مستقبل سوريا من وجهة نظر المعارضة
- بدر جاموس، رئيس هیئة التفاوض السورية
- باتريك هايني، مستشار في مركز الحوار الإنساني (المحاور)
أدار باترك هيني، مستشار أقدم لشؤون الشرق الأوسط لمركز الحوار الإنساني حوار سیاساتي مع الدكتور بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض السورية، عن الوضع الراهن في سوریا والجمود السياسي والدبلوماسي وديناميكيات مناطق النفوذ المختلفة. وجاءت هذە الجلسة الحواریة أقل من عشرة أیام قبل سقوط نــظام بشار الأسد في سوریا وتناول المتحدثین التدخلات الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى تأثير الأوضاع الإنسانية المتدهورة والمبادرات الدبلوماسية الجارية والتفاعلات بين دمشق والدول العربية، فضلاً عن المحادثات المستمرة بين الحكومة السورية وتركيا، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.
الجمود الدبلوماسي وتراجع الاهتمام الدولي بسوريا
استهل باترك هيني النقاش بالإشارة إلى أن إحدى أبرز التحديات التي تواجه سوريا اليوم هي فقدانها الأولوية على الأجندة الدولية، بسبب تزايد الأزمات العالمية مثل الحرب في أوكرانيا، الحرب في غزة، وعدم الاستقرار في لبنان. وأكد أن هناك انطباعاً دبلوماسياً وإعلامياً بأن سوريا “مجمدة”، وأن شيئاً لن يتغير فيها، رغم انتهاء الجبهات القتالية منذ ما يقارب أربع أو خمس سنوات. ومع ذلك، شدد هيني على أن حالة الجمود هذه لا يمكن أن تستمر طويلاً بسبب الضغوط المتزايدة على الوضع السوري، سواء من الداخل أو من الخارج. وأوضح أن الضغوط الخارجية تشمل الغارات الإسرائيلية المستمرة على مواقع داخل سوريا، بينما تتجلى الضغوط الداخلية في تفاقم الأزمة الاقتصادية وهجرة السوريين المستمرة بحثاً عن حياة أفضل، الأمر الذي يعكس عدم الاستقرار العميق في البلاد.
الوضع السياسي الراهن وتأثير التدخلات الدولية
في حديثه، شدد الدكتور بدر جاموس على أن هيئة التفاوض السورية هي الجهة المعتمدة رسمياً من قبل الأمم المتحدة للتفاوض بشأن مستقبل سوريا، مؤكداً أنها تمثل كافة مكونات الشعب السوري وليس منطقة بعينها. وأوضح أن الأزمة السورية تحولت إلى ساحة صراع دولي، حيث تتواجد على الأرض السورية قوى متعددة، بما في ذلك روسيا، إيران، الولايات المتحدة، وتركيا، فضلاً عن الضربات الجوية الإسرائيلية. وأشار إلى أن هذا الوضع أدى إلى توازن غير معلن بين القوى المتنافسة، حيث يتم ضبط النزاع دون إنهائه تماماً.
وأضاف أن هذا الجمود لا يعني أن الصراع متوقف، بل إن الانفجار الشعبي قد يحدث في أي لحظة نتيجة استمرار المعاناة الاقتصادية، غياب الحلول السياسية، وانعدام أفق للخروج من الأزمة. وأوضح أن “كل مواطن سوري يبحث اليوم عن وسيلة للخروج من البلاد، وليس العودة إليها”، في إشارة إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وانعدام الثقة بإمكانية تحسينها في ظل استمرار النظام السوري بسياساته الحالية.
