Back

تركيا وأكرادها: دور الاتحاد الأوربي

في ال 29 تشرين الثاني 2015، أصدر قادة الاتحاد الأوروبي وتركيا بياناً يعكس تصميمهم الجماعي لتنشيط عملية انضمام تُركيا للإتحاد، وتعاونهما في مسائل أمن السياسة الخارجية، وقضايا تتعلق بمكافحة الإرهاب والتجارة والطاقة، فضلا عن أزمة اللاجئين السوريين. جاء هذا البيان بعد سنوات من الجمود في عملية انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي، مما يؤكد السعي الحميم للطرفين لمنح الحياة لعملية مفاوضات الانضمام المُتعثرة. في الوقت نفسه، الاستمرار في تطوير تعاونهما في مجال السياسات والقضايا المُتفق عليها. أن تنفيذ هذا البيان، قد يخدم مصالح “قصيرة الأجل” و”طويلة الأجل” لكلا الطرفين إلى حد بعيد، إلا أنه كان يهمل تماماً “عدم الاستقرار” المُتزايد في المناطق الكردية في تركيا، بالذات بعدما تطورت الأوضاع في أعقاب انتخابات السابع من حُزيران عام 2015 البرلمانية.

يجب أن تتفهم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ بأن تفاقم “القضية الكردية” من المحتمل أن لا يزعزع فقط الأوضاع في تركيا، بل أبعد من ذلك بكثير، فهي أيضاً قد تُغذي الأزمات الأخرى التي كانت تحدث في نفس الوقت، في العراق وسوريا، ولها آثار كارثية على أزمة اللاجئين – مصدر القلق الرئيس لصُناع القرار في الاتحاد الأوروبي.

 

الخطوات الأخيرة نحو التعددية الثقافية والسياسية.

في الماضي، كان التحدي الرئيسي بالنسبة لأية حكومة التركية، يكمن في التثبيت الفعلي للهوية الوطنية التركية، كهوية موحدة ومُتجانسة، وأن يتم بالمُقابل إنكار الهوية العرقية والثقافية للمُجتمع الكُردي في تركيا. لكن تعيين تُركيا باعتبارها دولة “مُرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي” مُنذ العام 1999، فتح نافذة من الفُرص للإصلاحات الديمقراطية؛ التي يُمكن أن تُعالج القضية الكردية، من خِلال الحِوار السياسي والمُفاوضات. ونتيجة لهذه العملية، كانت هناك بعض التطورات، من حيث الاعتراف بالحقوق الثقافية للمجتمع الكُردي، مثل افتتاح بعض البرامج الجامعية باللغة الكردية في أربعة جامعات تُركية، ومنح الحق بالدعاية والمُخاطبة بلغات أُخرى أثناء الحملات الانتخابية، غير اللُغة التركية، حيث بدأ أُقر هذا الحق مُنذ عام 2013. لكن، وكما يكشف أحدث تقرير للمفوضية الأوروبية في تركيا، “بقيت قيود قانونية على احتمالات التعليم ل”اللغة الأُم” في المدارس الابتدائية والثانوية، في المناطق الكُردية. حيثُ من غير المسموح التعليم ب”اللغة الأم” غير التركية، بصرف النظر عما يجري في مدارس الأقليات”[1].

 

كسر الحلقة المفرغة من العسكرة.

في غضون ذلك، فأن وقف إطلاق النار الذي تم الاحتفال به عام 2013، من قِبل الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، وحيث تلى ذلك البدء بعملية السلام، وانهارت فيما بعد. ثُم شرعت الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني في الدخول باشتباكات عسكرية في المناطق الكردية، جنوب شرق تركيا، خاصة في المناطق الحضرية، حيث يقيم الآلاف من المدنيين. أن عسكرة القضية الكردية يجر تُركيا تدريجيا نحو عدم الاستقرار الأمني، مُنذ عقد التسعينات وحتى الراهن. يتجلى ذلك، من خلال تحذير منظمة العفو الدولية مؤخراً، من أن “هجوم الحكومة التركية على البلدات والأحياء الكردية، والتي تشمل حظر التجول على مدار الساعة، وتخفيضات في الخدمات العامة، ويضع حياة ما يصل إلى 200،000 شخص في خطر، يصل إلى حد العِقاب الجماعي”. لذلك، فمن الأهمية بمكان، أن يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار فوراً، بحيث يُسمح للطرفين بالعودة تدريجياً الى طاولة المفاوضات. فمن الواضح أن هناك انعدام الثقة بين الطرفين، وكذلك ثمة تشاؤم متزايد بين قواعد حزب العدالة والتنمية وجمهور وحزب العمال الكردستاني، حول احتمال التوصل إلى حل سياسي في المستقبل المنظور. وإذا غدا هذا التشاؤم أكثر عُمقاً، فأنه سيكون من الصعب جداً، كسر الحلقة المُفرغة لعسكرة القضية الكردية.

 

يتعين على الاتحاد الأوروبي إلى الانخراط – في مصلحتها.

في هذه المرحلة بالذات، يتعين على الاتحاد الأوروبي التحرُك بسرعة، مع الكثير من الوحدة الداخلية والمزيد من التصميم، من أجل المساعدة في إعادة العلاقات بين الطرفين، على أساس مواصلة عملية السلام التي تعزز الديمقراطية، ومبدأ اللامركزية في السُلطة، ووضع حد نهائي لأعمال العنف في تركيا. يجب استخدام النفوذ الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي، وتنشيط آليات التواصل الحميم بشكل فعال مع قادة تُركيا. في أية حالة أخرى، سوف يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في موقف أكثر خطورة بكثير: فالتعامل مع تداعيات الحرب في المناطق الكردية في تركيا المُجاورة لكُل من سوريا والعراق، حيث يتآكل بها أي شكل من أشكال النظام. فتداخل المناطق التي تعاني من الصراعات والانقسام السياسي، يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، للتعامل مع كارثة إنسانية مستمرة على الأرض، مما سيؤدي إلى المزيد من الخسائر في الأرواح، والمزيد من تشريد المدنيين.

[1] مُنذ مُعاهدة لوزان وحتى الراهن، يُعترف في تُركيا فقط بثلاث اقليات، الأورثوزكس اليونانين، الأرمن واليهود، وبذا فأن الأكراد وباقي الأقليات الأثنية ليسو إقليات مُعترف بها، لا بشكل رسمي ولا بشكل فعلي.

This op-ed was first published in The European Security and Defence Union Magazine.

Comments are closed.