Back

العراق وليبيا: تحديات مشتركة للسنوات المقبلة

يواجه كلاً من العراق وليبيا تحديات مماثلة من عدة جهات: معالجة عقبات الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في المناطق المحررة من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، مواجهة أزمة مالية في خضم توترات سياسية مستمرة، و أيضاً تحقيق توازن في الصلاحيات بين السلطة المركزية والمحلية بما يخدم مصالح الشعب.

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

عندما اطيح بمعمر القذافي في تشرين الأول ٢٠١١ رحبت ليبيا ببداية جديدة تلت ٤٢ سنة من الحكم الاستبدادي. حيث كانت الاطاحة بـ “قائد الثورة” بمثابة نهاية لنظام تعسفي اعتمد على القمع لضمان سيطرته على الشعب. وبالمثل شهد العراق حماساً مماثلاً لبداية جديدة في أعقاب تغيير النظام فيه، توسمت بهتافات للناس بعد تحرير بغداد. إلا أن هذا الحماس، وفي كلتا الحالتين، تدهور بعد فترة قصيرة، حيث انفجرت وببساطة التوترات المحتدمة في المجتمعين العراقي والليبي بعد ٢٠٠٣ و ٢٠١١ مفسحةً المجال لظهور دوامة هدامة  من الصراع المتجدد.

ينبغي على العراق وليبيا مواجهة تحديات مماثلة بمراحل مختلفة من مراحل الإنتقال التي يمران بها بالرغم من أن من هناك اختلافات هامة بين البلدين. من بين هذه الاختلافات هو أنه لايمكن التقليل من شأن العوامل التي أدت الى تغيير النظام في كلاً من العراق وليبيا. على سبيل المثال، في رد فعل لأحداث ١١/٩ وضمن نطاق الحرب ضد الارهاب، يُمكن القول بأن الإطاحة بصدام حسين كان هدفاً رئيسياً لإدارة بوش. في حين أنه في ليبيا أثارت المظاهرات الشعبية سلسلة ردود أفعال أدت الى تغيير النظام. وبهذا فان تطبيق مايعرف بـ”مسؤولية الحماية” (قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم ١٧/١٩٧٣  الصادر في اذار ٢٠١١) المثير للجدل، خول الحملة العسكرية لحلف الناتو في ليبيا والتي بدورها “انخرطت تقريباً وبشكل حتمي” في عملية تغيير النظام. ان الوجود الأمريكي في بغداد نما ليُصبح ثاني أكبر عملية إعادة تعمير بعد خطة مارشال، في حين إن فكرة أن ليبيا قادرة على تحمل وقيادة عملية إعادة تعمير نفسها من دون مشاركة المجتمع الدولي (السياسية والمالية) كانت خاطئة منذ البداية.

مواجهة التحديات التي تلي عملية إعادة الإعمار فيما بعد داعش

تتقدم معركة تحرير الموصل من داعش والتي بدأت بتأريخ ١٧ تشرين الأول ٢٠١٦ بشكل حسن. وحتى الأن استعادت القوات الأمنية العراقية، والبيشمركة، والحشد الشعبي، وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أغلب المناطق التي تم احتلالها من قبل داعش في أنحاء محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار ونينوى. ولكن ماتزال داعش مُسيطرة على غرب الموصل والحويجة ومناطق ذات كثافة سكانية منخفضة جنوب غرب سنجار. فبالرغم من أن البروز السريع لداعش في العراق كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتطورات الداخلية وفي المقام الأول بالولاية الثانية لحكومة المالكي، فإن داعش ومنذ أواخر ٢٠١٤ بدأت تلعب دوراً في زعزعة الاستقرار في ليبيا أيضاً. إن أول ظهور لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا كان في مدينة درنة – حيث إبعدوا منها من قبل عناصر محلية – وفيما بعد في مدينة  سرت التي تم تحريرها في ٧ كانون الأول ٢٠١٦، وذلك بعد سبعة أشهر من القتال الذي شاركت فيه المليشيات المحلية والغارات الجوية الأمريكية.

