يعد إستعمال العنف الجنسي ضد المرأة في أتون الحرب والصراعات أحد أبشع الخروقات المكبوتة طوال التأريخ. وحتی في زمننا هذا، يبدوا الأمر مغلفا بغض النظر والإهمال، بالرغم من الضجة الدوية التي أحدثتها القضية في السنوات الأخيرة. وفي واقع الحال، فإن العنف ضد المرأة في الصراعات، قد تصاعد بشکل متزايد بحيث وصل إلی حدود قياسية وفي مصاف الأوبئة، وأحتل جزءا بارزا من إفرازات العمليات الحربية في صراعات عدة.
إن حالات الإغتصاب والعنف الجنسي خلال الصراعات توجه في أغلب الحالات لإظهار نوع من التبجج في إرعاب السکان وتدمير بنية العوائل، وفي بعض الأحيان، لتغيير الترکيبة العرقية للأجيال القادمة. وفي أحيان أخری، يستعمل الإغتصاب بشكل عمدي لإصابة النساء بعدوی الإيدز ومنعهن من الحمل وإنجاب الأطفال نكاية بمجتمعهن، أو بالعکس، إجبارهن علی الحمل القسري لجعلهن الوسيط البيولوجي لنقل إثنية الرجال الفاعلين. كما أنهن غالبا ما يتعرضن إلی الإغتصاب خلال الصراعات، نكاية بأقاريبهن وذويهن من الذكور وإذلالا لهم، وهذا يشمل في المقام الأول أزواجهن وعوائلهن، وهكذا فإن التقارير تتوالی الواحدة تلوا الأخری بشأن النساء اللاتي تعرضن إلی الإغتصاب والتعذيب أمام بعولتهن وحتی أمام أولادهن وأطفالهن.
في شهر آب/أغسطس ٢٠١٥، حذر مجلس الأمن التابع للأم المتحدة من أن العنف الجنسي يمارس العراق وسوريا کخطة مدبرة ومقصودة، و عد الأعمال المرتكبة في هذا السياق بمثابة جرائم حرب، مبينا أن داعش علی وجه خاص، قد “أحل الإغتصاب بفتوی دينية” بما في ذلك ممارسة الإستعباد الجنسي. لكن هذا النوع من العنف بحق المرأة ليست حالة فريدة ن نوعها
والملاحظ، أن كل حالة لها کيفتها الخاصة، لذا يجب، وهنا النقطة الأهم- أن نلجأ إلی طريقة التحليل التداخلي المشترك ونتجنب التعميم. وعلی أي حال، تقديرات الأمم المتحدة هي كالآتي:
- في رواندا تعرض ما يربو علی (٥٠٠٠٠٠) إمرأة للإغتصاب خلال عمليات الإبادة الجماعيةالتي نفذت هناك عام ١٩٩٤ في الأعمال التي عرفت ب” إغتصابات الإبادة الجماعية.”
- في سيراليون تعرضت (٦٠٠٠٠) إمرأة إلی الإغتصاب خلال الحرب الأهلية التي أستغرقت الفترة (١٩٩١-٢٠٠٢).
- في ليبيريا (٤٠٠٠٠) إمرأة أغتصبن وتعرضن إلی تشويه الأعضاء في فترة (١٩٨٩-٢٠٠٣).
- في البوسنة بأوروبا (٦٠٠٠٠) إمرأة تعرضت للإغتصاب (١٩٩٢-١٩٩٥)
- في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكثر من (٢٠٠٠٠٠) أمرأة أختصبن خلال عقد من الصراع الدائر هناك.
- تم الكشف عن أعمال كبيرة من العنف الجنسي في الصراعات الخفية (إي الصراعات السابقة في ميانمار و الجزائر).
النساء اللاتي تعرض للعنف في تلك البلدان قدمن بشجاعة خلال التحقيقات والمحاكمات التي جرت لاحقا، أدلة قوية بشأن حالات الإغتصاب التي تعرضن إليها في جمهورية الكونغو الديمقراطية وسائر البلدان وظهرن في بعض تلك المحاكمات متنكرات تماما خشية أن يكون القائمون بإغتصابهن من بين الحضور في قاعة المحكمة.
وفيما يخص ممارسة الإستعباد الجنسي، فإن داعش ليست وحدها القائمة بهذا الفعل الشنيع (بالرغم من أنهم يتميزون عن أقرانهم بأنهم ليس فقط لم يشعروا بالخجل والحرج من ممارسته، بل إنهم عملوا علی تعميمه). وهناك دلائل علی إرتكاب الإستعباد الجنسي في گواتيمالا بأمريكا الوسطی في الثمانينات وفي الحرب الأخيرة في جنوب السودان، وفي التشاد، حيث ذکر الضحايا في محاكمات جرت للإستماع إلی إفاداتهن في السودان في تشرين الأول ٢٠١٥ بأنه في الثمانينات وفي عهد الدكتاتور الحاكم آنذاك قام الجيش التشادي بإستعبادهن جنسيا بما في ذلك فتيات صغيرات في عمر ال(١٣)عام، وإنه تم إجبار بنات جنسهن وإخواتهن علی مشاهدة العمليات وهي تتكرر مرات ومرات، وقد أيدت نساء أخريات حضرن تلك الوقائع ما أدلين به.
وثمة حالة أخری جديرة بالإشارة، ألا وهي حالة ” نساء المتعة” في اليابان وكوريا في الأربعينات في القرن الماضي، حيث تم إستعمال النساء والفتيات اللائي أختطفن بالقوة من عمليات الإستعباد الجنسي من قبل اليابانيين في الحرب العالمية الثانية وفي البلدان التي تعرضت للهجوم. ولقد أصبح الآن بمستطاع بعض النساء الإعلان عنما حدث بعد مضي سبعين عاما علی الحدث بالرغم من أنهن أصبحن علی أعتاب السنين الأخيرة في أعمارهن. لقد كسرن بجرأة الصمت الطويل متحدثات عن الجرائم المروعة التي أرتكبت بحقهن.
