منتدی الشام والعراق: منصة للتعاون والتكامل الإقليمي
في خضم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة التي تواجه الشرق الأوسط، فإن المبادرات الفكرية التي تسعى إلى تصور مستقبل مستدام ومزدهر تشكل أهمية قصوى. وإدراكًا لهذه الحاجة، جاء ملتقی الشرق الأوسط 2024 كفرصة ومحطة مهمة لإطلاق منتدى الشام والعراق، وهو شبكة من مراكز الفكر الإقليمية ومنصة للحوار والتعاون وإعادة التكامل الإقليمي. قدم دلاور علاء الدين، رئيس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (MERI)، مفهوم وتطور الأفكار المتعلقة بمبادرة منتدى الشام والعراق. وتبع ذلك جلسة تفاعلية تضمنت:
- سعيد بهاء المصري، وزیر سابق وممثل سمو الأمير الحسن بن طلال، الأردن
- لقمان الفيلي، سفیر العراق في ألمانيا
- عمار قحف، المدير التنفيذي، مركز العمران للدراسات الأستراتیجیة
- هيوا عثمان، صحفي، +964 میدیا (میسر).
وصف دلاور علاءالدين بلاد الشام والعراق بأنها أغنی موطن للمجتمعات العرقية والدينية الأكثر تنوعًا وترابطًا في العالم، والتي تعايشت بسلام وتقاسمت تراثًا ثقافيًا وتاريخيًا مشتركًا لآلاف السنين. لدى شعوب هذه المنطقة الكثير من القواسم المشتركة عبر القطاعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية. لسوء الحظ، على مدار القرن الماضي، عانت المنطقة من الانقسامات والصراعات والحروب المدمرة، مما أدى إلى إضعاف الدول والمجتمعات المستقطبة والمسلحة والمفقورة بشكل متزايد. إن الخسارة المستمرة للتنوع الغني في المنطقة بسبب السياسة الطائفية ونزوح السكان والهجرة المستمرة أمر مثير للقلق للغاية. يعتقد علاءالدين أن الوقت قد حان الآن لتجاوز الصراع وإيجاد طرق لتعزيز الحوار والتعافي والازدهار في جميع أنحاء المنطقة. وبناءً على ذلك، تم تصميم إطار العمل القيادي المحلي لإشراك أصحاب المصلحة، بما في ذلك صناع السياسات وقادة الرأي والمحسنين على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لتبادل الأفكار واستكشاف المبادرات التي تعزز الحوار بين المجتمعات، والتعاون عبر الحدود، والترابط الاقتصادي، وفي نهاية المطاف إعادة دمج بلاد الشام والعراق.
النموذج الأردني
نقل الدكتور سعيد بهاء المصري تحيات صاحب السمو الملكي الأمير الحسن وكلمات الحكمة والدعم الكامل لمبادرة منتدى الشام والعراق. قدم المصري رؤى حول كيفية الحفاظ على الاستقرار في الأردن على الرغم من الاضطرابات الإقليمية. وعزا ذلك إلى ثلاثة عوامل رئيسية: الاستمرارية المؤسسية، وصنع السياسات الاقتصادية، وإدارة التنوع من خلال الشمولية. وعلى عكس جيرانها، حافظ الأردن على نظام حكم مستقر وقادر على التكيف تطور لمواجهة التحديات الجيوسياسية. ولعبت البراجماتية الاستراتيجية للملكية الهاشمية دورًا حاسمًا في ضمان بقاء المؤسسات وظيفية وفعالة على الرغم من الضغوط الخارجية.
وفقًا للمصري، خضع الأردن لتحول جوهري في أولويات الحكم في عهد الملك عبد الله الثاني، حيث احتلت التنمية الاقتصادية الأولوية على المناورات السياسية. وركزت الحكومة على جذب الاستثمار وتعزيز المرونة الاقتصادية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال سياسات اقتصادية شاملة. وكانت قدرة الأردن على تحقيق التوازن بين المصالح العرقية والطائفية والسياسية مفيدة في الحفاظ على السلام الداخلي. وعلى النقيض من العراق وسوريا، حيث أدت الانقسامات الطائفية إلى تأجيج عدم الاستقرار، تبنت الأردن سياسة الاعتدال والتكامل الوطني.
