Back

إقليم كردستان: بناء الوطن وبناء الدولة

إقلیم كوردستان العراق بعد الانتخابات: الإستراتیجیات والمسارات

  • مسرور بارزانی، رئیس مجلس الوزراء في حكومة إقلیم كوردستان العراق
  • دلاور علاء الدين، رئیس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (المحاور)

في حوار سياساتي صريح ومثير للتفكير، تناول رئيس وزراء حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني ورئيس مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث دلاور علاءالدين مجموعة واسعة من القضايا المهمة. وقد قدمت مناقشتهما رؤى نادرة حول المشهد السياسي المتطور في المنطقة، وتناولا مواضيع رئيسية مثل الحكم والديمقراطية والتنمية الاقتصادية والعلاقات مع بغداد والمشاركة الإقليمية الأوسع. وقد ألقى التبادل الضوء على التحديات الملحة والفرص الواعدة التي تشكل مستقبل كردستان”

الانتخابات الأخيرة

لقد شهدت الانتخابات الأخيرة في إقليم كوردستان العراق إقبالاً مذهلاً من الناخبين تجاوز 70%، على الرغم من التأخير المطول. وقال علاءالدين أن هذه المشاركة العالية تجاوزت التوقعات، لكنه أكد أن التحدي الحقيقي للأحزاب الحاكمة يكمن في تعزيز التماسك السياسي وترجمة النتائج إلى حكومة قوية ومستقرة.

وأقر رئيس الوزراء مسرور بارزاني بالمخاوف بشأن العملية الانتخابية، وخاصة تأثير الكيانات السياسية على القوانين الانتخابية وآليات الرقابة. وأشار إلى العوامل الرئيسية وراء التأخير، بما في ذلك المطالبات بتغييرات في القانون الانتخابي، وإلغاء مقاعد الحصص، والدعوات إلى الإشراف الخارجي من بغداد. وعلى الرغم من هذه التحديات، أكد بارزاني أن المراقبين الدوليين اعتبروا الانتخابات نظيفة وشفافة، مما يعزز الحاجة إلى احترام جميع الأطراف لإرادة الناخبين ودعمها.

الحوكمة والوحدة الوطنية بعد الانتخابات

انتقل النقاش إلى الحكم بعد الانتخابات. وأكد علاءالدين أن ارتفاع نسبة الإقبال على التصويت يعكس الثقة العامة ولكنه لا يزيل المظالم أو التوقعات. وحث على الحاجة إلى الوحدة والاستقرار والترابط الإقليمي الداخلي لمنع نقاط الضعف الناجمة عن الصدمات الداخلية أو الخارجية. وتشكيل حكومة متماسكة وتطلعية بخطة واضحة مدتها أربع سنوات أمر مهم.

وأقر رئيس الوزراء بارزاني بأن نجاح العملية الانتخابية كان جهدًا جماعيًا، وأشاد بجميع الأحزاب المشاركة وأنصارها. وأكد أنه في حين توقع البعض نتائج مختلفة، فإن نتائج الانتخابات أثبتت خطأهم وعكست الإرادة الحقيقية لشعب إقليم كوردستان العراق. ورفض محاولات تشويه سمعة العملية وأكد أن الناخبين عبروا بوضوح عن تفضيلهم للمستقبل. وتعهد بارزاني بالوفاء بوعود الحزب والعمل جنبًا إلى جنب مع الآخرين لبناء كوردستان مستقرة وتقدمية ومزدهرة.

وقد أدت الانقسامات داخل الأحزاب السياسية والافتقار إلى مأسسة عملية صنع القرار تاريخيًا إلى الشلل الإداري، مما منع تنفيذ السياسات الفعالة. ودعا علاءالدين الجهات السياسية الفاعلة إلى وضع المظالم الماضية جانباً والعمل نحو رؤية جماعية لتعزيز الأسس المؤسسية وتحسين الاستقرار الاقتصادي وتعزيز بيئة الاستثمار. ومفتاح هذه الرؤية هو تطوير البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والأماكن العامة، والتي وصفها بأنها ضرورية لبناء الوطن والنمو الاقتصادي. واستشهد بالإعلان الحكومي الأخير عن مشروع يربط كويا بإربيل، وأعرب عن أمله في المزيد من الاتصال الإقليمي وإزالة الحواجز مثل نقطة تفتيش ديگەلە.