يبدو أن العنف الجنسي سيستمر حتی في الفترة مابعد إنتهاء الصراعات، فرجال كثيرون تكيفوا نفسيا مع ممارسة العنف. وتظهر جميع الدراسات أن هناك زيادة في العنف علی خلفيات تعود إلی جنس الإنسان وإنعكاسات ذلك علی العلاقات العائلية. ويجب أن ندرك أن تداعيات وتأثيرات العنف ستمتد إلی أمد طويل حتی بعد إنتهاء الصراعات، وهي تتمثل في الصدمة والشعور بآثارها لآماد طويلة، الرفض من قبل العوائل والمجتمعات، حالات الحمل المفروضة قسرا، والأطفال الذين سيولدون جراء عمليات الإغتصاب، والموقف الرافض ازاء هٶلاء الأطفال، والأمراض الإنتقالية بما فيها الإيدز، الإنتحار أو الإنتحار الإجباري (تحت ضغط الأزواج أو أفراد من المجتمع) وإغتصاب نساء نزحن بسبب الحروب وبقين من دون حماية من الجنس الآخر، بما في ذلك الساكنون في مخيمات اللاجئين.
وهكذا فإن الصراعات والعدوان الأصولي المتطرف، كما نراها في هذه المنطقة، يميلا نحو إنتاج موجات تطرف أشد لهيبا وأكثر عنفوانا، وهما يٶثران سلبا علی العلاقات الداخلية للعوائل. ولهذا فإن مأساة الحرب ستمتد إلی النهاية- کما في جميع حالات اللاعدالة الأخری- مستهدفة جسد المرأة من بين أشياء أخری
إن البيانات الموجعة للروح والفٶاد الذي إطلع عليها الباحثون من خلال تقارير الأمم المتحدة وهيئة مراقبة حقوق الإنسان تضمنت حالات مرعبة تقشعر بهولها الأبدان. أرحام مزقت بالرصاص، أعضاء تناسلية للنساء قطعت إربا إربا بقطع الزجاج والسكاكين، نساء حوامل تعرضن للضرب الوحشي حتی الإسقاط، حالات إغتصاب جماعية ومعسكرات خاصة أقيـمت لأغراض ممارسة الإغتصاب فيها حيث تنتقل النساء فيها من يد إلی يد بيعا بين الرجال. وتختتم بعثة الأمم المتحدة قائلة ” لقد رأينا أثارا للممارسات الوحشية التي كانت من الفظاظة بحيث أن الموت بدا للبعض من الضحايا ولأسباب معينة أفضل من البقاء علی قيد الحياة بكثير.”
وتتضمن جهود مساعي المجتمع الدولي لمحاربة العنف الجنسي في زمن الحروب أعمالا جريئا نفذت علی مدی سنوات عديدة وعلی يد ناشطين تمخضت أخيرا عن القبول العالمي الواسع بأن الإغتصاب هو شكل من أشكال جرائم الحرب، وكذلك تبني عدة آليات عالمية، ومن أهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٣٥٢، الذي صدر قبل (١٥) عاما (وقرارات لاحقة لها). وفي ظلال هذه القرارات الدولية، تشكل ا”لإطار العالمي للسلام والأمن للنساء” مع التأكيد علی مشاركة الناجيات والناشطات في تثبيت الحلول والمعالجات. إن هذه الإجراءات الدولية تتميز بالحيوية والتأثير الإيجابي، حتی ولوكان ذلك علی مستوی البيانات اللفظية والبلاغية، مع ملاحظة أن هذه المواقف تعرضت للنقد بسبب كونها تتسم بالفوقية ومبدأ الأبوية المفتقرة إلی التطبيق الفعلي فضلا عن غياب التمويل المالي الكافي.
بطبيعة الحال، النساء لسن ضحايا فقط، بل أن بوسعهن أن يتحولن إلی القوة المركزية في النضال من أجل السلام كمقاتلات (كاالبيشمرگة النساء البطلات) وكذلك کبناة سلام (جائزة نوبل للسلام لعام ٢٠١١ أعطيت لثلاثة نساء من بناة السلام في ليبيريا واليمن). وتختتم بعثة الأمم المتحدة قائلة ” في كل قارة، في معسكرات اللاجئين، في البارات والحانات، في أماكن الدعارة والسجون، تحدثت النساء الناجيات لنا عن كفاحهن من أجل الشفاء من آثار العنف والآلام النفسية التي تحملنها، إنه من المستحيل أن يتلمس المرء بالكامل ضخامة العذاب الذي تحملنه في حياتهن، لكننا مع كل ذلك وجدنا شيئا آخر، قابلنا نساء قد تجاوزن الكارثة الكبری وتميزن بالشجاعة والإرادة الصلبة وقررن أن يبدأن حياة جديدة ويشقن سبلها ويمضين في غمارها ويساهمن في بناء المجتمع
بلا شك، إن صورة العنف الجنسي خلال الصراعات ليست أحادية المرآی، إنه بوسع النساء –والأهالي- أن ينتصروا في المعركة ضد هذه الممارسات البربرية، حتی وإن كانت العذاب والفظاعات التي عانوها تشكل جرائم هي من مصاف أقسی وأوحش ما أرتکب ضد الإنسانية علی طول التأريخ.
إن المرأة بحيويتها وقابليتها الفذة علی تحمل الصعاب والتکيف معها وروحها الإنسانية العالية، كفيلة أن تضمن لنفسها الإنتصار في أحيان كثيرة.