“في مراكز الدِراسات، كثيراً ما يتم التساؤل عن مُستقبل الشرق الأوسط!!، وعادة ما يتضمن هذا السؤال الجوهري سؤالين مُركبين: ما دور إيران في مُستقبل الشرق الأوسط هذا، وما موقعها، وما دور المسألة الكوردية ومُستقبلها. وهذان المدخلان يُعتبران العاملين الأكثر أهمية وحيوية في الوقت الراهن”. جاء ذلك في ورشة العمل النقاشية لسكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني-إيران خالد عزيزي، التي عُقدت في مقر مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث (ميري) في اربيل، والتي تناولت واقع إيران السياسي والمُجتمي، وأحوال المسألة الكوردية في إيران، وآخر المُستجدات بشأنها، وتأثيرها على تحولات المسألة الكوردية في باقي الدول. بحضور عدد من الشخصيات السياسية والبحثية.
إذ يبدو واضحاً كيف أن إيران كقوة عسكرية وسياسية وإيدلوجية، لها تقريباً دور ونفوذ في جميع دول المنطقة، وثمة دول تُقاد من إيران بشكل ما أو آخر. ومقابل هذا النفوذ الإيراني المُعترف به من قِبل جميع الفاعلين الرئيسيين، بما في ذلك الدول الكُبرى، مقابل ذلك فأنه ثمة مسألتين بالغتي الفاعلية، تتعلق الأولى بتحول مسألة مُحاربة داعش وباقي التنظيمات الأرهابية إلى عامل مركزي في علاقة القوى الكُبرى وأدوارها مع المنطقة، الثاني مُتعلق بتحول الكُرد إلى عامل في منطقة الشرق الأوسط. يحدث ذلك بعد سنوات طويلة كانت القضية الفلسطينية فحسب تُعتبر مركزية بالنسبة لمراكز الدراسات وصُناع السياسيات في العالم، واشكال تعاملهم مع منطقة الشرق الأوسط.
ضمن هذه اللوحة العامة تتطور المسألة الكوردية في إيران، فهي جزء من تحولات الحالة الداخلية الإيرانية، وأشكال ومستويات “الصِراع” ضمن النُخبة السياسية الإيرانية الحاكمة وما يُمكن للأكراد أن يساهموا و”يستفيدوا” من تلك التفاعلات، وفي مستوى آخر ضمن أشكال الحروب والصراعات العنيفة في المنطقة. وضمن ذلك فأنه أمام الأكراد واحد من سياقين:
فأما أن تؤدي الحرب الراهنة في مواجهة داعش إلى انفراج عام في المنطقة، وأن تنتبه القوى الكُبرى إلى الدور المركزي للكورد في المنطقة، وبذا تلي أهتماماً بالمسألة الكوردية ومحاولة إيجاد حلولٍ موضوعية لها. الحالة الآخرى تكمن في تفاقم الصِراع المفتوح بين السُنة والشيعة في المنطقة، وهو ما يجب أن يدفع الأكراد للمزيد من التحفظ على المُشاركة في هذه الثُنائية المُتحاربة بأي شكل، لأنها لا تملك أي أُفق أو رؤية لمُستقبل المسألة الكوردية.
الخطير في هذه اللوحة العامة، هو أن يتوهم الكورد بأن القوى الدولية مُهتمة ومُركزة على المسألة الكوردية، أو أن أية تحولات دراماتيكية بين إيران والقوى الدولية قد تؤدي إلى حل مُباشر للمسألة الكوردية، وحماية العقل السياسية الكوردي الإيراني من مثل تلك الأوهام هو أداة للتفكير الموضوعي بالمسألة الكوردية. فلا الصراع السياسي البارد بين إيران والقوى الكُبرى أدى إلى حدوث تحول نوعي في أحوال الآكراد في إيران، ونفس الشيء حدث مع توقيع الإتفاق النووي مع هذه الدول الكُبرى. فالشيء الذي قد يفعل ذلك هو حجم وشكل الإصلاح والتطور الذي قد يطال إيران نتيجة أحواله الداخلية، وقُدرة الأحزاب الكوردية الإيرانية على الإئتلاف فيما بينها أولاً، وبالتواصل والبناء مع باقي القوى السياسية الإيرانية.
