أصدرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية قرارا في 15 فبراير/شباط 2022 يقضي بعدم دستورية تصدير حكومة إقليم كوردستان للنفط وعدم قانونية عقودها مع الشركات الدولية. وبالتالي تمكن هذا القرار بغداد من تقويض الاستقلال المالي لحكومة إقليم كردستان. وقد اعتبر الإقلیم هذا الإجراء القضائي قرارا ذا دوافع سياسية، ونتيجة للصراعات السياسية التي رافقت عملية التفاوض لتشكيل حكومة جديدة في بغداد.
لمناقشة تأثير قرار المحكمة الاتحادية العليا وسبل المضي قدما في إقليم كوردستان العراق، نظمت مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (MERI) حوار مائدة مستديرة بموجب قواعد تشاتام هاوس في 21 شباط/فبرایر 2021. وحضر هذا الاجتماع مجموعة مختارة من القادة السياسيين، وصانعي السياسات، والخبراء الأكاديميين، وقادة المجتمع المدني (المدرجة أدناه). وفي هذا التقرير، يقدم موجز للمناقشات والتوصيات.
تأطير النقاش
ركز الحوار السیاساتي حول قضيتين أساسيتين:
أولا: إن الاستقلال المالي والاقتصادي هو أحد الركائز الأساسية للحفاظ على إقليم كوردستان العراق ككيان مزدهر. ومع ذلك، فإن إقليم كوردستان، باعتباره إقلیم ریعي، يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط والغاز. ولذلك، فإن قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية، الذي وصف إدارة النفط والغاز في الإقلیم بأنها غير قانونية وغير دستورية، كان ضربة لإقليم كوردستان العراق ككيان ونظام الحكم على حد سواء. وهذا القرار ملزم ولا يخضع للاستئناف، ولذلك، يجب على إقليم كوردستان أن يتعامل معه بعناية فائقة. والأسئلة المهمة المطروحة على الأحزاب السياسية في حكومة إقليم كوردستان هي: ما هو الحل؟ ما الذي يمكن عمله لتقليل الضرر سياسيا وقانونيا، في داخل الإقليم، في بغداد وعلى الصعيد الدولي؟
ثانيا: خلال الانتخابات العامة التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بدا المكون الشيعي والعرب السنة والكورد مجزأين إلى حد ما. وبعد الانتخابات، سرعان ما وحد السنة قواهم المتباينة في ظل تحالف واسع وحققوا فوزهم الأول، وفازوا بمنصب رئيس مجلس النواب. وهذا ما یؤهلهم لتحقيق المزيد من المكاسب في المستقبل القريب. ولا تزال القوی الشيعية في نفس الموقف الذي كانوا عليه من قبل، ویتفاوضون بشكل مكثف للتوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل الحكومة. في حین خرجت الأحزاب الكردية أسوأ مما بدأته. في البداية، بدوا متواضعين ومتفائلين، مؤكدين على وحدة الصف في بغداد في مواجهة التحديات المشتركة. وتركزت مناقشاتهم على تأمين حقوق إقليم كوردستان من الميزانية، وتجريد المناطق المتنازع عليها من السلاح، وحل المادة 140، وغيرها من القضايا المعلقة. لكن ذلك لم يدم طويلا، وشاركت الأحزاب الكردية الرئيسية في مفاوضات منفصلة لتشكيل الحكومة في بغداد. ومع تطور هذه العملية، عمقت الأحزاب الكوردیة انقساماتها وتجزئتها. ونتيجة لذلك، ظهر الكورد في وضع أسوأ بكثير مقارنة بالمكونات العراقية الأخرى. وقد تدهورت العلاقات بشكل واضح، لا سيما بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني. واتهم بعضهم من قبل القوی الشیعية بالعمل علی تقسيم المكون الشيعي وتعميق صراعاتهم الداخلية. وقد أضعفت هذه الانقسامات الأحزاب الكردية ومهدت الطريق أمام المحكمة الاتحادية العليا لتمریر قرارها، كفرصة ووسيلة لمعاقبة إقليم كوردستان وأحزابه الحاكمة.
