“نحن نحرز تقدما جيدا في بناء قنصلية عامة دائمة في أربيل، وهي أكبر منشأة للقنصلية الأمريكية في أي مكان في العالم. وأرى أن ذلك هو طبيعة الالتزام الاستراتيجي طويل الأجل الذي تملكه الولايات المتحدة تجاه العراق وإقليم كوردستان”، كما قال ماثيو تویلر، سفير الولايات المتحدة لدى العراق خلال الحوار السياساتی الذي أجري في مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (میري) في 15 مايو 2022.
وفي هذه المائدة المستديرة الخاصة، أوجز السفير تویلر سياسات الولايات المتحدة في العراق وشدد على أن الشراكة الاستراتيجية القوية والطويلة الأجل بين البلدين تتخطی الجانب العسكري البحت بكثير. ويهدف إلى التوجە نحو “هدف مشترك للعراق للنهوض بە كدولة ناشئة قوية ومستقرة وذات سيادة”، يمكنها حماية حدودها وضمان عدم تمكن أي قوة مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة من التأثير في الداخل. هذه “تحديات مستمرة” تواجهها العراق وتحاول الولايات المتحدة تقدیم المساعدة في التغلب عليها.
الديمقراطية في الشرق الأوسط
شدد تویلر على أن الولايات المتحدة ترفض المفهوم الخاطئ الذي يعتقد أن الديمقراطية لا يمكن أن تنمو في بعض المناطق أو البلدان. يطمح الناس في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، إلى وجود حكومة شرعية وسريعة الاستجابة يمكنها تلبية الاحتياجات الأساسية وحماية مواطنيها. وأضاف أنه ليس فقط من مصلحة شعوب الشرق الأوسط بناء دول مستقرة وديمقراطية بل وتصب في مصلحة الولايات المتحدة أيضا. ولتحقيق حكومة شرعية ومستجيبة، يجب أن يكون هناك نظام سياسي يسمح بإجراء انتخابات نزيهة وحرة حيث يمكن انتخاب الأحزاب السياسية بناء على برامجها السياسية لخدمة الشعب.
العراق نموذجا
على الرغم من التحديات الرئيسية التي يواجهها العراق، ظل السفير تویلر “متفائلا جدا بمستقبل العراق” واعتقد أنه يمكن أن يكون نموذجا تحویلیا للشرق الأوسط بأكمله. ووفقا للسفير، تعتقد الولايات المتحدة أن العراق يسير على طريق الديمقراطية، لكنه يحتاج إلى أجهزة أمنية أقوى يمكنها توفير الأمن للمدنيين وأراضيه، ويحتاج إلى حكومة لا تخترقها الميليشيات والجماعات المسلحة غير الحكومية والجماعات الإجرامية التي تضعف مؤسسات الدولة. هناك تقدم إيجابي فیما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة جديدة في العراق. فكانت الانتخابات العامة الأخيرة هي الانتخابات الأكثر انفتاحا وشفافية في عراق ما بعد عام 2003. ومع ذلك، هناك بعض الحالات التي حدثت بعد الانتخابات حيث هاجمت بعض الميليشيات القنصلية الأمريكية العامة في أربيل ومناطق أخرى في إقليم كوردستان العراق. وشدد السفير تویلر على ضرورة رفض هذه المحاولات والهجمات وإدانتها.
وبالنظر إلى تجربته التي استمرت ثلاث سنوات في العراق، اعتبر السفير تویلر الاحتجاجات الجماهيرية التي قام بها الشباب العراقي في تشرين الأول/أكتوبر 2019 أهم حدث. كان “مفاجئا” عندما احتج الشباب العراقيون ضد الحكومة العراقية وطالبوا بضرورة سماع أصواتهم. رفض المتظاهرون الأحزاب السياسية والحكومة في ذلك الوقت لأنهم اعتقدوا أنهم لا يخدمون الشعب العراقي ويمثلون مصالح الدول الأخرى بدلا من العراقيين. وأسفرت هذه الاحتجاجات عن استقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
الولايات المتحدة باقیة هنا
وفيما يتعلق بمستقبل العلاقات الأمريكية العراقية على المدى الطويل، أكد السفير تویلر أن الولايات المتحدة لديها مصلحة استراتيجية طويلة ودائمة مع العراق و”ستبقى في العراق وستشارك مع العراقيين الذين يرغبون في إقامة عراق ديمقراطي مستقر وقوي”. وأشار إلى الحوار الاستراتيجي بين البلدين في يوليو 2021 والذي ينظر إليه على أنه آلية لإعادة تنظیم علاقاتهما.
وقال “إننا نعتبر العراق ركيزة أساسية للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”. سيصبح العراق شريكا استراتيجيا أكبر في السنوات القادمة مع ظهور آثار وعواقب تغير المناخ في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. بالنسبة للولايات المتحدة، سيكون من الأسهل والأكثر استراتيجية العمل مع عراق مستقر وقوي لمكافحة أسباب تغير المناخ في المنطقة.