وأكد رئيس الوزراء بارزاني أن الحكومة التاسعة، بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وشركائه، عملت بجد لتعزيز جهود بناء الأمة، وخاصة في البنية التحتية والتحول الرقمي والتنويع الاقتصادي. وسلط الضوء على التقدم الكبير في الخدمات العامة، بما في ذلك الرعاية الصحية والحوكمة، على الرغم من التحديات والعقبات التي تحول دون تنفيذ البرامج الحكومية. وكان أحد الإنجازات الرئيسية إنشاء مركز بيانات متقدم لتعزيز عملية صنع القرار على أساس معلومات دقيقة.

التنمية الاقتصادية ومناخ الاستثمار

كان أحد أهم المواضيع التي تمت مناقشتها هو التنمية الاقتصادية والاستثمار. وتم تسليط الضوء على ضرورة بناء بيئة استثمارية داخلية قوية مع جذب المستثمرين الأجانب في نفس الوقت. ووصفت مشاريع البنية التحتية الاقتصادية بأنها حيوية لربط جميع أنحاء كوردستان وتعزيز مؤسسات الحكم. وتم تقديم العديد من الإنجازات في التحول الرقمي والتنويع الاقتصادي وتحسين البنية التحتية المصرفية، بما في ذلك زيادة معدل التعافي الاقتصادي من 1.8٪ إلى 8٪. ومع ذلك، أثيرت مخاوف بشأن الفساد والاحتكار، والتي تعتبر عقبات رئيسية أمام الاستثمار.

واتفق رئيس الوزراء بارزاني على أن الافتقار إلى قطاع مصرفي متطور بالكامل يشكل عائقًا رئيسيًا أمام النمو الاقتصادي. إن الاعتماد الكبير على المعاملات النقدية حد من الشفافية المالية ويثبط الاستثمار المباشر الأجنبي. إن الجهود المبذولة لإنشاء بنية تحتية مصرفية حديثة، بما في ذلك الخدمات المصرفية الرقمية وإصلاحات التنظيم المالي، هي خطوات أساسية نحو التوسع الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، يجب إصلاح اللوائح الاقتصادية وتبسيطها لتوفير بيئة مستقرة لنمو القطاع الخاص في إقليم كوردستان العراق، وضمان حصول رواد الأعمال والشركات الصغيرة على الدعم بدلاً من إعاقتهم بالتدخلات البيروقراطية والسياسية وانعدام الكفاءة.

إن الاعتماد الحالي على المعاملات النقدية في النظام المصرفي في كوردستان يشكل عقبة رئيسية، حيث تتحول الأنظمة المالية العالمية نحو المعاملات الرقمية والائتمان المصرفي. ولمعالجة هذه المشكلة، تم تقديم مشروع “حسابي” كأداة لتمكين كل مواطن من الحصول على حساب مصرفي شخصي، وضمان الاستقلال المالي والحد من الاعتماد على المحسوبية السياسية. كان هذا المشروع نقطة خلاف ليس فقط بين بغداد وأربيل، بل وأيضًا داخل إقليم كوردستان العراق. كما أشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تتخذ خطوات لمعالجة القضايا الحرجة مثل نقص الكهرباء والمياه من خلال تدابير عملية. ومع ذلك، فإن التحقيق الفعلي والتأثير الملموس لهذه الجهود لا يزال يتعين رؤيته. وبصرف النظر عن الحاجة الملحة لمكافحة الفساد في هذه القطاعات، فمن الأهمية بمكان إشراك الشباب المتزايدين وخلق فرص عمل متساوية لتلبية المطالب المتزايدة. مما لا شك فيه أن هذه العمليات تتطلب، قبل كل شيء، إرادة سياسية قوية وتفانيًا مستدامًا لتعزيز البنية التحتية ووضع الأساس للتقدم في المستقبل. وفي هذا السياق، قدم رئيس الوزراء برنامج النمو، وهي مبادرة تهدف إلى دعم رواد الأعمال الشباب من خلال تقديم منح حكومية لمساعدتهم على بدء وتوسيع نطاق الأعمال التجارية، كمثال لتعزيز نمو القطاع الخاص ومحرك مهم للتقدم الاقتصادي.