إن اجتثاث داعش يتضمن تحديات  مهمة للعراق وليبيا، فمن وجهة نظر أمنية تعد المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة في جنوب ليبيا وغرب العراق أراضي من الصعب السيطرة عليها كما وأن هذه المناطق تعتبر من المناطق التي تحوي دروب التهريب وهذا بدوره يوفر مصدراً رئيسياً للدخل للجماعات الإرهابية. أما من الناحية السياسية والإجتماعية فان توسع داعش في العراق استفاد من استبعاد العناصر السنية من التحول الذي حدث بعد ٢٠٠٣. في ليبيا التي تتمتع بمجتمع أكثر تجانساً ينبع نجاح الدواعش على الأغلب من الفراغ الكامل للسلطة في البلد وذلك عقب سقوط القذافي. ولكن بالتأكيد ليس من قبيل المصادفة أن تؤسس داعش نفسها في مدينة سرت، مسقط رأس معمر القذافي،  حيث  إستفادت من التهميش الحاصل فيها بعد الثورة. في ليبيا، وكما هو في العراق، هناك ضرورة للتأكد من أن التحول في الأنظمة سوف لن يُسبب في إستبعاد المجاميع الجديدة في المجتمع من العملية السياسية.

مواجهة أزمة مالية في خضم الصراع

سقطت الموصل تحت سيطرة داعش في حزيران ٢٠١٤. في نفس ذلك الشهر بدأت أسعار النفط بالهبوط، ووصلت الى أقل من ٥٠ دولار للبرميل الواحد في كانون الثاني ٢٠١٥، واستمر هذا الهبوط طوال تلك السنة والسنة التي تلتها. أدت هاتان الظاهرتان، اللتان لاترتبطان ارتباطاً سببياً، الى سيناريو يقوم علی أن السلطات العراقية لديها موارد أقل لدعم مصاريف الحرب ضد داعش والتي بدورها فاقمت الموقف المالي للدولة العراقية. وتم إدراج كلاً من العراق وليبيا في مجموعة البلدان التي تُسمى بـ”الخمسة الهشة” – وهي البلدان التي تعتمد اقتصادها على النفط وهي الجزائر والعراق وليبيا ونيجيريا وفنزويلا- التي تعاني تماماً من انخفاض أسعار النفط بصورة أثرت على أنظمتها السياسية والاجتماعية. وبسبب مواجهتها لصعوبات في الحفاظ على انتاج النفط تم استبعاد ليبيا من الاستقطاع المتفق عليه حديثاً في انتاج النفط من بين الدول الأعضاء في الأوبك والدول غير الأعضاء. ومع هذا فإن الانتاج الاجمالي للنفط في ليبيا إنخفض بشكل كبير ومستمر منذ الثورة بمقدار  600.000 برميل في اليوم في تشرين الأول ٢٠١٦ مقارنة ب 1.6 مليون برميل في اليوم في فترة ماقبل الثورة. وعلى العكس من ذلك، شاهد العراق زيادة في انتاج النفط بنسبة ١٩ بالمئة في وقت كان يواجه فيه انكماشاً في الاقتصاد غير النفطي.

أدت الأزمة المالية الى عواقب وخيمة في كلا البلدين. ففي ليبيا انخفض النانج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بمقدار الثلثين تقريباً عن مستوى ماقبل الثورة، وقللت نسبة التضخم العالية من القدرة الشرائية للشعب الليبي، وأيضاً يمر البلد بأزمة  نقص سيولة حادة. أما في العراق فقد ارتفع العجز المالي الى ١٤ بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في ٢٠١٥، ويحدد قانون الميزانية لعام ٢٠١٧ عجزاً مالياً بقيمة ١٨ بليون دولار. بما أن الدينار العراقي مربوط بالدولار الأمريكي فالتضخم لم يرتفع، ولكن العراق اضطر أن يتخذ اجراءات طارئة لخفض القطاع العام المفرط، وذلك من خلال تأخير دفع رواتب الموظفين في القطاع العام وبشكل كبير في اقليم كوردستان. حتى مع استقرار أسعار النفط بحوالي ٥٠ دولار للبرميل الواحد، يبقى العراق وليبيا في حاجة الى خطة جذرية للاصلاح الاقتصادي. وخضع العراق لاتفاق أخر مع صندوق النقد الدولي بقيمة إجمالية قدرها 5.34 بليون دولار، بينما تعتمد ليبيا كلياً على مؤسساتها الاقتصادية والبنك المركزي في ليبيا ومؤسسة النفط الوطنية للحفاظ على مسيرة الاقتصاد في غياب سلطة حكومية معترف بها في جميع أنحاء البلاد.

