Back

مستقبل سوريا: آفاق السلام والتعافي

مستقبل سوريا: آفاق السلام والتعافي

  • زوزان علوش، مستشارة تنموية و سياسية مستقلة
  • أحمد مهیدي، مستشار في مركز الحوار الإنساني
  • عمار قحف، المدير التنفيذي، مركز العمران
  • باتريك هايني، مستشار في مركز الحوار الإنساني (المحاور)

تناولت هذه السلسلة الحوارية، التي نظمت عشرة أیام قبل سقوط نظام الأسد في سوریا والتي أدارها باترك هيني، مستشار أول لشؤون الشرق الأوسط لمركز الحوار الإنساني، الوضع الراهن والآفاق في سوريا مع عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وأحمد مهيدي، مستشار في مركز الحوار الإنساني، وزوزان علوش، مستشارة تنموية وسياسية مستقلة. هذه النخبة من الخبراء قدموا رؤى حول واقع المعارضة، النظام، والإدارة الذاتية، مع التركيز على التحديات الأمنية، الاقتصادية، والإدارية، والسيناريوهات المستقبلية، بالإضافة إلى بحث إمكانية تحقيق تعاون بين هذه المناطق وأدوار القوى المحلية والإقليمية والدولية.

مناطق سيطرة المعارضة: حالة التشظي والانقسامات الداخلية

استهل عمار قحف، مدير مركز عمران للدراسات، مداخلته بالحديث عن مناطق سيطرة المعارضة، مؤكدًا أن المشهد في هذه المناطق يتميز بدرجة كبيرة من الهشاشة الأمنية، تعدد أنظمة الحوكمة، والاقتصاد غير المنظم. وأوضح أنه رغم تقسيم سوريا سياسيًا إلى أربع حكومات، وهي الحكومة السورية في دمشق، الحكومة المؤقتة للمعارضة، حكومة الإنقاذ في إدلب، والإدارة الذاتية في شمال شرق البلاد، فإن الواقع على الأرض أكثر تعقيدًا. فهناك أنماط حوكمية مختلفة، حيث تتحكم بعض الجهات في مناطق محددة بناءً على سلطتها العسكرية أو قدرتها على تقديم الخدمات، مما يخلق بيئة غير مستقرة.

وأكد قحف أن الوضع الحالي ليس مجرد انقسام إداري، بل هو حالة من “التشظي غير المنظم، حيث تتعدد الفواعل المحلية، الإقليمية، والدولية، مما يجعل أي حل شامل معقدًا للغاية”. وأضاف أن هذا التشظي تسبب في “بيئة سياسية وإدارية لا مركزية قسرية، حيث يتم تقديم الخدمات وفقًا لنفوذ الفصائل المحلية وليس وفق رؤية موحدة”.

وأشار إلى أن الوضع في شمال غرب سوريا لا يخلو من هذه التعقيدات، حيث أن منطقة إدلب تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، والتي تدير حكومة الإنقاذ، بينما تتحكم الفصائل المدعومة من تركيا في مناطق شمال حلب. هذا التقسيم أدى إلى تنوع في الأنظمة الإدارية والقضائية، حيث تتبع كل منطقة قوانين وإجراءات مختلفة، سواء فيما يتعلق بتسجيل المواليد، الزواج، أو حتى إدارة الممتلكات والأراضي. كما أن هناك مناطق مثل السويداء ودرعا، ورغم أنها رسميًا لا تزال تابعة للنظام السوري، فإنها عمليًا تخضع لنفوذ مجموعات محلية ذات طابع عسكري أو مدني، مما يعقد المشهد أكثر.