وتسلط هذه الدروس الضوء على أهمية البراجماتية الاقتصادية والمؤسسات القوية والحكم الشامل في ضمان الاستقرار على المدى الطويل. ومع ذلك، أقر المشاركون بأن نموذج الأردن قد لا يكون قابلاً للنقل مباشرة إلى العراق أو سوريا أو لبنان، حيث تواجه كل دولة تحديات داخلية فريدة من نوعها.
العراق والتحديات
يواجه العراق تحديات عميقة في مجال الحكم والاقتصاد أعاقت جهود إعادة الإعمار والإصلاح بعد الصراع. وقد حدد السفير العراقي في ألمانيا، لقمان فيلي، الفساد النظامي والتفتت الطائفي والسياسي وسوء الإدارة الاقتصادية باعتبارها الحواجز الأساسية أمام الإصلاح. لقد أدت عقود من الفساد السياسي وعدم الكفاءة الإدارية إلى تآكل الثقة العامة وإضعاف مؤسسات الدولة. وتعطي النخب السياسية الأولوية للمصالح الشخصية والفئوية، مما يجعل إصلاحات الحكم صعبة.
لقد أدى نظام تقاسم السلطة الطائفي في العراق إلى شلل السياسات، حيث تعيق الفصائل المتنافسة الإصلاحات الاقتصادية والحكومية الحاسمة. وعلى عكس نموذج الحكم المركزي في الأردن، يظل العراق منقسمًا على أسس طائفية وإثنية، مما يمنع اتخاذ القرارات الفعالة. وعلى الرغم من كونه أحد أكبر منتجي النفط في العالم، فقد فشل العراق في تنويع اقتصاده أو إنشاء قطاع خاص تنافسي. وقد أدى الاعتماد الشديد على عائدات النفط، إلى جانب عدم الكفاءة البيروقراطية، إلى توقف النمو الاقتصادي وساهم في ارتفاع معدلات البطالة والسخط الاجتماعي.
وأكد فيلي أن العراق يجب أن يتجاوز إدارة الأزمات ويتبنى التخطيط الاقتصادي الطويل الأجل. وبدلاً من السعي إلى تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل، ينبغي لصناع السياسات أن يركزوا على تعزيز بيئة الأعمال المستدامة، والحد من البيروقراطية، والاستثمار في رأس المال البشري. بيد أن هذه الإصلاحات تتطلب إرادة سياسية قوية وتنفيذاً مستداماً ــ وهي المنطقة التي لا تزال العراق تعاني من صعوبات في تحقيقها.
مستقبل سوريا
لقد أدى الصراع الطويل الأمد في سوريا إلى تحطيم مؤسسات الدولة، ونزوح الملايين، وتدمير الاقتصاد. وشدد الدكتور عمار قحف على أن الاستقرار في سوريا يتطلب التحول من التدخلات الخارجية إلى جهود المصالحة الداخلية. وقد سدت منظمات المجتمع المدني فجوات الحكم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حيث قدمت الخدمات الأساسية حيث انهارت الحكومة. ومع ذلك، فإنها لا تزال مهمشة في المناقشات السياسية الرسمية.
إن غياب الحوار الوطني الموحد يمنع إعادة الإدماج السياسي. إن التدخل الأجنبي من إيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة يعقد هياكل الحكم، في حين يظل الاقتصاد في حالة سقوط حر، مما يؤدي إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي. وأكد قحف على ضرورة دمج المجتمع المدني السوري في أي إطار حكم مستقبلي، محذرًا من أن استبعاد الجهات الفاعلة الشعبية لن يؤدي إلا إلى إطالة أمد عدم الاستقرار.
