سنجار: إعادة الإعمار، التعافي وعودة النازحين
- عبد القادر الدخيل، محافظ نينوى
- خوگر وريا، باحث أقدم، مؤسسة ميري (ميسر الجلسة )
في مقدمته، ذكّر خوگر وريا الحضور بأن هذه الندوة هي جزء من مشروع بدأته مؤسسة ميري في العام السابق. وقد تضمنت تحليلاً متعمقًا للأدبيات الموجودة المنشورة عن سنجار، تلا ذلك عمل ميداني مكثف في شكل إجراء مسح ومقابلات ومناقشات جماعية مركزة بين سكان سنجار الذين يعيشون في المنطقة والنازحيين. وأشار إلى البحث تضمن أجراء أكثر من 70 مقابلة مع مصادر معلومات رئيسية أجريت في بغداد وإقليم كوردستان ومحافظة نينوى، وعشرة اجتماعات مغلقة مع سكان سنجار من جميع الانتماءات العرقية والدينية. كما ذكر أن مؤسسة ميري أجرت حوارات داخل المجتمعات وبينها لفهم الديناميات الاجتماعية في المنطقة بشكل أفضل. وأكد وريا أنه البحث أضفت إلي العديد من النتائج المثيرة للاهتمام، لكنه ذكر اثنتين على سبيل المثال. أولاً، وفقًا لمعظم المشاركين، فإن تواجد وحضور الدولة (الحكومة) في سنجار ضعيف جدًا في القضاء، ولا يزال مستوى الخدمات ضعيفًا. ثانيًا، أدى غياب الحكومة هذا إلى تسيس الامور، بما في ذلك عملية إعادة إعمار سنجار وعودة النازحين.
وعلى هذه الخلفية، ركز الحوار في هذە الجلسة على التعقيدات البنيوية والإدارية والاجتماعية، منها التعافي والاستقرار في سنجار.
الحوكمة المشتتة والتحديات السياسية
أقر المحافظ الدخيل بالتحديات طويلة الأمد التي تواجه سنجار، مشيرًا إلى ضعف حضور الدولة والمشهد السياسي المحلي المجزأ في مجلس محافظة نينوى. وقد أدى هذا الفراغ والتفتت إلى تفاقم تسييس إعادة إعمار سنجار ومحنة شعبها. وأشار الدخيل إلى أن الأحزاب السياسية غالبًا ما تستخدم معاناة سنجار كأداة لأجنداتها الخاصة، مما يؤخر اتخاذ إجراءات ذات معنى. وأكد على الحاجة إلى هيكل إداري قوي وموحد لاستعادة الاستقرار، محذراً في الوقت نفسه من أن التعقيدات السياسية في المنطقة تتطلب بناء توافقات بين أصحاب المصلحة. وحدد المحافظ تشتت الكتل السياسية كعقبة كبيرة أمام الحكم الفعال. وقد أدى تعدد المصالح داخل مجلس محافظة نينوى إلى شلل عملية صنع القرار، وخاصة فيما يتعلق بسنجار. وشدد على الحاجة إلى خارطة طريق قائمة على الإجماع، تهدف إلى تحقيق الاستقرار في محافظة نينوى بأكملها من خلال حلول تعاونية.
الجهود نحو إعادة الإعمار
حدد الدخيل العديد من العمليات التي تهدف إلى معالجة احتياجات إعادة الإعمار الهائلة في سنجار. وسلط الضوء على التقدم المحرز في ملكية الممتلكات والاراضى، ومطالبات التعويض، وتحسينات في قطاع الصحة. على سبيل المثال، تم البدء في ترميم قرية كوجو – رمز معاناة الأيزيديين – بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء مستشفيات جديدة وتطوير مشروع مياه نظيفة لجلب المياه من سد الموصل يعكس الجهود المبذولة لتوفير الخدمات الأساسية.
ومع ذلك، أقر الدخيل بأن هذه المبادرات، على الرغم من أهميتها، غير كافية بالنظر إلى حجم الدمار. وأكد على أهمية وضع ميزانية مخصصة لسنجار، مشيرًا إلى أن 40٪ من المبلغ المخصص للمنطقة من صندوق إعادة الإعمار والبالغ قيمتها ب 150 مليار دينار هي خطوة أولية ولكنها غير كافية. وحث على المزيد من المشاركة الدولية لدعم هذه الجهود. لا شك آنه لا تزال أجزاء كبيرة من سنجار في حالة خراب بينما لا بات جزء كبير من سكانها في حالة نزوح رغم مضي أكثر من عشر سنوات من الأزمة. وفي حين أنه من الصحيح أن الأموال الحكومية قد خصصت للتعويض عن الأضرار والخسائر التي تكبدتها خلال الحرب، فإن العديد من سكان سنجار يجدون صعوبة في التقديم بطلب التعويض نظرًا للبيروقراطية الثقيلة التي تأتي مع الطلب. ونتيجة لذلك، لم يتلق الكثيرون تعويضاتهم.