ولحسن الحظ، لم يفت الأوان بعد لمعالجة هذه القضايا المعقدة وإعادة المیاە الی مجاریها. والأسئلة الرئيسية هي: ماذا يمكن للأحزاب الكوردية أن تفعل لاستعادة الوضع السابق في العراق ودرجة الوحدة في الداخل؟ كيف يمكن النظر إليهم كشركاء في بغداد ومنع المزيد من تصعيد التوترات أو زيادة إضعاف إقليم كوردستان؟
القضايا المتداخلة
عند البحث عن إجابات واضحة وتوصيات سیاساتیة، أثير عدد من المسائل ذات الصلة في الحوار وأبلغ عنها هنا (دون انتماء) من أجل المنفعة العامة. ولا ينبغي افتراض أن جميع المشاركين قد وافقوا على كل بيان:
1)) إن كیان إقليم كوردستان معرض لخطر التقويض الشديد من قبل السلطة الاتحادية، مما يجعل الإقلیم عاجزا. وسيؤثر ذلك على كل فرد في الإقليم، لذلك ينبغي أن يشعر الجميع بالقلق. وينبغي إيجاد حل سريع لهذه المشكلة. الوقت ليس بالمناسب للمد بأصابع الاتهام إلى بعضهم البعض أو إلقاء اللوم على الآخرين، بما في ذلك منافسي أو أعداء إقليم كوردستان. وبدلا من ذلك، فقد حان الوقت لتقوم الأحزاب الكوردیة بنقد الذات، مع اتباع طرق عملية للمضي قدما.
2)) كان قرار المحكمة الاتحادية العليا یبدوا وكأنە مدفوع بدوافع سياسية واضحة ضد إقليم كوردستان العراق، وتبدوا معظم الأحزاب العراقية السنية والشيعية راضية عن هذا القرار. وحتى لو لم ينفذ قرار المحكمة هذا في أي وقت قريب، فإن خطر تطبيقه من قبل الحكومات المقبلة قائم في المستقبل المتوسط والبعید.
(3) يلاحظ أن توقيت وطبيعة قرار المحكمة الاتحادية العليا يكشفان عن سمات التأثيرات الإقليمية (الخارجية)، ولا سيما من إيران. وكانت السلطات الإيرانية قد حذرت في وقت سابق الأحزاب السياسية في إقليم كوردستان العراق، ولا سيما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، من أن تشكيل تحالف قوي مع حزب شيعي معين لن يكون مقبولا. وتعتبر ايران تشكيل حكومة اغلبية، بالطريقة التي يروج لها التیار الصدري، قضية خطيرة جدا وتهديدا لامنهم القومي. وقد حذر الإيرانيون الأحزاب العراقية والكردية من أنهم سيفعلون كل ما في وسعهم لهزيمة مثل هذا المشروع. ويجب النظر بعناية في هذه التصورات من جانب القوى المجاورة وأخذها على محمل الجد.
(4) يعتقد أن تشكيل ائتلاف ثلاثي الأطراف (التیار الصدري، والقوی السنية، والحزب الديمقراطي الكوردستاني) قد تم الإسراع به، ووصفه البعض بأنه جاء نتیجة سوء تقدير، لا سيما عندما أصبح معروفا أن الإيرانيين وكذلك بقية الأحزاب الشيعية سيعارضون ذلك بشدة. ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة لأن التیار الصدري معروف بمواقفه السياسية المتغيرة، وقابلیتە لعكس سياساته بشكل مفاجئ دون استشارة حلفائه. والأهم من ذلك، أن الاتفاق بين هؤلاء الشركاء لم ينشر رسميا، وما تسرب يشير إلى أن وثيقة الاتفاق لا تتناول الحقوق الأساسية لإقليم كوردستان العراق أو كيفية تنفيذ الاتفاق.
