Back

الخطوة القادمة الأفضل لحزب الشعوب الديمقراطي

تسببت الانتخابات التركية الأخيرة في إحداث حراك كبير في الديناميات السياسية, و ذلك لسببين. الاول هو أن الشعب التركي أبدى إستياءا نسبيا من سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم .للمرة الأولى ومنذ 13 عاما وجد  حزب العدالة والتنمية نفسه لا يملك الاغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة بمفرده.وعلاوة على ذلك، فإن عزم الرئيس رجب طيب أردوغان لتحويل النظام السياسي من برلماني إلى جمهوري رئاسي، في حال فوز حزبه بأغلبية المقاعد, قد وضع على الرف في الوقت الراهن   نتائج الانتخابات تشكل تحديا مهما لحزب العدالة والتنمية لأنها غير معتادة على تشكيل و قيادةحكومات اائتلافية, أضافة الى أن  الثقافة السياسية التركية لا تميل الى أن تحكم من قبل حكومات أئتلافية.

السبب الثاني هو أن الكورد حققوا انجازا تاريخيا من خلال نجاح حزبهم حزب الشعوب الديمقراطي, الذي يمثل أغلبيتهم , حيث تمكن هذا الحزب من تخطي عتبة ال ١٠ % الشبه المستحيلة و المطلوبة للدخول الى البرلمان . و بهذا تمكنوا من خلق فرصة غير مسبوقة لقضيتهم المتمثلة في تعزيز الديمقراطية في تركيا، وإعادة تنشيط عملية السلام , بالإضافة الى تثبيت المزيد من الحقوق الدستورية للكورد.السؤال الرئيسي هنا هو فيما أذا كان حزب الشعوب الديمقراطي سيغتنم هذه الفرصة أم سيبددها؟ .و بالمقابل, هل حزب العدالة والتنميةتستمر في سعيها لزيادة الاستقرار في تركيا، إضافة إلى الازدهار الاقتصادي ودفع عملية السلام إلى وجهتها النهائية؟ مما يثير الاهتمام ، هو أن فور إعلان نتائج الإنتخابات مساء الأحد (7 حزيران) ، صلاح الدين دميرتاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي أغلق   الباب في جه الدخول في أي ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية.بالرغم من كون الخطاب غير منطقي الا انه بدا مفهوما  حيث هذا كان ما قد تعهد به لناخبيه أثناء الحملة الانتخابية, كما لا بد أنه أراد أن يبدو صعب المنال في البداية. ومع ذلك، ففي اليوم التالي مباشرة, أشار خلال إلقاءه  خطابا في اسطنبول، إلى أن الباب لم يغلق تماما، وترك بعض الأمل في التوصل الى اتفاق مع حزب العدالة والتنمية.

من جهة أخرى أخفى أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء المكلف، خيبة أمله و أن حزب العدالة والتنمية برز كأكبر حزب في البرلمان،ومن الصعب جدا تشكيل الحكومة بدونه. ومع ذلك، فإنه من الواضح ان حزب العدالة والتنمية هو الخاسر لأن موقفه الآن هو أضعف من الكل. فالخيارات أمامهم صعبة جدا, بما في ذلك تشكيل حكومة ائتلافية مع واحدة من العديد من القوى المنافسة لها بشدة, أومحاولة تشكيل حكومة أقلية بمفردها، أو تقبل تشكيل حكومة أقلية من قبل    حزب الشعب الجمهوري، أو الدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة .

بناءا على توجهاته القومية الأخيرة، ومحاولاته لكسب أصوات القوميين، يميل حزب العدالة والتنمية أكثر الى حزب الحركة القومية من حزب الشعب الجمهوري المنافس اللدود أو حزب الشعوب الديمقراطي ، لتشكيل حكومة ائتلافية. وهذا يشكل نبأ سيئا بالنسبة للأكراد، وحزب الشعوب الديمقراطي أو حتى ربما لمعظم ناخبين حزب العدالة والتنمية أيضا.هذا التحالف سوف لن يكون هشا وقصير الأجل فحسب,وإنما سيمنع حزب العدالة والتنمية من تعزيز إ إنجازاتها السابقة أيضا، ولا سيما في ما يتعلق بعملية السلام الكردية وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع حكومة إقليم كردستان. من الجدير بالذكر, ان احد الشروط الرئيسية لحزب الحركة القومية للتحالف مع حزب العدالة والتنمية (أو دعم حزب الشعب الجمهوري لتشكيل حكومة أقلية)، هو التخلي عن عملية السلام الكردية ومن الواضح أن هذا سيكون بمثابة كارثة للديمقراطية والاستقرار في تركيا ، ولتراث حزب العدالة والتنمية والتطلعات الكردية. و هذا بدوره سيعرض تركيا للعودة الى طرازها العسكري القديم في الحكم.

AKP-HDP

وبالتالي فإن أفضل خطوة لقادة حزب الشعوب الديمقراطي هي أن تسحب البساط من تحت أقدام حزب الحركة القومية وان تدخل في مفاوضات جادة و فعالة مع حزب العدالة والتنمية للتوصل الى نتائج مجزية للطرفين. وينبغي على حزب الشعوب الديمقراطي أن تقدم مطالبها بوضوح وصراحة تامتين بشأن إجراء تعديلات دستورية   لتتمكن من كسب تأييد ناخبيها “للدخول في الحكومة الائتلافية. وهذا بدوره سيعطهم أربع سنوات من الحق الكامل للوصول الى و أستخدام المؤسسات الحكومية حيث يمكنهم أستدامة حملتهم لمزيد من الإصلاح المؤسساتي والتحول الديمقراطي.

إن تحالف حزب الشعوب الديمقراطي و حزب العدالة والتنمية سوف لن يكون جيدا بالنسبة للسياسة المحلية التركية فحسب، وإنما ستؤدي الى الإستمرار أيضا في البناء على النجاح و التقدم الذي حققته  تركيا في إقليم كردستان العراق. وبالمقابل فإن مصلحة حكومة إقليم كوردستان تكمن في أن تكون تركيا مستقرة و بعيدة عن حكم العسكر ,حيث يكسب الأكراد حقوقهم و في نفس الوقت تضمن حكومة الاقليم الإستفادة من مكانتها الإقتصادية كمركز إقليمي للتجارة وتصدير النفط و الغاز الى تركيا و غيرها من الدول. . بالإضافة الى هذا فإن تحالف هذين الحزبين من شأنه أن يؤدي الى توليد تحركات أيجابية تجاه قضايا العراق الداخلية حيث تعتبر تركيا نفسها شريكا، ولا سيما تلك التي تتعلق بكركوك والاقلية التركمانية. هكذا قضايا ستكون أكثر تعقيدا في حال مشاركة حزب الحركة القومية في الحكومة بنهجهم القومي التركي الضيق.

وأخيرا، فإن على حزب العدالة و التنمية الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان التركي إدراك أن تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي على أساس من الثقة المتبادلة سيكون رهانا أكثر أمانا بكثير من التحالف مع حزب الحركة القومية المحافظة، أو إعطاء حزب الشعب الجمهوري فرصة لتشكيل حكومة أقلية مضادة لهم . الشعب التركي أبدى رأيه من خلال صناديق الإقتراع, والأن يجب على النخب إيجاد السبل والوسائل الفعالة من أجل ضمان تمثيل و إحترام صوت الشعب في البرلمان بغية ترسيخ المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحالية لتركيا.

Comments are closed.