“من واجب الحکومة العراقية رعاية مواطنيها علی أساس مبادئ حقوق الأنسان. علی الحکومة المرکزية في بغداد وحکومة اقليم كوردستان أن تبديان الإلتزام في توفير المواطنين بالأمن والخدمات”، هذا ما أدلی به دبلوماسي أوروبي رفيع المستوی في أربيل خلال حلقة نقاشية نظمتها مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (MERI) في ١٨/ شباط/٢٠١٨.
وقد نظمت هذه الجلسة الحوارية في الأساس لمناقشة الاستنتاجات والتوصيات السياسية التي طرحتها الدراسة الأخيرة التي أجرتها مؤسسة ميري والمعنون “من النزوح إلی الهجرة: العوامل المؤثرة علی العملية”. وكان من بين المشاركين في الجلسة دبلوماسيون من البعثات الرسمية في إقليم كوردستان منها القنصليات الهولندية والبريطانية والفرنسية والكويتية؛ ومسؤولين من المنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ومركز تنسيق الأزمات المشترك ؛ وخبراء من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية وأكاديميين وباحثين من مؤسسة ميري وغيرها من المؤسسات البحثية في إقليم كوردستان العراق.
مخاوف من تنظيم الدولة الإسلامية والريبة تقودان قرار النازحين في الهجرة
بعد إحتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في يونيو/حزيران ٢٠١٤، إضطر أكثر من ثلاثة ملايين مواطن إلى النزوح من ديارهم بحثاً عن الأمن. ومن بين هولاء، وجدَ مايقارب ١.٣ مليون شخص ملاذاً آمناً في إقليم كوردستان العراق. وفي الوقت الذي كانت فيه موجات النزوح الداخلي تُمثل خياراً لدى البعض، مثَلت الهجرة الى دول الخارج خياراً آخر للعديد من العراقيين عن طريق البحر الأبيض المتوسط. إلا إنه منذ عام ٢٠١٧، أخذ العديد من النازحين في العودة إلى ديارهم.
بإستخدام التحليل النوعي والكمي ل٥٠٠ إستبيان و٣٠ مقابلة شبه منظمة مع النازحين، قامت هذه الدراسة بدراسة الدوافع الكامنة وراء قرارات النازحين في إما البقاء في إقليم كوردستان، الهجرة الی الخارج، أو العودة الی مناطقهم الأصلية.
تُشير بيانات الدراسة الى أنه على الرغم من أن أكثر من نصف العينة (٥٥٪) يرغبون/يخططون الى مغادرة العراق، إلی أن قلة منهم، ( ٢٣٪)، لديهم خطط فعلية للقيام بذلك. وتشير الدراسة آيضا إلی أن الهجرة تعد أكثر أنجذابا من بين الاشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين ٢٦-الى ٣٥ سنة وبين الذين لديهم مستويات منخفظة من التعليم. والجدير بالذکر، تجد الدراسة إلی أن الايزيديين والمسيحيين يمثلان نسب مرتفعة ضمن الذين يرغبون/يخططون الى مغادرة العراق. هذا وأن من بين أهم العوامل الدافعة الى هجرة الاشخاص هو تواجد أفراد من العائلة او الأقارب والأصدقاء في الخارج بالاضافة الى الثقة في الحصول على صفة اللاجئ عند الوصول.
في نهاية المطاف، يبدوا أن تصورات النازحين تجاه حالة إنعدام الأمن ونقص الفرص والاقتصادية في العراق هي من العوامل الأكثر تأثيراً في قرار الأشخاص للهجرة خارج البلاد. وفي إطار تقييمهم السلبي العام للأوضاع في العراق، كان النازحون الذي يرغبون في الهجرة أو يخططون لها أكثر تشاؤماً مقارنة بأولئك الذين كانت لديهم الرغبة في العودة إلى ديارهم أو البقاء كنازحين في إقليم كوردستان. وأشار أحد المشارکين إلی ان “الآباء يسافرون إلی أوروبا لأنهم يريدون مستقبلا افظل لإطفالهم”، وقال مشارك آخر ” إن الذي يقود الكثير من النازحين إلی الهجرة هو التصور المتمثل بأن اوروبا أفضل من العراق.”
من ناحية أخرى، تجد الدراسة أن العوامل الاجتماعية – السياسية ( أي العلاقات بيت النازحيين والمجتمعات المُضيفة) والاجتماعية- الاقتصادية (أي مستوى الدخل والوضع الوظيفي) أقل أهمية في تحديد رغبة/خطة النازحين في الداخل إلى مغادرة البلاد. ولکن من الضروري الإشارة إلا أنه حتى في الحالات التي لا تؤثر فيها هذه العوامل بصورة مباشرة على نوايا النازحين، الا انها تساهم في بروز حالة مريرة من الريبة التي باتت سائدة لديهم.