من جهة أخرى ثمة تفاعل عضوي بين المسألة الكوردية في العراق وتطورها وما يجري في إيران. صحيح أن ليس ثمة تطابق بين ما جرى وما يجب أن يجري في كِلا الحالتين، لأن طبيعة الديموغرافية والتطورات السياسية في كِلا البلدين مُختلفة تماماً، ولأن إيران بشكل دولتها وتاريخها السياسي والثقافي، مُختلفة تماماً عن العراق وعن عموم دول المنطقة، فإيران ليس كياناً سياسياً حديثاً، بل دولة مُمتدة مُنذُ آلاف السنوات. الأمر الآخر كامن في طبيعة قوة إيران ونفوذها الكبير في المنطقة، وهو شيء يجب أن نعترف به ونتعامل معه، فيما لو رغبنا في فهم موضوعي لأحوال الأكراد الإيرانين وما يجب أن يفعلوه راهناً ومُستقبلاً.
من هُنا فأن وجود الأحزاب الكوردية الإيراني في إقليم كوردستان العراق يجب أن لا تكون ورقة ضغط على إقليم كوردستان، أو عاملاً لإثارة القلاق السياسية للإقليم مع دول الإقليم. فالأحزاب الكوردية الإيرانية تملك فقط مقرات في الإقليم، ولو كان مُتاحاً أن يكون لها مقرات في مُدن كوردستان إيران، لكُننا هُناك وتابعنا نشاطنا السياسي والمدني والتنموي مع كُل القوى السياسية الإيرانية الأخرى. فالأحزاب الكوردية الإيرانية تؤمن تماماً بفاعلية ذلك العمل، وكان القاضي محمد –رئيس جمهورية كوردستان في مدينة مهاباد كان قد قبل بالعمل السياسي المدني، فيما ل قبلت السُلطة الحاكمة بأن تكون إيران دولة مدنية ديمقراطية، تؤمن للكورد حقهم بالعمل السياسي المُتساوي مع باقي المكونات الإيرانية.
في هذا الإطار فأن الأحزاب الكوردية لم تفتقد الأمل تماماً في تطور وتحول نمط العمل السياسي في إيران. فالإنتخابات البرلمانية الأخيرة، بالرُغم من عدم ديمقراطيتها، فأنها اثبتت بأنه ثمة أدوات لتفعيل العمل السياسي الداخلي، وأن التحالفات الداخلية يُمكن أن تغدو أداة لإحداث تحولات، ولو طفيفة، في التوازنات والمعادلات الداخلية لإيرانية. والتعويل على هذه الخطوط الداخلية رُغم ضئالة حظوظ نجاحها وخطها الزمني الذي قد يطول، لكنه أفضل من التعويل غير الموضوعي على “سقوط إيران”، أو أية حربٍ لها مع القوى الكُبرى.
بعدها دارت نقاشات مُستفيضة حول كُل ذلك، بين المُحاضر وعشرات المُثقفين والباحثين والسياسيين الحاضرين. وقد تركزت على سبب غياب خُطة مركزية واضحة المعالم لما يجب أن تفعله الحركة القومية الكوردية في إيران، وعن دور الخِلافات بين مُختلف اطراف الحركة القومية، التي تُعتبر من مُعيقات تطورها وقوتها التنظيمية وفاعليتها.
كما أن الرؤية والفعل السياسي الذي جرى بالنسبة للقضية الكوردية في العِراق، لا يُمكن أن يجري ما يُماثلُها في إيران، ليس فقط لإختلاف الكيانين الإيراني والعراقي، بل أيضاً لأنه حتى الراهن لا توجد خارطة جُغرافيا وديموغرافية واضحة نسبياً للأكراد في إيران، ولأن الحركة القومية الكوردية لم تتأسس بمواجهة القوميين الفُرس، بل تأسست مع صعود النزعة القومية الأزرية؛ لذا فأن التركيبة السُكانية الإيرانية المُعقدة، وتطور الجماعات الأهلية ضمنها، هي من الديناميكيات التي تخلق فروقاً جوهرية بين تموضع القضيتين الكورديتين في كُل من إيران والعراق.
على هذا الأساس، وحتى يكون ثمة شيء كوردي مُشترك وغير رومانسي، فأنه من الضرورة أن يُنعقد المؤتمر القومي الكوردي، وأن يتأسس جوهرياً على تجاوز النمط الذي أسسه حزب العُمال الكُوردستاني له من مؤتمرات ومؤسسات على المستوى القومي، والتي لم تُنتج شيئاً يُذكر وذو فاعلية في نهاية المطاف. وأن يعتقد هذا المؤتمر القومي بأن المُنافسة والصِراع بين مُختلف أطراف الحركة القومية الكوردية في مُختلف البُلدان ستبقى مُستمرة، وأن مهمة المؤتمر القومي أنما فتح قنوات التواصل ولغة الحِوار بين مُختلف هذه الجِهات.