الحلول المقترحة:
في سياقِ مواجهةِ هذهِ التحدياتِ، قدمَ المشاركونَ في الجلسة مجموعةً منَ الحلولِ المقترحةِ، التي يمكنُ أن تُساهمَ في تحقيقِ الاستقرارِ والازدهارِ في المنطقةِ. وقد شددوا على أهميةِ تعزيزِ الثقةِ بينَ الشعوبِ وصناعِ القرارِ، من خلالِ الحوارِ والتواصلِ المستمرِ والبناءِ. كما دعوا إلى تفعيلِ التعاونِ الإقليميِّ في مختلفِ المجالاتِ، لاسيما الاقتصاديةِ والثقافيةِ، من خلالِ إطلاقِ مشاريعَ مشتركةٍ وبرامجَ تبادلٍ تُساهمُ في تقريبِ وجهاتِ النظرِ وتوحيدِ الجهودِ. ومن بين المقترحات العملية، فكرة إنشاء خطوط أنابيب النفط والغاز من العراق عبر الأردن أو سوريا ولبنان، وبناء الطرق والسكك الحديدية لتسهيل التجارة والسياحة، وتبادل المنح الدراسية بين الجامعات.
ونوقشت خلال الجلسة مشاريع اقتصادية كبرى مطروحة في المنطقة، مثل ميناء الفاو وطريق التنمية في العراق. وقد تم التأكيد على أهمية هذه المشاريع، وضرورة ربطها برؤية إقليمية شاملة للتنمية والتعاون الاقتصادي. كما تم اقتراح مشاريع أخرى في مجال الطاقة، مع التأكيد على أهمية العمل الهادئ والبعيد عن التشنجات الدولية في تنفيذ هذه المشاريع.
وفيما يتعلقُ بالحوكمةِ الرشيدةِ، أكدَ المشاركونَ على ضرورةِ تطبيقِ مبادئِ الحوكمةِ الرشيدةِ في جميعِ مؤسساتِ الدولةِ، من خلالِ تعزيزِ الشفافيةِ والمساءلةِ ومكافحةِ الفسادِ. كما دعوا إلى تبني استراتيجياتٍ للتنميةِ المستدامةِ، تراعي البعدَ الاقتصاديَّ والاجتماعيَّ والبيئيَّ، وتضمنُ تحقيقَ التنميةِ الشاملةِ والمستدامةِ. وقد تم اقتراح إنشاء منتدى بلاد الشام والعراق كمنصة غير حكومية وغير رسمية تهدف إلى توفير مساحة لشعوب المنطقة للتعبير عن اهتمامها والسعي لتحقيق مصالحها.
وقد تم التأكيد على أهمية الإرادة السياسية والمجتمعية في تحقيق هذه الأهداف، مع ضرورة إيجاد سردية إيجابية للمستقبل. وقد تم اقتراح نماذج مختلفة يمكن أنشاؤه للتعاون الإقليمي، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي الإقليمي، وجمعية مواطنين لبلاد الشام والعراق، ومجتمع مائي أو للطاقة المتجددة. كما تم التأكيد على أهمية تغيير منهج التفكير من معادلة صفرية إلى معادلة ربح وربح. وقد أشار سيد المصري إلى أهمية التركيز على تحسين الواقع المعيشي للناس، وأن الإصلاحات السياسية يجب أن تخدم الإنسان. كما أكد على أهمية الوسطية في التعامل مع مختلف القوميات والأديان والمذاهب.