الاحتكار والعدالة الاقتصادية

لقد نشأ نقاش حول مدى الاحتكارات داخل إقليم كردستان. وقال دلاور علاءالدين أن الاحتكار لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا مقارنة بالممارسات الاحتكارية التاريخية في الاقتصادات الصناعية المبكرة. واقترح أن التشريع المناسب ضروري لمنع الاحتكار وضمان العدالة الاقتصادية. وربط علاءالدين هذا بالاستثمار، وأشار إلى أنه في حين أن كوردستان في وضع أفضل من بقية العراق للاستثمار، فإن الشركات الأجنبية، وخاصة الشركات الأوروبية والتركية، لا تزال مترددة في الاستثمار بشكل مباشر بسبب المخاوف الأمنية والعقبات البيروقراطية، والأهم من ذلك الفساد. وبطبيعة الحال، يسعى المستثمرون إلى ضمانات طويلة الأجل قبل الالتزام بمواردهم. ويسعى إقليم كوردستان العراق إلى تعزيز أطر الاستثمار القانونية القوية، لكنها لم تُنفذ بشكل فعال بعد.

ومع ذلك، قدم رئيس الوزراء حججًا مضادة مفادها أن السوق الحرة في إقليم كوردستان العراق تسمح بالمنافسة وأن بعض الكيانات تنجح بشكل طبيعي بسبب الخبرة والقدرات. وعلى الرغم من الاختلافات في المنظور، كان هناك إجماع على الحاجة إلى قدر أكبر من العدالة الاقتصادية والإشراف التنظيمي لمنع الاحتكار.

توحيد قوات البيشمركة

لقد خضع توحيد قوات البيشمركة للحوار أيضًا خلال الجلسة. وأشار دلاور علاءالدين إلى أنه على الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في توحيد بعض وحدات البيشمركة – بفضل الجهود المبذولة من قبل التحالف الدولي – فإن الوحدتين 70 و 80 لا تزالان تعملان بشكل مستقل إلى حد كبير، خارج قيادة وسيطرة وزارة البيشمركة. كانت الدعوة إلى التوحيد بمثابة رسالة رئيسية أثناء الانتخابات، ومع ذلك، فإن ترجمة هذا الالتزام إلى عمل ملموس أمر مشكوك فيه. هناك حاجة إلى الوضوح بشأن استراتيجية الحكومة لدمج هذه القوات بالكامل وضمان عمل البيشمركة كمؤسسة عسكرية وطنية واحدة متماسكة.

كان رئيس الوزراء بارزاني يرى أن قوات البيشمركة هي مصدر فخر لكل كردستان، معترفاً بمساهمات كل جندي بغض النظر عن الانتماء السياسي. وأكد أنه في حين أن الوحدتين 70 و80 قد تكونان مرتبطتين سياسياً، فإن أفرادهما قدموا تضحيات كبيرة في الدفاع عن كردستان. وجادل بأن الميول السياسية لا ينبغي أن تحدد ما إذا كانت القوة تعتبر وطنية، طالما أن غرضها يظل حماية البلاد. وقد تم تحديد مبادرتين رئيسيتين في المناقشة: أولاً، إنشاء نظام محاسبة مشترك، يضمن إدارة جميع رواتب البيشمركة مركزياً من قبل الوزارة؛ وثانياً، إعادة هيكلة الإطار التنظيمي بحيث تعمل جميع الوحدات تحت قيادة موحدة. وأكد بارزاني أن القرارات العسكرية يجب أن تكون مؤسسية وليس حزبية، محذراً من إنشاء مجموعات مسلحة منفصلة لمصالح سياسية أو شخصية. وفي النهاية، أكد أن الحكومة وحدها يجب أن تمتلك السلطة على هيكل وتنظيم البيشمركة، وضمان تنظيم السلطة بالقانون وعدم التلاعب بها لتحقيق مصلحة حزبية. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرز في توحيد قوات البيشمركة، فإن المرحلة التالية تتضمن إعادة هيكلة القوات المتبقية إلى ألوية وفرق تحت إشراف وزارة البيشمركة، وفقًا لرئيس الوزراء بارزاني. وبينما تستمر العملية، أعرب عن رغبته القوية في الانتهاء منها في أقرب وقت ممكن، ومن الأفضل أن يكون ذلك قبل الموعد المحدد بأربع سنوات. وأكد التزامه بضمان تحقيق التوحيد بالكامل دون تأخير.

تنبع التحديات في توحيد البيشمركة من الانقسامات السياسية الراسخة. فقد حافظت الأحزاب السياسية تاريخيًا على وحدات مسلحة مستقلة، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان من الممكن تحقيق التكامل الكامل دون ضغوط خارجية. وقد لوحظ أنه يجب أن يكون الاستقلال المالي وتوزيع الرواتب مركزيًا داخل وزارة البيشمركة لمنع التأثير السياسي غير المبرر على القوات. كما تمت مناقشة تعزيز سلسلة القيادة وضمان برنامج تدريب موحد لجميع الوحدات كخطوات ضرورية نحو إضفاء الطابع المهني على الهيكل العسكري.