المبادرات الدبلوماسية: التطبيع العربي والمحادثات مع تركيا
ناقش المتحدث أيضاً المبادرات الدبلوماسية التي برزت خلال العامين الأخيرين، وعلى رأسها التطبيع بين دمشق والدول العربية، وكذلك محادثات التقارب بين دمشق وأنقرة. وضمن هذا السياق، أوضح بدر جاموس أن التواصل مع الدول العربية لم ينقطع قبل التطبيع أو بعده، ولكن إذا كان الهدف من التطبيع هو إعادة العلاقات مع النظام دون أي تغيير سياسي، فهذا لن يؤدي إلى حل الأزمة. ولفت إلى أن الدول العربية دخلت في حوار مع دمشق لأسباب مختلفة، منها أزمة المخدرات (الكبتاغون)، قضية اللاجئين، ومكافحة الإرهاب. ومع ذلك، أشار إلى أنه بعد مرور أكثر من 17 شهراً على إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، لم يتحقق أي تقدم يُذكر في أي من الملفات الأساسية. وأكد جاموس أن النظام السوري ليس فقط غير راغب في تقديم تنازلات سياسية، بل هو غير قادر على ذلك أيضاً، مضيفاً أن الحل في سوريا لا يمكن أن يتم إلا من خلال مصالحة وطنية حقيقية وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة تشمل جميع مكونات المجتمع السوري.
أما فيما يتعلق بالمحادثات بين دمشق وأنقرة، فقد أوضح جاموس أن تركيا لديها مطالب واضحة، وهي لا تسعى إلى التطبيع المجاني مع النظام السوري، بل تطلب خطوات تشمل التوصل إلى حل سياسي، وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات. وأكد أن اللاجئين السوريين في تركيا لا يمكن إعادتهم قسرياً دون توفير ضمانات حقيقية لسلامتهم، وهو أمر غير ممكن في ظل بقاء النظام على سياساته الحالية.
الجمود السياسي واحتمالات التصعيد
طرح باترك هيني تساؤلاً حول السيناريوهات المحتملة لكسر حالة الجمود الحالية في سوريا، مشيراً إلى أن الأزمة ليست فقط استنزافاً للشعب السوري، بل أيضاً استنزاف للسلطات الحاكمة في مناطق النفوذ المختلفة. ورداً على ذلك، استشهد بدر جاموس بحالة مدينة السويداء، التي بقيت محايدة إلى حد كبير خلال سنوات الحرب، لكنها شهدت احتجاجات واسعة بعد التقارب العربي مع النظام السوري، مما يعكس استمرار الغضب الشعبي في مختلف المناطق السورية. وأشار جاموس إلى أن الشعب السوري لم يعد لديه ما يخسره، وأن استمرار الفقر، غياب التعليم، وعدم وجود حل سياسي سيؤدي حتماً إلى انفجار شعبي في مناطق متعددة.
التصعيد الإقليمي وتأثيره على سوريا
تطرقت الجلسة أيضاً إلى تداعيات التصعيد الإسرائيلي ضد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، حيث أكد بدر جاموس أن النظام السوري فتح المجال لهذه الميليشيات للتدخل في الصراع السوري منذ البداية، مما أدى إلى تحويل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
وأشار إلى أن الضربات الإسرائيلية المستمرة في سوريا تتم دون أي رد فعل حقيقي من النظام، الذي يبدو غير مكترث بما يجري، في حين أنه يواصل قصفه لمناطق الشمال السوري. وأكد أن المعارضة السورية طالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مراراً بالضغط لإخراج الميليشيات الأجنبية من سوريا، نظراً لأن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من الصراعات المسلحة.
واختتم الجلسة بالإشارة إلى أن الجمود الحالي يهدد بمزيد من التدهور على المستويين السياسي والإنساني، ما لم يتم التوصل إلى خطة شاملة لإنهاء الصراع، وإعادة بناء سوريا وفق عقد اجتماعي جديد يضمن حقوق جميع مكوناتها. كما شدد المشاركون على أن التعامل المنفرد من قبل الدول الإقليمية مع النظام السوري دون ربط ذلك بإصلاحات سياسية حقيقية سيؤدي إلى تعقيد الأزمة بدلاً من حلها.
ملتقی الشرق الأوسط 2024
مستقبل سوريا: آفاق السلام و إعادة البناء