“ما اعرفهُ، أن البُلدان حينما تواجه مشاكل مُستعصية، فأن على السياسيين أن يجتمعوا ويجدوا حلاً لهذه المشاكل، بطريقة تحفظ مصالح البِلاد”، هذا ما شدد عليه السفير البريطاني في العراق فرانك بيكر أثنا الورشة الحوارية التي عُقدت في مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث – ميري، بحضور نخبة من صناع السياسات و القرار في اقليم كوردستان وعدد من الشخصيات البرلمانية والدبلوماسية والسياسية والاكاديمية.
عرض السفير البريطاني رؤيته لما يجري في العراق راهناً، خصوصاً وأنه يملك خبرة تزيد عن عشرين عاماً من إنخراطه في الشؤون العراقية العامة، والكوردستانية خاصة. أشار إلى مُفترق الطرق الذي يعيشه العِراق راهناً، حيثُ التحديات السياسية والاقتصادية التي يمرُ بها العراق اسثتثنائية بكُل المعايير، والأشهر القليلة المُقبلة يجب أن تشهد تحولات نوعية تجاه إيجاد حلول مُباشرة لكُل ما يجري، ويجب أن لا تبقى المُعضلات العراقية “في الهواء” دون أية مرجعية وإرادة واضحة للحل، كما أشار السفير البريطاني.
فالعراق يشهد أنماطاً جديدة من التحالفات، يُمكن أن تكون بديلة عما تأسس مُنذ العام 2004 وحتى الراهن، ويمكن أن تكون بداية تغيير المشهد السياسي العراقي. لكن المُعضلة تكمن في سوء تواصل وتفاعل البرلمان بمُختلف تياراته مع الحكومة وباقي مؤسسات الدولة. فكُل المُناقشات فشلت في إعادة صياغة حكومة عراقية جديدة تتبنى الإصلاح. رُغماً أن جميع هذه التيارات السياسية تُصرح بأن لها نفس الهدف والمشروع السياسي، الإصلاحي.
كُل أعضاء المُجتمع الدولي يُدركون بالضبط ما هي مشاكل العراق، ويؤمنون بأن وقت النقاشات والتحليلات الطويلة قد مضى، وأن الحين هو فقط لأيجاد الحلول. فالمُشكلة الأهم والأخطر التي يواجهها العراق تتمثل بتنظيم داعش، حيث أدى العمل المُشترك إلى مواجهة هذا التنظيم والحد من تمدده والسعي التدريجي لإزالته، وهو ما يُشكل مفخرة للعراقيين جميعاً.
على النطاق الكُردي، أشار السفير البريطاني إلى تجربته التي تمتد مُنذ السنوات الأولى لإنتهاء حرب الخليج الثانية وتحرر كوردستان من سُلطة صدام حُسين. حيث شهدت السنوات الأولى 1991-1992 تعاوناً كُردياً مُشتركاً، وسارت الحياة العامة السياسية بشكلٍ سلس، تمخضت عنها العملية الإنتخابية الشهيرة عام 1992، حيث يجب أن تتحول تلك الجهود المُشتركة من العمل البناء إلى مثال لكوردستان وكُل العراق، فما أن توقف العمل المُشترك، حتى أنهار كُل شيء بدأ من العام 1994، وحدث تراجع في جميع المستويات.
ما يحدث الآن في العراق وهو “فرصة تاريخية” للأكراد العراقيين، فنحن نُشجعهم للعودة إلى بغداد والإنخراط الحيوي مُجدداً في كُل تفاصيل العملية السياسية هُناك، فالوزن الكُردي فاعل جداً في خلق توازنات وتحالفات سياسية جديدة. وهو مُناسبة مُهمة للحديث عن شراكة عراقية جديدة وطويلة الأمد. لكن الأمر الجوهري هُنا، هو حاجة مُختلف التيارات السياسية الكوردية إلى الاتفاق المُشترك حول الرؤية الكوردية لما يجب أن يحدث على المُستوى العراقي، حيث الخطوة الأخيرة المأمولة لتوحيد الرؤيتين السياسييتن للإتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير بالغة الأهمية في ذلك الإتجاه.
اقتصادياً فأن كوردستان تواجه نفس المُعضلة العراقية المركزية، حيث الأعتماد التام على الوردات النفطية أدى إلى شبه إنهيار في الحياة الاقتصادية حينما أنهارت أسعار النفط، وهو ما ضاعف من حجم المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل. طبعاً ما يزيد من المُشكلة الاقتصادية على الدوام هو ثقافة الفساد المُنشرة بكثافة في كافة مناح المؤسسات والحياة الاقتصادية في العراق وإقليم كوردستان. لك في نفس الوقت فأن ذلك قد يُشكل مدخلاً لتبني برنامج وخطة اصلاحية واضحة المعالم في كوردستان وعموم العراق.
دارت نقاشات بين الحاضرين والسفير البريطاني، تركزت على دور القوى الدولية وتأثيرها على المُجريات السياسية في العراق، وكذلك ما يُمكن أن تُساهم به ليتجاوز إقليم كوردستان مأزقه الاقتصادي وصعوبة علاقته مع بغداد.حيث أكد بعض الخبراء بأن ما يشهده العراق هو مشهد سياسي مُركب، أساسه انقسام البيت الشيعي العراقي، وأن هذا الانقسام يجب أن يكون دافعاً للكورد وباقي المكونات العراقية للمزيد من الانخراط، لتشكيل تحالفات سياسية جديدة، وإعادة صياغة التوجه الاصلاحي. لأنه حتى الآن مازال مُمكناً رأب الصدع وخلق توافق عراقي وطني، وإذا ما انهار هذا الشيء، فأنه سيكون من الصعب جداً إعادة الأمور إلى نِصابها. ودور الكورد وثقلهم السياسي بالغ الأهمية في هذا الإطار.