تحقيق التوازن بين السلطات المركزية والمحلية

القدرة على مواجهة التحديات المذكورة أعلاه تعتمد جزئيا على أداء نظام الحكم والمٶسسات في كلا البلدين، وأزمة  الشرعية بين الحكومات الثلاث المتنافسة في ليبيا ولدت حالة جمود أصابت البلد بالشلل وهذه حالة غير موجودة في العراق بالرغم من مشاكله الخاصة وفي مقدمتها التوترات المتزايدة بين المجاميع الطائفية التي لم تستطع دولة العراق أن تُخففها. مايحتاجه كلا البلدين لمواجهته هو تحقيق توازن بين السلطة المركزية والسلطة المحلية. اللامركزية المتواجدة في العراق تشمل الاقليم الفيدرالي في كوردستان. وإن امتيازات المحافظات الأخری ومسؤلياتها مورودة في القانون الخاص بالمحافظات غير المنتظمة باقليم (قانون ٢١/٢٠٠٨). أما ليبيا فنظامها اللامرکزي نظام أولي ومبني وفق ديناميات نظامها السابق وکذلك محاولات تصاعدية غير مدروسة حدثت خلال الانتفاضات ولم يضفی إليها الطابع القانوني لحد الأن. ينص قانون الإدارة المحلية رقم (٥٩/٢٠١٢) على تأسيس نظام حكومة إدارية يتضمن ثلاث مستويات: المحافظات والبلديات والإدارات المحلية. من المعلوم أن هيکلية نظام الحکم في البيئة الحالية المتقلبة تعتمد حالياً بشكل حصري على مستوى البلديات.

في العراق وليبيا هناك عدم إنسجام بين شكل هيکلة الحكومة المحلية وماتستطيع القيام به في الواقع. إذ أن التوقع الرئيسي يتمثل بتوفير الخدمات للشعب بالرغم من أن قدرة الحکومات المحلية لاستيعاب وصرف وإدارة الميزانية ونقل عملية توفير حقيقي للخدمات ماتزال ضعيفة جداً. وبما إن االإيرادات الواردة من المصادر الذاتية باتت غير كافية فان الاعتماد على التحويلات المالية  بين الحکومة المرکزية والمحلية  لاتعيق فقط إنشاء نظام فعال، ولكنها تستطيع كذلك أن تخلق قضايا خلافية مٶثرة بذڵك علی العلاقات المتواجدة بين المركز و الحكومات المحلية وکذلك فيما بين الحكومات المحلية. وبسبب التجارب الماضية، لا يوجد إقبال کبيڕ لإعادة سلطة مركزية قوية بل إن التوجهات تتجه نحو المستوى المحلي. وبالرغم من حصول تطورات على الصعيد السياسي، إلا أن هذه التطورات لم تقترن بتأسيس اللامركزية علی المستوی المٶسساتي والمالي.

كل هذه التحديات مجتمعة، ما هي إلا أمور أساسية تتعلق بمستقبل العراق وليبيا. ولا شك أن الحرب ضد تنظيم داعش بات تأثيره جليا خصوصا وأن البلدين يمران بأزمة مالية صعبة. ولمنع إعادة ظهور داعش وحل الأزمة المالية، فإن فکرة  الحکومات المحلية بأي شكل كانت (بلديات أو محافظات) لا تکفي. ينبغي تشجيع المبادرات الوطنية والسعي وراء إيجاد حلول على المستوى الوطني. في الواقع، بإستطاعة الحكومات المحلية أن تٶدي دورها في حال تواجد نظام حکومي سليم.

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

 للإقتباس: Costantini, I. (2017) Iraq and Libya: common challenges for the years ahead MERI Policy Brief. vol. 4, no. 02.


الآراء الواردة في هذا المنشور تعکس آراء الكاتب وليس بالضرورة مٶسسة الشرق الأوسط للبحوث.

Comments are closed.