من جانب آخر، أكد قحف أن أحد التحديات الكبرى في هذه المناطق هو وجود أنشطة اقتصادية غير مشروعة، حيث أن العديد من الفصائل والجماعات المسلحة باتت تعتمد على تجارة المخدرات، فرض الإتاوات، وعمليات التهريب كمصدر أساسي للدخل. هذه العوامل زادت من الهشاشة الأمنية، حيث أن الاعتماد على موارد غير شرعية يؤدي إلى مزيد من الصراعات بين هذه القوى. وأشار إلى أن الجمود الظاهري الذي يبدو على المشهد السوري لا يعني الاستقرار، بل هو “وهم استقرار”، لأن الأوضاع قابلة للانفجار في أي لحظة نتيجة الضغوط المتزايدة، سواء بسبب التوترات الداخلية أو انعكاسات النزاعات الإقليمية، خصوصًا مع امتداد التصعيد في لبنان إلى الأراضي السورية، والتباينات المتزايدة بين النظام السوري وإيران. وأكد قحف بأن العديد من الفصائل والجماعات المسلحة باتت تعتمد على اقتصاد الحرب، حيث أصبحت تجارة المخدرات وفرض الإتاوات والتهريب مصادر دخل أساسية لها، ما يعزز الفوضى“.

مناطق سيطرة النظام السوري: التآكل الداخلي واستمرار سياسة الصمود

تناول أحمد مهيدي الوضع في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة السورية، مشيرًا إلى أن النظام اعتمد على استراتيجية الصمود منذ عام ٢٠١١، حيث كان تركيزه الأساسي على استعادة السيطرة العسكرية على كافة المناطق، ثم الدخول في أي مفاوضات بشروطه الخاصة. لكن هذه الاستراتيجية تعرقلت مع دخول التحالف الدولي لمحاربة داعش، واستمرار التواجد العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا، إلى جانب انتشار القوات التركية في الشمال الغربي، مما أدى إلى اتفاق روسي-تركي عام ٢٠٢٠ رسم حدودًا جديدة للصراع داخل سوريا.

وأوضح مهيدي أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام أدت إلى ضعف قدرة الدولة على تمويل مؤسساتها الرسمية، بما في ذلك الجيش، مما اضطره إلى الاعتماد المتزايد على الميليشيات المحلية، المعروفة بالقوات الرديفة. هذه الميليشيات، التي تعمل لصالح النظام ولكنها لا تخضع له بشكل كامل، أصبحت تبحث عن مصادر تمويل خاصة بها، ما جعلها تنخرط في أنشطة إجرامية مثل تجارة المخدرات، التهريب، وعمليات السلب والنهب. وأكد أن وجود هذه الميليشيات يساهم في إضعاف سلطة الدولة المركزية، حيث باتت هذه الجماعات تشكل قوى شبه مستقلة داخل المناطق التي يفترض أنها خاضعة لدمشق. حسب المهیدي، أن  “ النظام السوري لا يملك الموارد الكافية لدعم مؤسساته، خاصة الجيش، مما أجبره على الاعتماد على ميليشيات محلية تعمل لصالحه ولكنها لا تخضع له بالكامل“. ….  الميليشيات باتت قوة اقتصادية وعسكرية بحد ذاتها، تبحث عن تمويل عبر تجارة المخدرات والسوق السوداء، ما أدى إلى تحوّل النظام من كيان مركزي إلى مظلة لعدد من القوى المتنافسة“.

وأضاف مهيدي أن النظام، رغم تآكل موارده، لا يزال يتمتع بميزة الشرعية الدولية، مما يمنحه قدرة أكبر على المناورة مقارنة بالقوى الأخرى في سوريا. لكنه حذر من أن استمرار تقليص سلطة الدولة لصالح الميليشيات قد يؤدي في النهاية إلى انفجار داخلي داخل معسكر النظام نفسه، خاصة إذا حصلت تحولات في الديناميكيات الإقليمية أو إذا تراجع الدعم الروسي أو الإيراني له. كما حذر من أن هذا الوضع يثير تساؤلات مهمة حول مستقبل النظام، قائلًا: “إلى أي مدى يمكن للنظام أن يستمر في الصمود في حال تغيرت الظروف الإقليمية، أو تراجع الدعم الروسي والإيراني؟”.

الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا: بين المكتسبات والتحديات

تناولت زوزان علوش تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، مؤكدة أن المنطقة حققت مكاسب مهمة على صعيد بناء المؤسسات والحوكمة، لكنها تواجه تحديات كبرى بسبب غياب استراتيجية واضحة لما بعد هزيمة داعش. وأوضحت أن أحد أكبر التحديات التي تواجهها الإدارة هو عدم وجود اعتراف دولي رسمي بها، مما يجعلها في حالة سياسية غير مستقرة.

