Back

حرب أخرى في سنجار: سيف دامقليس

بتأريخ 3 أذار اندلعت اشتباكات بين القوات التابعة لحزب العمال الكوردستاني وقوات بيشمركة روزئافا التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني قرب خاناسور في قضاء شنكال. تشير هذه الأحداث أكثر من اي وقت سابق الى الحاجة الى التوصل إلی  تسويات وحلول توفيقية بين حكومة اقليم كوردستان وحزب العمال الكوردستاني، وكذلك الى ضرورة توسط المجتمعات الدولية بنشاط.

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

 

في صباح يوم الجمعة المصادف 3 أذار اندلعت اشتباكات بين وحدات المقاومة في سنجار والتابعة لحزب العمال الكوردستاني ووحدات بيشمركة روزئافا والتابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني المتمثلة بالكورد السوريين، وذلك في أثناء محاولة الأخير للدخول الى ناحية خاناسور الواقعة في الجهة الشمالية من قضاء شنكال. اندلعت اشتباكات مسلحة طويلة بين الجهتين والتي يُقال أنها أسفرت عن سبعة ضحايا وعدد من الجرحى. أتت هذه الاشتباكات في اليوم الذي تلا انتشار مايقارب من 500 مقاتل من بيشمركة روزئافا في سنوني والتي تخضع للسيطرة المشتركة لحكومة اقليم كوردستان وحزب العمال الكوردستاني، وقد تحركت قوات روژئافا إلى الغرب من المدينة، وذلك في محاولة لدخول مشارف خاناسور التي تخضع لسيطرة حزب العمال الكوردستاني. وحسب ماتُظهر الفيديوهات والصور من مشهد الاشتباكات فقد حفرت الجهتان خنادق. بينما يظل الموقف غير جلياً إلا أنه من الواضح بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني أجرى محاولة لإقامة حضور مسلح في خاناسور. انتهت الاشتباكات في نفس اليوم وكانت هناك مفاوضات بين قادة البيشمركة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني في شنكال لتهدئة الوضع، وحسب مايُقال فقد اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار. ومن المتوقع أن تستمر المحادثات بينهم.

كان قضاء شنكال مصدراً للاحتكاك بين حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ آب 2014 وذلك عندما إنسحبت قوات البيشمركة من مواجهة تقدم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ، الأمر الذي أدی إلی تقدم حزب العمال الكوردستاني بسرعة إلی سنجار لمساعدة اليزيدين. شرع حزب العمال الكوردستاني بعد ذلك في بناء هياكلها السياسية والإدارية في المنطقة، متحدية بذلك سلطات الحزب الديمقراطي الكوردستاني في المنطقة. وفي محاولة لنشر قوات البيشمركة لروزئافا في خاناسور، والتي كانت تحت السيطرة الكاملة لحزب العمال الكوردستاني منذ 2014، علت دعوات مكثفة من حكومة اقليم كوردستان تطلب حزب العمال الكوردستاني سحب قواتها من قضاء شنكال.

الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبيشمركة روزئافا والرابط السوري

تعد قوات بيشمركة روزئافا جزءاً من قوات بيشمركة الزيرفاني، وبالتالي فهي تخضع لوزارة شؤون البيشمركة وبالنهاية الى رئيس اقليم كوردستان. تلقت قوات بيشمركة روزئافا تدريباتها من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والولايات المتحدة وهي مدعومة ايضاً من قبل تركيا. كما تؤكد دراسة باكس من أجل السلام، فإن قوات بيشمركة روزئافا متواجدة بالفعل في الأقضية الشمالية في 2016 ومنتشرة في عدة بقاع على طول الحدود السورية. لم يُسبب هذا الانتشار أية مشاكل رئيسة وذلك لأنهم بقوا غالباً خارج المناطق المسيطرة عليها من قبل حزب العمال الكوردستاني. ومن المستبعد جداً أن يكون قرار دخول خاناسور قد جاء بشكل مستقل من قبل قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني وذلك بالنظر الى خط الأوامر التي تتبعها بيشمركة روزئافا.

