توصلت ايران والدول الست العالمية الى إتفاق تاريخي في ١٤،حزيران في العاصمة النمساوية فيينا. لا ريب أن هذه الإتفاقية قد تکون لها آثارها علی المدی البعيد ومن شأنها أيضا أن تغير إلی حد بعيد جيوسياسية الشرق الأوسط. والأسئلة التي تطرح نفسها هي مالذي جعل الإتفاق ممكنا ومالذي يمکن أن يتعلمه الكورد منها؟
لفهم الإتفاق النووي الذي وقع بين إيران ومجموعة “٥+١”، علينا أن نفهم التغيرات التي حصلت في الديناميات السياسية جنبا إلی جنب مع إدراك دوافع التغيير الناشئة، وعلی وجه التحديد إنتاج النفط الصخري وحصول تغيرات في موازين القوة.
إن هذه الإتفاقية يمکن النظر إليها کإتفاقية أمريكية إيرانية لإن الولايات المتحدة کانت في مقدمة المفاوضات بين الجانبان، وهذا بدوره يعتبر نقلة نوعية في سياسة أمريکا تجاه الشرق الأوسط. أما من الجانب الآخر، فکانت هناك إتجاه فکري إيراني يدعم التوصل إلی إتفاق ناجح. فحسب سيد موسافيان ( عالم إيراني ومٶلف “إيران والولایات المتحدة: وجهة نظر مطلع من الداخل حول الماضي الفاشل والطريق نحو السلام”) هناك إتجاهات فکرية رئيسية بين النخبة الحاكمة في إيران: إتجاه يأخد الهيمنة بنظر الإعتبار، وإتجاه ينظر بنظرة عدائية، وإتجاه متفائل.
فالإتجاه الأول والذي يمثله المرشد الأعلی للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، يعتبر أمريکا کقوة “مدمنة علی إمتلاك الهيمنة”، ويعتقد بإستحالة حصول إيران علی مکانة مساوية لمکانة أمريکا. ولكن وبالرغم من ذلك فإن هذه الإتجاه لا يرفض إجراء التفاوضات. أما الإتجاه الثاني الذي يدعمه اليمينيون وطبقة من اليساريين يری بأن ” المصالحة مع إمريکا ليست مستحيلة فحسب، بل إنها إيضا تتعارض مع القيم الإسلامية.” يذکر أن المتشددين والمتعصبين ضمن هذه المجموعة کانوا يسيطرون علی زمام القيادة في عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاة. و التيار الثالث الذي يقوده رفسنجاني والرئيس الحالي، يٶمن بإحتمالية تغيير المنظور الأمريكي وبتطبيع العلاقات بين الطرفين.
إن التجربة الإيرانية مع المتشددين الذين إتخذوا مواقف أكثر صرامة ضد الولایات المتحدة، هيأت الأرضية للتيار المتفائل بإحراز التقدم لا سيما أن هذه الحالة تزامنت مع تغيير الإدارة الأمريکية المحافظة مع إدارة أوباما المعتدلة. حيث أن الأخيرة إعتمدت منظورا مختلفا حول منطقة الشرق الأوسط.
لا شك أن ظهور النفط الصخري لعب دورا رئيسيا في تغيير طبيعة العلاقة بين أمريکا ودول الخليج، فهذه العلاقة لم تعد مبنية علی معادلة ” الطاقة مقابل الأمن”. فالنفط في عهد النفط الصخري تدهورت قيمته الجيوسياسية. وکان لهذا دور کبير ليس فقط في تغيير موقف أمريكا أزاء منطقة الشرق الأوسط، بل أثر أيضا علی رٶی النخبة الإيرانية الحاکمة الذي بدأت تدرك أن توفر النفط الصخري بكثرة، کان من شأنها أن تمکن الولایات المتحدة بفرض حصار قاس علی إيران بشکل لانهائي دون التأثير إمدادات النفط الدولية. علاوة علی ذلك، بدأت أمريکا بالضغط علی دول الشرق الأوسط بإجراء إصلاحات داخلية وتطوير مقدوراتها للإعتماد علی نفسها والوصول إلی الإکتفاء الذاتي فضلا عن رفع إمکاناتهم للدفاع أنفسهم. وهذا ينبع من فکرة أن الإستقرار في تلك المنطقة يتطلب تأسيس قوی إقليمية تحافظ علی التوازن، بالإظافة إلی خلق حرب إقليمية باردة.