العلاقات مع بغداد

أكد النقاش على ضرورة إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات مع بغداد وإقامة شراكة حقيقية بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، واجهت الجهود الرامية إلى دمج حكومة إقليم كوردستان في هيكل الحكم في العراق تحديات، حيث لم تحتضن بغداد الأكراد بشكل كامل ولم تعترف بهم كشركاء متساوين. وفي حين يشغل الأكراد مناصب سياسية رفيعة المستوى، فإنهم لم يتمكنوا من تدوين وإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات، وبالتالي تظل القضايا الرئيسية مثل المادة 140، والنزاعات حول الرواتب، وتخصيص الموارد دون حل.

إن التصور في بغداد بأن حكومة إقليم كوردستان تأخذ أكثر مما تستحقه لا يزال يوتر العلاقات، في حين لم تمكن بغداد كوردستان من العمل ككيان مؤسسي بالكامل داخل العراق. وعلى الرغم من هذه التوترات، فقد اقترح أن تتبنى حكومة إقليم كوردستان نهجًا استباقيًا من خلال تقسيم العلاقة إلى قضايا محددة يمكن حلها بشكل مستقل بدلاً من معالجة جميع المخاوف دفعة واحدة. وأثير السؤال حول كيفية سد الفجوات الرئيسية على مدى السنوات الأربع المقبلة لإقامة علاقة مستقرة ومؤسسية بين الحكومتين، والتحرك إلى ما هو أبعد من معاملة بغداد غير المتساوية للمجتمعات المختلفة.

أعرب رئيس الوزراء بارزاني عن تفاؤله بشأن الحالة الحالية للعلاقات بين بغداد وأربيل، مشيراً إلى أن العديد من المفاهيم الخاطئة السابقة قد تم حلها. وأكد على الحاجة إلى علاقة متجذرة في الدستور العراقي، وضمان المعاملة المتساوية وعدم التمييز في تنفيذه. وبينما أقر بأن البعض لا يزال متمسكاً بعقلية المركزية، أكد على أهمية الجهود المستمرة لتعزيز الفيدرالية الحقيقية والحكم الديمقراطي في العراق.

ومن التحديات الرئيسية الحالية قضية الرواتب، التي عملت حكومة إقليم كوردستان باستمرار على معالجتها من خلال المفاوضات مع بغداد. وأكد أن وفود حكومة إقليم كوردستان قدمت تنازلات تتجاوز حقوقها الدستورية لإظهار حسن النية وتعزيز الوحدة الوطنية. ومع ذلك، حث بغداد على ضمان المعاملة المتساوية لجميع المواطنين العراقيين، بحجة أن السياسات الاقتصادية العادلة من شأنها أن تشجع المواطنين الأكراد على الشعور بمزيد من التكامل داخل العراق.

وعلى الرغم من الاختلافات التاريخية، أكد رئيس الوزراء بارزاني على الجهود المبذولة للحد من الانقسامات وبناء أرضية مشتركة مع بغداد. وأعرب عن ثقته في استعداد الحكومة الفيدرالية الحالية لمعالجة القضايا القديمة وأعرب عن أمله في أن يتمكن الجانبان من خلال تعزيز التعاون من تطوير استراتيجيات للتقدم والاستقرار الوطني.

دور كوردستان في الاستقرار الإقليمي

وأخيرًا، تطرق النقاش إلى دور إقليم كوردستان في المشهد الجيوسياسي الأوسع في الشرق الأوسط. وكان التفاهم على أنه لا يمكن حل أي مشكلة من خلال الحرب وأن الصراعات الإقليمية لا ينبغي أن تتشابك مع إقليم كوردستان العراق. وبدلاً من ذلك، تم تشجيع العراق على لعب دور دبلوماسي في تعزيز السلام والحوار. ويمكن القيام بذلك من خلال تجنب تحول العراق إلى ساحة للصراعات الخارجية مع التركيز على التنمية والتعليم والازدهار الاقتصادي.

يمكنكم مشاهدة النص الكامل والفيديو باللغة الكردية هنا.

ملتقی الشرق الأوسط 2024

مستقبل سوريا: آفاق السلام و إعادة البناء

الجلسة 5

29 تشرین الأول/إكتوبر 2024

Comments are closed.