ترتبط قوات بيشمركة روزئافا بحزب المعارضة الكوردية وهو المجلس الوطني الكوردي تحت قيادة ابراهيم بيرو الذي لديه علاقات وثيقة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبالتالي فإن هذه القوات تعارض حزب العمال الكوردستاني في سوريا. يتراوح عدد أفراد المقاتلين والمعلن عنه بين 3000-7000 مقاتل. وكانت هناك عدة محاولات قادها الحزب الديمقراطي الكوردستاني للوصول الى اتفاقية لتقاسم السلطة بين المجلس الوطني الكوردي وإدارة روزئافا (حزيران 2012، كانون الأول 2013، تشرين الأول 2014) ولكن لم يتم تحقيق أياً من هذه المحاولات. في الأونة الأخيرة، كانت هناك مفاوضات متجددة حول انتشار قوات بيشمركة روزئافا في سوريا. وحالياً يتواجد رئيس المجلس الوطني الكوردي ابراهيم بيرو في الولايات المتحدة للتفاوض بشأن هذه المسألة. وسابقاً قيل بأن الولايات المتحدة كانت لديها تحفظات بخصوص انتشار قوات بيشمركة روزئافا، وكذلك خوفاً من الاقتتال الداخلي بين القوات التابعة لحزب العمال الكوردستاني التي تدعمها في سوريا وقوات بيشمركة روزئافا. عارضت إدارة روزئافا بطبيعة الحال هكذا خطط وذلك لأنها ستتحدى احتكارها للسلطة في المنطقة. ومن جهة اخرى، صرحت الولايات المتحدة في كانون الأول الماضي بأن حزب العمال الكوردستاني ‘لاينبغي أن يكون له دور في شنكال’، وذلك من دون الاشارة بشكل مباشر الى أعضاءهم المنتسبين. بالأضافة الى ذلك، يأتي هذا الانتشار بعد أيام من زيارة البارزاني لتركيا في 26-27 شباط. تعتبر أنقرة قوات بيشمركة روزئافا قوات صديقة وتنظر لها على أنها قوة موازنة لسيطرة حزب العمال الكوردستاني في شمال سوريا.

إن التنافس بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني (منذ التسعينات) كان وحتى الأن غير عنيفاً وترمز الاشتباكات في خاناسور على انها اولى تجلياتها العنيفة. تشير هذه الأحداث مرة اخرى الى الحاجة الى التوصل إلی حل تفاوضي تنتج  إجراءات سياسية بين حكومة اقليم كوردستان وحزب العمال الكوردستاني حول قضاء شنكال وذلك لأن احتمال وقوع مواجهة عسكرية اخرى بعد داعش يحلق فوق مخيلة الشعب اليزيدي الذي يدعي كل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني بأنهم يحمونهم، وهذا تناقض واضح وصريح . ومع ذلك، فالمنافسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسوريا والتي ترغب فيها الحزب الديمقراطي الكوردستاني أن تتحدى احتكار حزب العمال الكوردستاني، فيما يريد الأخير أن تظل هي القوة الوحيدة.

تواجد حزب العمال الكوردستاني في شنكال: حقيقة جديدة

بدأ حزب العمال الكوردستاني منذ أوائل 2015 ببناء نموذج حكم مشابه لروزئافا  في أجزاء من قضاء شنكال التي تقع تحت سيطرتها. وكما تقترح محادثات المؤلف مع اليزيدين، فإن الكثير من المجتمع اليزيدي يشعر بأنه تم خيانتهم من قبل حكومة إقليم كوردستان التي لم تبذل جهداً كافياً لحمايتهم من الفظائع التي ارتكبتها داعش بحقهم. بالنتيجة فقد وجدت فكرة حزب العمال الكوردستاني عن ‘الحكم الذاتي الديمقراطي’ لقضاء شنكال، والتي يحكم فيها اليزيديون ويدافعون عن أنفسهم، أرضية خصبة. وفي الأجزاء الغربية من القضاء بالأخص، بنى حزب العمال الكوردستاني هياكل لها سمات حکم تتراوح بين مجالس محلية وصولاً الى ‘إدارة الكانتونات’ المتجسدة في المجلس الإداري الذاتي، وحتى انها جندت الاسايش اي القوة الأمنية الداخلية. إن عبارة ‘الشنكال لليزيدين’ تتلقی إقبالاً إيجابياً داخل جزء كبير من السكان ومن حزب العمال الكوردستاني ممن يستخدمون نهج كسب القلوب والعقول بنجاح بدلاً من الإكراه. ومع ذلك، قد تثبت الايدولوجية اليسارية الراديكالية لحزب العمال الكوردستاني عدم توافق متزايد مع المجتمع اليزيدي المحافظ على المدى الطويل.