(5) الوضع السياسي للكورد أضعف حاليا من الوضع السياسي للسنة والشيعة، في بغداد وخارجها. ولا يبدو أن الأحزاب الكوردية قد تنبأت أو كانت على علم بنوايا المحكمة الاتحادية العليا في إصدار القرار الأخير. هذه ليست المرة الأولى التي تقصر فيها حسابات القوی الكوردیة، ونتيجة لذلك يتم مباغتتهم على حين غرة. ولا ينبغي التقلیل من إهمیة هيمنة القوى الإقليمية حیث تقع مصير كوردستان والقرارات الوطنية للعراق دائما تحت التهديد المستمر والتأثير السلبي لهذه القوى الإقليمية. وإذا كان الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني يحاولان الهیمنة على بعضهما البعض، فإن بغداد تحاول أيضا الهيمنة على كليهما. وإذا ما مضىوا كما كانوا من قبل، فينبغي أن نتوقع صدور قرارات أسوأ من ذلك من جانب المحكمة الاتحادية العليا.
(6) اختارت الأحزاب السياسية الأخرى في إقليم كوردستان العراق أن تبقى محايدة في بغداد، لا سيما في النزاعات حول عملية الترشيح للرئاسة الجمهوریة. وفي المقابل، لم تتم دعوتهم لتقديم المشورة أو الانضمام إلى وفود إقليم كوردستان إلى بغداد.
(7) إن تدهور مؤسسات إقليم كوردستان، ولا سيما البرلمان، هو قضية رئيسية. ويبدو أن شعب إقليم كوردستان العراق قد أضعف ثقته في الأحزاب السياسية، وهو ما انعكس في انخفاض نسبة إقبال الناخبين في الانتخابات الأخيرة. كما أن سوء الظروف المعيشية للسكان والافتقار إلى الرواتب والخدمات الجيدة، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط، دفعا أيضا شعب إقليم كوردستان العراق إلى عدم الإعراب عن قلقه إزاء قرارات المحكمة الاتحادية العليا.
(8) هناك عدد من القضايا العالقة الأخرى في إقليم كوردستان والتي تحتاج إلى معالجة، بما في ذلك الطريقة التي ستجرى بها الانتخابات العامة في الإقلیم، وإعادة إنشاء المفوضية العليا للانتخابات وصياغة دستور إقليم كوردستان العراق. وإذا لم يتم حل هذه القضايا داخليا ووديا، سيكون هناك المزيد من التشرذم في إقليم كوردستان.
(9) لا يزال التمثيل الكوردي في بغداد وكذلك الأصوات الكوردية داخل وسائل الإعلام العربية ضعيفا. وتعاون ممثلو إقليم كوردستان العراق في مجلس النواب تعاني من الضعف في كثير من الأحيان، وحضورهم في بغداد ضعيف جدا. ولا يسافر معظم النواب الكورد إلى العاصمة إلا خلال أيام العمل، ويعودون إلى إقليم كوردستان في نهاية الأسبوع. ومن ثم، فإن شبكات الاتصال الخاصة بهم، فضلا عن تأثيرها على الرأي العام والقرارات السياسية لا تزال محدودة.
(10) اعتقد المشاركون في هذا النقاش أن عملية تشكيل حكومة في بغداد سوف تطول ولن تكتمل في أي وقت قريب. وسوف تتأخر عملية انتخاب رئيس العراق حتى یتفق الشيعة داخليا ويرشحون رئيسا للوزراء.
توصيات السياسة العامة
أ) الوحدة في الداخل مطلوبة بشدة ويمكن تحقيقها من خلال مبادرات من رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني أو رئيس إقليم كوردستان العراق. ويمكنهم زيارة الأحزاب السياسية الرئيسية والاجتماع بها. إن توحيد قوات البشمركة وغيرها من مؤسسات حكومة إقليم كوردستان مهم جدا.
ب) يجب على السلطة في إقلیم كوردستان مصالحة مواطني الإقلیم من خلال إعادة بناء جسور الثقة بين الحكومة والأحزاب السياسية، من خلال المساواة الاجتماعية، والتخلي عن الاحتكار، وتوفير الرواتب وتحسين الخدمات العامة.