العلاقات بين أربیل وبغداد
ورأى السفير تویلر أن هناك عددا من أوجه الغموض بين أربيل وبغداد تسببت في التصعيد وإحداث صراعات. هناك حسن نية بين الجانبين وهناك أحزاب سياسية بين الأكراد والشيعة والسنة الذين يسعون إلى إيجاد حلول دائمة للصراعات المستمرة في العراق. ومع ذلك، ركز الجانبان بشكل أساسي حتى الآن على أهدافهما ومصالحهما القصيرة الأجل بدلا من الحلول طويلة الأجل.
يمكن حماية كوردستان قوية بشكل أفضل عندما يكون هناك عراق مستقر وذو سيادة، وفقا للسفیر تویلر. ثلاثون عاما من الحكم الذاتي المتقدم أعطت إقليم كوردستان العراق الفرصة للازدهار والتطور في العديد من القطاعات. وبمقارنته بأجزاء أخرى من العراق، فإن إقليم كوردستان العراق هو مكان أفضل للاستثمار والسياحة، حسب قول السفير. كما أقر بأن الولايات المتحدة تحيي مستوى الدعم والأمن الذي قدمته حكومة إقليم كوردستان للعراقيين الآخرين الذين فروا إلى الإقليم، بما في ذلك الأقليات الدينية والعرقية من أجزاء أخرى من العراق. وأعرب عن تقديره للثقافة السياسية وتقاليد التسامح التي يتبعها إقليم كوردستان العراق في الترحيب بالمشردين داخليا وتوفير المأوى لهم.
وفيما يتعلق بإصلاح قوی البيشمركة، ذكر السفير تویلر أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد داعش يساعدان قوات الأمن العراقية والبيشمركة في بناء خلايا تنسيق مشتركة في المناطق التي توجد فيها فجوات أمنية بين القوتين. وهم يدعمون إصلاحات في قوی البشمركة داخل وزارة البشمركة لإنشاء قوة حديثة وموحدة ومنضبطة.
شمال شرق سوريا (روژآفا)
صرح السفير تویلر بأن قوات سوريا الديمقراطية كانت شريكا قويا وفعالا للغاية للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش في سوريا. وأضاف أن “هذه الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية كانت ضرورية”، لكن “هذا لا يعني أننا نحاول إنشاء منطقة حكم ذاتي في شمال شرق سوريا”. وشدد على أن قوات سوريا الديمقراطية تتفهم هذه الحقيقة تماما. وفقا للسياسة الأمريكية في سوريا، يجب أن يكون الأكراد السوريون جزءا من سوريا الجديدة وأن يتم مشاركتهم في المحادثات المستقبلية حول إعادة بناء البلاد. وفيما يتعلق بحزب العمال الكوردستاني، فإن الاصطفاف الوثيق بين وحدات حماية الشعب في سوريا وحزب العمال الكوردستاني يمثل إشكالية ويخلق حيرة للولايات المتحدة في المنطقة. وذكر السفير تویلر أن اصطفاف حزب العمال الكوردستاني مع الجماعات الشيعية في سنجار يمثل تحديا آخر للعراق وإقليم كوردستان العراق.
تأملات شخصية
وعندما سئل عن أفضل لحظاته في تجربته التي استمرت ثلاث سنوات في العراق، أشار السفير تویلر إلى حدثين محددين. أحدها كان المؤتمر الذي نظمه رئيس الوزراء الكاظمي في آب/أغسطس 2021. ودعيت مجموعة من القادة السياسيين العرب والمجاورين للحضور إلى بغداد ومناقشة القضايا الجارية في المنطقة. وشدد على أن الولايات المتحدة تشجع العراق على إقامة علاقة طبيعية مع إيران، لكن يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة. كما تعترف الولايات المتحدة بحقيقة أن كلا من العراق وإيران لديهما تقاربات ثقافية وتاريخية عميقة ومصالح مشتركة.
ذاكرة جيدة أخرى كانت خلال حدث نظمته السفارة الأمريكية في بغداد للفتيان والفتيات العراقيين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 11 عاما ، قادمين من المخيمات. تمت دعوتهم للحضور إلى السفارة وقضاء يوم كامل هناك مما يسمح لهم باستخدام المرافق والتفاعل مع الموظفين. كانت هناك فتاة غنت أغنية للتعبير عن امتنانها للسفارة وفتحت الباب أمام جميع المشاركين الشباب الآخرين لغناء أغانيهم المفضلة ومشاركة مشاعرهم مع السفارة.
بموجب قواعد تشاتام هاوس
حضر هذه المائدة المستديرة عدد من صانعي السياسات والسياسيين والإعلاميين والخبراء الأكاديميين بالإضافة إلى الدبلوماسيين الأمريكيين، بمن فيهم القنصل العام الأمريكي في أربيل وطاقمه (المدرجة أدناه). وأعقب العرض الذي قدمه السفير مناقشة جذابة للغاية أجريت بموجب قواعد تشاتام هاوس. وخلال هذا الجزء، سلط مختلف المشاركين الضوء على عدد من القضايا وناقشوها، وهي مسائل تم تلخيصها هنا دون إسناد أو انتماء.