التعليم والتوظيف والأمن والتماسك الاجتماعي
ذكر الدخيل أنه في قطاع التعليم، تم إحراز تقدم في تخصيص درجات وضيفية في سلك التربية فى سنجار ومخيمات اللاجئين في دهوك. ومع ذلك، أقر المحافظ بأن الاحتياجات تفوق بكثير الموارد المتاحة. وشدد المحافظ على أهمية خلق فرص عمل لليزيديين لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. كما تم ذكر نشر التعيينات في الشرطة في قصبة سنجار وسنوني والقحطانية كجزء من اتفاقية سنجار كخطوة نحو ضمان الأمن وإعادة بناء الثقة في الحكم المحلي.
ورغم هذا، لا يزال الوضع الأمني في سنجار محفوفًا بالمخاطر، ومعقدًا بسبب وجود حزب العمال الكردستاني، وهي منظمة محظورة بقرار حكومي، حسب قول المحافظ. وشدد المحافظ على الحاجة إلى تنسيق الجهود من قبل الحكومة العراقية والسلطات المحلية وأصحاب المصلحة الدوليين لمعالجة هذه التحديات الأمنية. ودعا إلى إنفاذ سيادة القانون، وخاصة تقديم مرتكبي الإبادة الجماعية الإيزيدية إلى العدالة، كوسيلة لاستعادة حقوق الإنسان والثقة بين المجتمعات السنجارية.
تكرر موضوعة التماسك الاجتماعي مرات عديدة خلال النقاش. أقر الدخيل بالعلاقات المتوترة بين الإيزيديين والمجتمعات الأخرى في سنجار، والتي تفاقمت بسبب مشاركة بعض جيران الإيزيديين من المجتمع العربي المسلم في الفظائع التي إرتكبتها داعش. وأكد أن مسؤولية تحديد هوية هؤلاء الجناة ومحاسبتهم تقع على عاتق الحكومات الفيدرالية والمحلية، وليس الإيزيديين. ودعا إلى عملية تقودها مجتمعات غير إيزيدية للكشف عن المتواطئين في الإبادة الجماعية، بتيسير من المحاكم العراقية وبدعم من المنظمات الدولية. هذا الامر كان ولا يزال مطلبًا مهما من قبل المجتمع الإيزيدي، إلا أن تحقيقه يبقى موضع جدل، حيث تؤكد المجتمع العربي أنه قد تحقق، بينما يصر الإيزيديون على عكس ذلك. وبغض النظر عن الموقف، فإنه على السلطات العراقية تقديم توضيح. الواضح في هذا السياق هو أن الثقة المجتمعية بين المكونين تبقى هشة ومشحونة بالخوف والحذر.
إعادة بناء الثقة وضمانات لليزيديين
كان أحد المخاوف الرئيسية التي أثارها المحافظ هو الافتقار إلى الضمانات للمجتمع اليزيدي فيما يتعلق بسلامتهم ومستقبلهم. وعلى الرغم من الإصلاحات الجارية، فقد اعترف بأن اليزيدين لم يتلقوا بعد ضمانات ملموسة بأن حقوقهم ستكون محمية وأن مثل هذه الفظائع التي ارتكبت ضدهم لن تتكرر. وشدد على الحاجة إلى رسالة واضحة من كل من الحكومة العراقية والمجتمع الدولي تؤكد التزامهما بأمن اليزيديين وكرامتهم وإعادة دمجهم.
وأكدت الملاحظات الختامية للدخيل على أهمية المضي قدمًا مع معالجة الأخطاء الماضية. ويجب الاعتراف بالجروح العميقة التي أحدثتها الإبادة الجماعية ويجب التركيز بشكل عاجل على إعادة البناء والشفاء. ويجب أن يشمل ذلك الاهتمام احتياجات ومظالم العرب والأكراد والشيعة الذين ينتمون إلى سنجار أيضًا. وأعرب المحافظ عن أمله في أن تصبح سنجار من خلال العمل على المساءلة القضائية وتطوير البنية التحتية والإصلاح الاجتماعي، نموذجًا للاستقرار والمرونة داخل نينوى
ملتقى ميري 2024
سنجار: إعادة الإعمار، التعافي وعودة النازحين