ج) ينبغي إعادة النظر في التحالف الثلاثي مع التيار الصدري والجماعات السنية مع إعطاء الأولوية للمصالحة في الداخل، مع تجنب إضفاء الطابع الشخصي على القضايا. وينبغي أن يتعامل الاحزاب مع التحديات على أنها خطيرة وأن يعملوا معا كقوة واحدة في بغداد. وبما أن إيران تتمتع بنفوذ قوي على مختلف المؤسسات والمؤسسات في بغداد، فمن الأفضل التفاوض مباشرة مع طهران، وحثها على ممارسة نفوذها في بغداد بطريقة تؤدي إلى تحقيق نتائج مربحة لإقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في آن واحد.
د) إنشاء هيئة أو وكالة وطنية من الخبراء القانونيين والاقتصاديين والسياسيين لدراسة الآثار المترتبة على قرار المحكمة الأتحادیة العلیا والعمل على إيجاد أجوبة مناسبة. وينبغي للهیئة هذە ألا تضع خطة واحدة، بل عدة خطط يمكن أن تطرحها على لجان التفاوض في بغداد. وإذا لم يتم ذلك، ينبغي تنشيط دور برلمان إقليم كردستان، ويمكن معالجة العملية هناك.
ه) ينبغي تشكيل لجنة تفاوض تتألف من مختلف الخبراء وممثلي جميع الأطراف. ويتعين عليهم التواصل فى بغداد للتأكد من اصدار قانون النفط والغاز فى اقرب وقت ممكن. ويتعين على نفس اللجنة أن تمارس الضغط من أجل حل هذه القضايا من خلال التفاعل الدول المجاورة والولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها، وإشراكهم جميعا في العملية.
و) التفاوض على حل وسط بين الأحزاب السياسية في إقليم كوردستان بشأن عملية وآليات الانتخابات العامة لمناطق كوردستان، وتشكيل اللجنة الانتخابية، وصياغة دستور للإقلیم.
ز) ينبغي للأطراف التي لها ممثلون في مجلس النواب في بغداد أن تشجع نوابها على أن يكونوا موجودين في بغداد على أساس التفرغ وليس فقط خلال أيام العمل في الأسبوع. ويجب عليهم العمل بجد لتعزيز مكانة الإقلیم في بغداد، وتوسيع شبكة اتصالاتهم، والضغط من أجل الأولويات العليا لإقليم كوردستان العراق.
ح) ينبغي عدم إهمال أحزاب المعارضة وإشراكها في المفاوضات الاستراتيجية الرئيسية. ومن جانبها، ينبغي ألا تظل هذه الأطراف صامتة، بل ينبغي لها أن تؤدي دورا نشطا وأن تشارك مشاركة كاملة في العمليات الاستراتيجية.
ط) يمكن لتركيا أن تلعب دورا هاما في تصدير النفط والغاز، ويجب أن يكون هناك وضوح في العقود القائمة مع هذا البلد، حتى لا يتم استخدام قرار المحكمة الإتحادیة العلیا لتقويض إقليم كوردستان العراق أو عرقلة تصدير النفط في الإقليم في المستقبل.
المشاركون في الجلسة الحواریة:
- آكو محمد، شبكة روداو الإعلامیة
- آیدن معروف، وزیر، الجبهة التركمانیة
- بهار علي، حقوق المرأة
- جعفر إیمنكي، الحزب الدیمقراطی الكوردستاني
- دلاور علاء الدين، رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث
- هیوا عثمان، صحفي
- كامران بالاني، زميل باحث، في مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث
- كاردو عمر، حركة التغیر
- محمود نشآت، مستشار البرلمان کوردستان
- نهرو زاغروس، أكادیمي
- سوزان عارف، منظمة تمكین المرأة
- سعدي بيرة، الاتحاد الوطني الكردستاني
- عثمان ليلاني، أكاديمي
- عبدالستار مجید، جماعة العدالة في كوردستان
- فرهاد علاءالدین، المجلس الإستشاری العراقي
- فؤاد سمایل، مدير الموارد البشرية في میري
- نوزاد هادي مولود، مستشار رئیس الأقلیم
- تانیا گلي خیلاني، عضو سابق في مجلس النواب العراقي
- تلار نوري، ناشطة المجتمع المدني
- خلیل إبراهیم المزوري، الإتحاد الإسلامي الكوردستاني