دور المجتمع المدني، الحوار، والتجارب الدولية
أكد المشاركون على الدورِ الهامِّ الذي يلعبهُ المجتمعُ المدنيُّ في تحقيقِ التنميةِ المستدامةِ، من خلالِ المساهمةِ في صياغةِ السياساتِ وتنفيذِها، ومراقبةِ أداءِ المؤسساتِ الحكوميةِ، وتعزيزِ المشاركةِ المجتمعيةِ. فالمجتمعُ المدنيُّ يُعتبرُ شريكاً أساسياً في عمليةِ التنميةِ، حيثُ يُمثلُ صوتَ الشعبِ ويعكسُ تطلعاتِهِ واحتياجاتِهِ. وقد نوقش دور المجتمع المدني في سوريا، حيث اعتبره المشاركون مؤهلاً للمساهمة في أية مبادرة مستقبلية، رغم أن تجربته لا تزال ناشئة. وقد تم التأكيد على أهمية دعم المجتمع المدني وتوفير المساحات الحوارية له. كما تم التأكيد على أهمية التواصل بين مختلف مكونات المجتمع المدني في سوريا.
كما وشدد المشاركون على أهميةِ الحوارِ والتواصلِ المستمرِ بينَ مختلفِ الأطرافِ المعنيةِ، من أجلِ التوصلِ إلى حلولٍ توافقيةٍ تُخدمُ مصالحَ جميعِ شعوبِ المنطقةِ. فالحوارُ هو السبيلُ الأمثلُ لحلِّ النزاعاتِ وتجاوزِ الخلافاتِ، وبناءِ توافقٍ وطنيٍّ حولَ القضاياِ المصيريةِ. وقد أشار المشاركون إلى أهمية الحوار الإقليمي، بمشاركة جميع الفاعلين، بما في ذلك تركيا، من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة. كما تم التطرق إلى أهمية الحوار مع الولايات المتحدة، باعتبارها فاعلاً مؤثراً في المنطقة، من أجل الوصول إلى تفاهمات حول مستقبل المنطقة. وقد تم التأكيد على أهمية أن يكون الحوار شاملاً لجميع الأطراف، وأن يهدف إلى تحقيق الاستقرار وتحسين الواقع المعيشي للناس.
تم خلال الجلسة التطرق إلى تجارب دولية مختلفة، مثل التجربة الألمانية في التكامل بعد الحرب، والتجربة اليابانية. وقد تم عرض دروس من هذه التجارب، مع التأكيد على ضرورة عدم استنساخها بشكل كامل، بل الاستفادة منها بما يتناسب مع خصوصية المنطقة. وقد تم التأكيد على أهمية الإرادة السياسية والمجتمعية بالموازاة في تجاوز الأزمات، كما يتضح من التجربة الألمانية في دمج الألمانيتين. كما تم التطرق إلى تجربة الأردن في الحفاظ على الاستقرار، والتجربة الأمريكية في دعم التكامل.
الخلاصة:
إن تحقيقَ الاستقرارِ والازدهارِ في بلادِ الشامِ والعراقِ يتطلبُ جهوداً مشتركةً من جميعِ الأطرافِ المعنيةِ، من خلالِ تعزيزِ الثقةِ والتعاونِ الإقليميِّ، وتطبيقِ مبادئِ الحوكمةِ الرشيدةِ، وتبني استراتيجياتٍ للتنميةِ المستدامةِ. كما أكد المشاركون على أهميةِ دورِ المجتمعِ المدنيِّ في تحقيقِ التنميةِ المنشودةِ، وضرورةِ إشراكِ الشبابِ في صياغةِ مستقبلِ المنطقةِ. وقد تم التأكيد على أهمية الحوار والتواصل، والاستفادة من التجارب الدولية، والعمل على تنفيذ مشاريع اقتصادية كبرى. وهذه كلها تنصب في الحاجة لبناء منصة رائدة ومختصة بالعمل على تحقيق هذه الأهداف. وكما ذكر أكد دلاور علاءالدين في البداية، يجب أن تصبح منتدى الشام والعراق منصة لا غنى عنها للتفكير والعمل الجماعي، خارج الصراعات، لحماية وإعادة دمج المجتمعات المتنوعة في بلاد الشام والعراق، وخاصة المكونات العرقية والدينية.
ملتقی الشرق الأوسط 2024
الجلسة الثامنة