لقد استثمر حزب العمال الكوردستاني مقدار كبير من الطاقة في سبيل بناء هياكلها في شنكال ومن غير المحتمل انها ستقبل انسحاباً كاملاً من المنطقة. بالإضافة الى ذلك، وكما تقترح مقابلات المؤلف، يبدو أنها تتبع تأسيس قاعدة مستمرة في سلسلة جبال شنكال والتي تُشكل ملجأً أمناً للدفاع تطل على الحدود السورية- العراقية.

منع الحرب؟

وصف قائد حزب العمال الكوردستاني من شنكال، زكي شنكالي، الاشتباكات على أنها ليست ‘اقتتال داخلي’ بل أنها ‘حرب خيانة’. واقترحت قيادة حزب العمال الكوردستاني في بيان لها بأن القتال بدأ بعد زيارة الرئيس البارزاني الى تركيا، كما ووصف شنکالي قوات بيشمركة روزئافا بالوكلاء التركيين وتعهد بالدفاع عن اليزيدين ضدهم. يمكن أن يكون هذا التفسير مقبولاً داخل حزب العمال الكوردستاني ومتعاطفيه إلا انه من الصعب الحفاظ عليه من قبل غالبية السكان الكورد أو المجتمع الدولي. من جهته، يبدو بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني سيبقی متمسكاً بخطاب رئيس الوزراء نيجيرفان بارزاني ودعواته لحزب العمال الكوردستاني في كانون الأول 2016 في مغادرة المنطقة تجنباً لحدوث مواجهة عسكرية في المنطقة. وقد أصدرت وزارة شؤون البيشمركة، والتي يديرها  الأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بياناً تحريضياً مؤكداً بأن قوات البيشمركة تتحرك وتنتشر أينما أرادت داخل اقليم كوردستان العراق، مشيراً الى قضاء شنكال (والذي وطبقاً للقانون العراقي ليس فعلاً جزءاً من اقليم كوردستان العراق). لم تصدر الحكومة في بغداد حتى الآن أية تعليقات بخصوص الأحداث في شنكال. مما لاشك فيه أن  تحريض القتال داخل ‘البيت الكوردي’ من قبل حزب العمال الكوردستاني و حزب الديمقراطي الكوردستاني سيضع كليهما في موضع حرج من شأنه أن يٶدي إلی خسارة الدعم الواسع الذي يحضى به الحزبان.

التوصيات

بينما توجد هناك منافسة قوية بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني، إلا أن كلاهما قد يجدون من الصعب تبرير النزاع المفتوح على دوائرهم الانتخابية. وفي الواقع فان اتباع نفس المواقف المتصلبة أمر غير بناء ومجدي.

ينبغي على الحزب الديمقراطي الكوردستاني أن يصل الى تفاهم بخصوص التواجد المترسخ والدعم الكبير لحزب العمال الكوردستاني، وأن يعي أنه لا يكمن إنهاء هذا الدعم والإقبال في ليلة وضحاها عن طريق استخدام القوة. وبالمثل، ينبغي على حزب العمال الكوردستاني أن يكون منفتحاً للتوصل إلی حلول عن طريق قبول التسويات مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وهناك حاجة الى التوصل إلی إتفاق شامل ليس فقط حول شنكال وإنما أيضاً حول روزئافا يراعى فيه مصالح كلا الجانبين. وبالنظر إلى وجود عدم الثقة وشدة المصالح المتناقضة ، إلا أن الخوف من فقدان الدعم الشعبي لا يمثل دافعا أو حافزاً كافياً لحلحلة المشكلة دون تأجيجها.

وفي هذا الصدد، فإن الولايات المتحدة لديها موقف فريد من نوعه للتوسط والضغط على كلا الجانبين للتوصل إلی حل أو إتفاق وذلك لأن كلاً من حزب العمال الكوردستاني في سوريا وحكومة إقليم كوردستان هما حلفاءها الرئيسیين المناهضين لداعش في المنطقة. وقد انخرطت الولايات المتحدة بالفعل في هذا الأمر مرسلةً إشارات إلى كليهما بأن واشنطن لا ترغب في حصول مواجهات بينهما. وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب في أن يركز حلفاؤها على محاربة داعش وتحقيق الاستقرار بدلاً من أن يصطدموا ببعضهم البعض، فينبغي تكثيف مثل هكذا جهود.

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

 

 للإقتباس: Kaválek, T. (2017) Yet Another War in Shingal: The Sword of Damocles, MERI Policy Brief. vol. 4, no. 3.


الآراء الواردة في هذا المنشور تعکس آراء الكاتب وليس بالضرورة مٶسسة الشرق الأوسط للبحوث.

 

Comments are closed.