وأوضحت أن “المجتمع الدولي دعم المنطقة في الحرب ضد داعش، لكنه تخلى عنها بعد سقوط التنظيم، مما خلق فجوة أمنية واقتصادية كبيرة”. وعبّرت عن هذا الوضع بقولها: “وصلتونا لنص البيت وقطعتم الحبل علينا”، في إشارة إلى أن القوى الدولية لم تضع خطة لما بعد القضاء على داعش. فالاستراتيجية الدولية لمحاربة داعش كانت محددة وواضحة، لكنها لم تتضمن خطة لما بعد سقوط التنظيم، مما أدى إلى فراغ إداري وأمني في المنطقة. وأضافت أن المجتمع الدولي، الذي كان داعمًا رئيسيًا خلال العمليات العسكرية ضد داعش، انسحب بشكل مفاجئ بعد انتهاء العمليات القتالية، مما ترك المنطقة تواجه تحديات أمنية واقتصادية دون دعم كافٍ.

وأشارت علوش إلى أن شمال شرق سوريا يعاني من نقص حاد في الموارد البشرية المؤهلة لإدارة المؤسسات التي تم إنشاؤها، حيث أن العديد من الأفراد الذين يشغلون مناصب إدارية ليست لديهم خبرات كافية في مجالات الحوكمة والسياسات العامة. كما أن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية تحقيق استقرار مستدام في المنطقة دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى الإقليمية، خاصة تركيا، التي ترى في المشروع الكردي تهديدًا لأمنها القومي. كما شددت على أن “الإدارة الذاتية تدير اليوم ١٧٢٠٠٠ موظف، لكن الموارد البشرية المؤهلة لإدارة المؤسسات لا تزال غير كافية. وأكدت أن التحدي الأكبر يتمثل في “كيفية تحقيق استقرار مستدام في المنطقة دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى الإقليمية، خاصة تركيا، التي ترى في المشروع الكردي تهديدًا لأمنها القومي”.

وأضافت أن أحد الجوانب الإيجابية التي يمكن البناء عليها هو العلاقات الاقتصادية المستمرة بين شمال شرق وشمال غرب سوريا، حيث أن هناك تجارة نشطة بين المنطقتين رغم القطيعة السياسية. وأكدت أن هذه العلاقة الاقتصادية يمكن أن تكون مدخلًا لإعادة بناء جسور التواصل السياسي، مشيرة إلى أن السيناريو المستقبلي للإدارة الذاتية لا يزال غير واضح، حيث أن هناك خيارين رئيسيين: إما الاعتراف بها ضمن إطار دستوري جديد في سوريا، أو استمرار الضغوط عليها حتى يتم القضاء عليها سياسيًا وعسكريًا. رغم القطيعة السياسية، فإن العلاقات الاقتصادية بين شمال شرق وشمال غرب سوريا لا تزال مستمرة، حيث تعتمد الأخيرة على موارد الأولى. هذا التفاعل الاقتصادي قد يكون بوابة للحوار السياسي بين مختلف الأطراف“.

وفي النهاية اختتمت الجلسة بالتأكيد على أن سوريا لا تزال عالقة في وضع “لا حرب ولا سلم”، مما يجعل المستقبل السياسي غير واضح. كما شدد المشاركون على أن أي حل مستقبلي يجب أن يأخذ في الاعتبار واقع الحوكمة المحلية، العلاقات الاقتصادية، والتحديات الأمنية التي تواجه جميع الأطراف. وأجمع المتحدثون على أن استمرار التشرذم السياسي والانقسامات بين مختلف مناطق النفوذ سيؤدي إلى مزيد من الأزمات، ما لم يتم العمل على إيجاد حلول مشتركة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة جميع المكونات السورية.

ملتقی الشرق الأوسط 2024

مستقبل سوريا: آفاق السلام والتعافي

الجلسة 8C

30 تشرین الأول 2024

Comments are closed.