أما بالنسبة لتغيير ‘موازين القوة’، فإن هذا العامل أصبح بحد ذاته دافعا آخر لإحداث التغيير خاصة عقب فشل الولایات المتحدة في الشرق الأوسط وإنتهاء الهيمنة الأمريکية العالمية المثيرة للجدل. هذه النقاط بدورها تعتبر بمثابة نقاط محددة أدت إلی ظهور عصر جديد من “الإقليمية ونضاما عالميا متعدد الأقطاب.” فظهور الدول کالبرازيل و روسيا و الصين و الهند و إفريقيا الجنوبية وترکيا وکذلك أندنوسيا إن دل علی شيء إنما يدل علی هذا التغيير الذي أثر علی إيران أکثر من أي دولة أخری.
دأبت إيران بعرض قدراتها بغية التأثير علی الواقع الجديد في الشرق الأوسط وتغييره. فمقدورات إيران لم تفلح في إجراء ذلك التغيير فحسب، بل نجحت أيضا في تحويل موقف الولایات المتحدة والقوی الدولية نحوها. فإدارة الرئيس أوباما غيرت إستراتجيتها من ” إجراء التغيير علی إيران” إلی تغيير الشرق الأوسط بمساعدة إيران، وهذا واضح في العراق وخاصة في النزاع الذي يدور فيه مع مايسمی بالدولة الإسلامية الذي هيأ الأرضية لتقارب الجانبين.
والسٶال الذي يطفو علی السطح الآن هو ماهي الدروس الذي يمکن إستخلاصها من هذه المسائل؟ إذا کانت إيران الجهة المستفيدة من إنهيار الدول الواهنة التي أسست بعد الإستعمار في الشرق الأوسط، فيمکننا القول بأن الكورد إستفادوا منها بالمثل بالرغم من أن النظام الإقليمي السابق لم يکن في مصلحتهم حينها. ومع ذلك، ففي الوقت الذي يتيح النظام الجديد في الشرق الأوسط فرص للكورد، إلا إنه محفوف بالتحديات إيضا. علی الكورد أن يدركوا بأن النفط لم يعد يعتبرکسلعة جيوسياسية من شأنها أن تسهم في تحقيق هدفهم في الإستقلال، وأنه يجب عليهم إعتماد عوامل أخری لتحقيق ذلك الهدف. بالإضافة إلی ذلك، عليهم أن يدركوا أيضا لکي يکون أي طرف لاعبا أساسيا في المنطقة ،فإن إمتلاك القوة اللازمة لإحداث التغييرات والتأثير علی السياسات، هو الکفيل بذلك.
من هذا المنطلق، علی أقليم كوردستان أن يتعلم کيفية إستنباط القوة والنفوذ من مکامن مختلفة وبصورة رئيسية من الجانب الداخلي، جنبا إلی جنب مع العمل مع القوی الإقليمية والدولية لتحقيق رٶية وطنية، کما فعلت إيران. علاوة علی ذلك، ينبغي عی أقليم كوردستان أن يفهم بأنه بالرغم من تواجد مخاطر خارجية علیه کتنظيم الدولة الإسلامية، يتوجب عليه تهدئة النزاعات الداخلية وبذل الجهد التام لبناء مٶسسات الدولة.
وبالمثل، علی إيران أن تتعلم من تجربتها السابقة، حيث أن عودة إيران إلی الساحة الدولية من شأنها أن تغيرها إلی دولة تجارية كتركيا. أن هکذا تغيير، کالذي قامت به ترکيا منذ عقد مضی، يمکن أن تفيد المنطقة برمتها. بإمکان إيران الإستفادة من تجارب ترکيا، الناجحة والفاشلة، خاصة وأن ترکيا باتت تخسر نفوذها في المنطقة.