وبناء على ذلك، يجب أن تشمل الأولويات الحكومية ما يلي: توفير الدعم النفسي والاجتماعي، والقيام بالإستثمارات الاقتصادية، وتطبيق الحكم الرشيد، وتقوية مؤسسات الدولة، واتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة قضايا انعدام الأمن والفقر وعسكرة المجتمعات المحلية وتدني نوعية التعليم وخدمات الصحة العقلية وإنعدام الثقة تجاه الحكومة، وکذلك التغيرات الديموغرافية بدواعي المصالح السياسية.
تهيئة الظروف المناسبة للعودة المستدامة
وناقش المشاركون على الرغم من ان الظروف على أرض الواقع غير مواتية ، إلا أن بعض السياسات والممارسات القائمة تفرض عودة النازحين إلى أماكنهم الأصلية كشرط مسبق لتلقي رواتب الدولة. وهذا يجعل العودة غير طوعية، وبالتالي تکون العملية غير مستدامة ومخالفة لقواعد الأمم المتحدة المتمثلة بالمعايير والقوانين المرتبطة بعدم فرض العودة القسرية. وقال بعض المشاركين إن “الظروف ليست مهیئة للعودة المستدامة”، منوها في الوقت نفسه إلى أن العودة غير المستدامة تدفعها مجموعة معقدة من الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك نقص الخدمات وانعدام الأمن والبطالة في المناطق المحررة.
واليوم، وعلى الرغم من عودة قرابة ثلاثة ملايين نازح إلى ديارهم، لا يزال الكثيرون يشعرون بعدم الأمان في ظل الظروف القائمة، ولا سيما في مدينة الموصل. ونتيجة لذلك، فإن النزوح الثانوي آخذ في الارتفاع مع عودة العائدين (النازحين السابقين) من ديارهم للنزوح مرة أخری إلى مناطق النزوح السابقة. ووفقا لما ذكره أحد المشاركين من الخبراء، “وصل ١٧٢ شخصا من الموصل مؤخرا إلى مخيمات في إقليم كوردستان ، کان ٥٥ منهم نزعوا مرة ثانية إلی الإقليم متذرعين بالخوف من الجماعات المسلحة وانعدام الوظائف والخدمات كسبب لعودتهم”.
الاستنتاجات والمقترحات السياساتية
يری هذا البحث أنە ينبغي على السلطات الفيدرالية والإقليمية وکذلك المحلية في العراق أن تعمل على بناء دولة عادلة ومنصفة وبلد مزدهر وأن توفر الظروف اللازمة لعودة النازحين إلى أماكنهم الأصلية بشكل آمن وطوعي ومستدام. وهذا يتطلب وضع إطارًا وطنيًا لتقديم المساعدات النفسية والاجتماعية وتوفير البیئة المناسبة للاستثمار الاقتصادي والإصلاح السياسي ولمعالجة المظالم الاجتماعية وأسباب التطرف والعسكرة المجتمعية والطائفية والصراع.
وفي حال تطوير وتنفيذ هكذا أطار بنجاح ، فإن من شأنه منع ظهور أزمات ذات التكلفة العالية من جديد ، والتقليل من ظاهرة الریبة السائدة إلی حد بعيد إظافة إلی إضعاف التوجه المتمثل بالهجرة بين النازحين. وكما ذكر أحد المشاركين ، “ما يتعين على بغداد وأربيل القيام به هو تهيئة الظروف المناسبة التي تجعل المواطين يرغبون في البقاء في بلدهم”. كما أن مثل هذه الظروف ستحفز المغتربين العراقيين على العودة إلى العراق ، وهذا بدوره يعتبر من الأمور المهمة في تحقيق الاستقرار وفي مساعي إعادة الإعمار. لذلك ، “ينبغي على الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان النظر إلى جذب المغتربين كاستثمار لا يمكن الاستغناء عنه في مستقبل العراق” ، حسب ما أبدی به أحد المشاركين.
في النهاية ، في الوقت الذي أعرب فیه بعض المناقشين عن تشاؤمهم بشأن المبادرات المستقبلية لمعالجة قضايا انعدام الأمن والتهجير وعدم اليقين والهجرة ، ابدی آخرون تفائلهم ولکن بحذر. لكن مثل هذا التفاؤل ، كما أشار المشاركون ، سوف يعتمد على “الإرادة السياسية للقادة العراقيين لتحقيق الاستقرار في بلادهم” ، إذ أن “كل شيء ممكن، إذا تواجد الإرادة السياسية”. ومن السبل الكفيلة لإظهار الإرادة السياسية هي أن ینخرط رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي بشكل مباشر مع المجتمعات المحلية وأن “يقود عملية المصالحة بنفسه – لا من قبل مستشاریه”.
دعت الدراسة والمشاركون إلى تطوير سياسات متينة تتبنی النقاط التالية:
- فهم حالة النزوح على إنها حالة مزمنة وليست أزمة مفاجئة؛
- التسليم بأن النزوح حالة قابلة للتکرار وأنها ظاهرة متعددة الأوجه.
- زيادة الإستثمار في المناطق المتضررة.
- تمكين مراکز الموارد المجتمعية من اجل توفير الخدمات اللازمة للعائدين.
- إدراج النزوح في خطة إعادة الإعمار المادي والاجتماعي الأوسع للعراق