- أشار بعض المشاركين إلى أن هناك مستوى عاليا من اليأس والإحباط من قبل العراقيين بشأن الدولة العراقية. هناك فرصة ضئيلة للحكومة العراقية للتغلب على تحدياتها ومشاكلها المستمرة. كان انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية الأخيرة وخاصة من قبل جيل الشباب مؤشرا على أن مؤسسات الدولة الحالية والأحزاب السياسية لم تعد موثوق بها.
- قيل إن لا يمكن مقارنه العراق بأفغانستان عندما يتعلق الأمر بفشل الدولة واتخاذ مسار مماثل لأن المؤسسات في العراق أقوى والعراق لديه تاريخ من الدولة المركزية. ستؤثر التغيرات في الديناميكيات الإقليمية على مستقبل العراق لأنه محاط بقوى إقليمية قوية.
- إن نزاعات النفط والغاز بين أربيل وبغداد مسيسة إلى حد كبير. هناك غموض في قانون النفط والغاز في العراق. ومع ذلك، هناك حسن نية لحل هذه المسائل. لكن على الحكومة العراقية أن تمرر قانونا لهذا الغرض، وهذا ممكن فقط بعد تشكيل حكومة جديدة في بغداد. هناك أوضاع مربحة لكل من بغداد وأربيل حول كيفية إدارة قطاع النفط والغاز، لكنها تتطلب قيادة سياسية قوية وحوكمة رشيدة في بغداد.
- يحتاج العراق إلى نظام سياسي يمكن أن يشمل جميع الأعراق المختلفة ومجتمعاتها المتنوعة معا.
- يواجه العراق أزمة بيئية ستزداد سوءا في السنوات المقبلة بسبب آثار تغير المناخ. ستكون هناك آثار سلبية شديدة للاحتباس الحراري إذا لم تتخذ الحكومة العراقية إجراءات للحد منها. تساعد الولايات المتحدة من خلال صناديق التنمية مساعدة العراق والدول المجاورة له على حل مشكلة إدارة الموارد المائية. يتعين على تركيا وإيران وسوريا والعراق الجلوس ومناقشة نقص الموارد المائية وإيجاد حلول وإجراءات تعاونية لمواجهة نقص المياە.
- لكي يتمكن العراق من الإستمرار، فإنه يحتاج إلى مكافحة الفساد وبناء مؤسسات دولة قوية ومستجيبة. وهذا يتطلب قيادة سياسية جيدة وتعاونا جيدا بين العراقيين. يجب فصل الجماعات المسلحة من غير الدول عن قوات الأمن العراقية ومؤسسات الدولة. يجب تفكيكها حتى تعمل الدولة.
- هناك إمكانيات عالية للمستثمرين الأمريكيين للاستثمار في العراق في قطاعات مختلفة مثل الزراعة ونظام الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والبنوك والتمويل الإلكتروني. لذلك، يمكن للعراق اغتنام هذه الفرص وتشجيع المستثمرين الأجانب على القدوم إلى العراق. وهذا أمر أساسي لكي يزدهر العراق اقتصاديا ويخلق الآلاف من فرص العمل في القطاع الخاص. ومع ذلك، اعتبر الفساد وانعدام الأمن والإجراءات البيروقراطية الطويلة في العراق عقبات رئيسية أمام المستثمرين الأجانب.
المشاركون في هذە الجلسة الحواریة:
- بهار علي، حقوق المرأة
- دارا خيلاني، مستشار نائب رئيس الوزراء
- دلاور علاء الدين، رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث
- هیمن لاهوني، شبكة روداو الإعلامیة
- هوشیار سیویلي، الحزب الدیمقراطي الكوردستاني
- كامران بالاني، زميل باحث، في مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث
- ماثیو تویلر، السفیر الأمریكي في العراق
- محمود نشآت، مستشار البرلمان کوردستان
- نهرو زاغروس، باحث أكادیمي
- نوزاد هادي، مستشار رئیس إقلیم كوردستان
- سروش خوشناو، باحث أكادیمي
- ستام كامل، حركة التغییر
- سیث باج، القنصلیة الأمریكیة
- سبنسر فیلدز، القنصلیة الأمریكیة
- سرباز حمەخان، القنصلیة الأمریكیة
- عبدالستار مجید، جماعة العدالة في كوردستان
- عثمان ليلاني، أكاديمي، جامعة صلاح الدین
- فؤاد سمایل، مدير الموارد البشرية في میري
- روبرت بلادینو، القنصل الأمریكي في أربیل
- تانیا گلي خیلاني، عضو سابق في مجلس النواب العراقي
- خانزاد احمد، المجلس الأعلی للمرأة والتنمیة