيدرالية في الأنبار وبعض المناطق السنية، قال السامرائي إن الفيدرالية حق دستوري مكفول، لكنه عبّر عن موقفه الشخصي الرافض لهذا الامر. وأوضح أن المطالبات بالفيدرالية تنبع من شعور المواطنين بانعدام العدالة والتمييز، مؤكدًا أن تعزيز مبدأ المواطنة والعدالة بين أبناء المحافظات كافة هو الكفيل بإنهاء هذه الدعوات. “حين يشعر المواطن من الأنبار بأنه يُعامل كأخيه من البصرة أو أربيل أو ذي قار، لن تكون هناك مطالبات بالفيدرالية”، قال السامرائي.