Back

ترکيا والإتحاد الأوروبي: سياسات متضاربة وفرص للتعاون

يهدف هذا البحث إلی استكشاف أثر الأحداث والمسارات الأمنية الرئيسة التي حصلت في العراق منذ عام 2003 وسوريا منذ عام 2011 على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. من خلال إجراء مقابلات مع الخبراء ومراجعة شاملة للأدبيات ، قام الباحثون من تفكيك الآليات المحركة والمؤثرة على العلاقات الثنائية بين الطرفين. بعدها، قام الباحثون بتشخيص المصالح الأمنية الحالية لأنقرة وبروكسل وأولوياتهما وتصوراتهما تجاه التهديدات الأمنية التي تنشأ في العراق وسوريا. وأخيرًا ، بالإضافة إلی تقديم توصيات لتحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، صنف الباحثون الفرص ضمن ثلاثة سيناريوهات منفصلة أو متصلة من الناحية الأمنية: الصراع، التعاون أو التقارب.

ولتناول كيفية تطور البيئة الأمنية في العراق وسوريا إلى حالتها الراهنة والتنبؤ بالنتائج والآثار اللاحقة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، قام الباحثون بتحليل وجهات نظر أنقرة وبروكسل بشأن الأحداث والقضايا والاتجاهات الرئيسية التالية: ما يسمی بالربيع العربي بعد عام 2011 ، والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) و دعم الائتلاف العالمي ضد داعش لحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا ، وصعود الحس القومي الكوردي وتطلعاتهم في إقامة دولة في العراق وحكم ذاتي في سوريا، والنفوذ المعزز لإيران في العراق، ونمو داعش،  وکذلك عمليات النزوح  الجماعية اللاحقة في كل من العراق وسوريا.

لقد أصبح العراق الآن بعيدا إلى حد كبير عن حكم  داعش، ومع ذلك لا يزال يهدده الإرهاب والحكم الضعيف والنزوح الجماعي للسكان، إلى جانب أمور أخرى. بالتوازي مع دخول الحرب الأهلية السورية عامها السابع الدامي التي تسببت في سقوط أعداد كبيرة من الضحایا والملايين من النازحين، ينبغي علی بروكسل وأنقرة إيجاد نقاط كفيلة بالتقارب أو التعاون في السياسات الأمنية التي من شأنها أن تخفف من الأزمة الإنسانية المتصاعدة وتهيئة الأرضية المناسبة للوصول إلى اتفاق سلام دائم في سوريا. ومع ذلك، فإن إيجاد حلول دائمة لمعالجة المشاكل المتعمقة في العراق وسوريا يتطلب تحديد الأسباب التي تقف وراء عدم الاستقرار والأمن والتخفيف من حدة عوارضها في هذين البلدين، الأمر الذي يؤثر على المصالح الأمنية والأولويات وأسباب الشعور بالتهديدات في أنقرة وبروكسل.

تشمل الأولويات الأمنية للإتحاد  للاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد داعش في العراق، الاستقرار، وعودة النازحين واللاجئين، والقضاء على المنظمات والإيديولوجيات الجهادية العنيفة. وبينما تشارك تركيا هذه الأهداف من حيث المبدأ ، فإن مصالح أنقرة الأمنية تركز في المقام الأول على تحييد حزب العمال الكردستاني  وتواجده ونفوذه. فمنذ عام 2014 ، إنقسمت أنقرة وبروكسل في الغالب حول كيفية إدراكهم للتهديدات الأمنية في سوريا. لا يزال زعماء تركيا والاتحاد الأوروبي يختلفون حول دور الأكراد في الحرب السورية وكيف ينبغي لتركيا أن تسيطر على حدودها لخفض تدفقات المقاتلين الأجانب إلى سوريا. ومع غزو داعش لأجزاء من العراق وسوريا في عام 2014 ، بدأت الدول الأوروبية بتزويد الجماعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا بالمعلومات الاستخباراتية والدعم العسكري. وعلی العکس من ذلك، منذ أن أجرى إقليم كردستان العراق استفتاءه من أجل الاستقلال في 25 سبتمبر 2017، التقى معظم قادة الاتحاد الأوروبي وتركيا حول كيفية إدراكهم للتهديدات الأمنية في العراق وأبدو دعمهم القوي لوحدة الأراضي العراقية، وبالتالي رفض كلاهما الاعتراف بشرعية الاستفتاء.

يری الباحثون أن قضية الإرهاب هی من المحرکات الهامة للغاية لسياسات وتصورات وأولويات الاتحاد الأوروبي وتركيا. على الرغم من أن الباحثون يرون أن الدولتين مهتمتين للغاية بهذه القضية، إلا أنهما يختلفان حول المنظمات التي تشكل التهديد الأكبر، إذ تضع أنقرة حزب العمال الكردستاني على رأس قائمتها – سواء داخل حدودها أو في جميع أنحاء المنطقة – في حين تعطي بروكسل الأولوية لتحييد التهديدات الإرهابية الجهادية على أراضيها، وبالتالي فإن احتمال التقارب والتعاون والأثر الإيجابي على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا متواضع أو متوسط لهذه القضية. ومع ذلك، لا تُعطى داعش الدرجة نفسها من الأولوية من جانب الطرفين في الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق وسوريا. على عكس الاتحاد الأوروبي، تعتبر تركيا التهديد الذي تشكله داعش مساوياً للتهديد الذي يشكله حزب العمال الكردستاني، ولكن ليس على المستوى الاستراتيجي. هنا، يتباعد الجانبان.

باختصار، من المرجح جدا أن يظهر إنشقاق بين بروكسل وأنقرة نظرا للحراك الواسع للقوات المسلحة التركية في كل من العراق وسوريا، الأمر الذي يؤثر سلباً على جهود الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لدحر الإرهاب، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتقديم المساعدات الإنسانية، ومساعدة النازحين على العودة إلى منازلهم. وهكذا، وبغض النظر عما إذا كانت بغداد أو دمشق قد منحت رسمياً لإذن أنقرة بشن هجمات، فإن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى هذه الأعمال على أنها مزعزعة في تضاد مع مصالحها الخاصة، وبالتالي من شأنها أن تحط من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

في النهاية، تدعو هذه الدراسة الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى إعطاء الأولوية لإصلاح الشقوق والانقسامات في علاقتهما والتركيز على المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال التقارب في القضايا الأمنية التي تنشأ في العراق وسوريا. وبالمثل، يمكن للاتحاد الأوروبي استخدام قدرته التوسطية الواسعة كوسيط نزيه لتسوية الخلافات الراسخة بين الأطراف المتحاربة في العراق وسوريا ولإستئناف تركيا عملية السلام في داخلها. يجب على كليهما ، أكثر من أي وقت مضى، تطوير إطار أمني استراتيجي طويل المدى لضمان عدم تقويض الإجراءات الرامية لإحداث المصالحة وإعادة الإعمار الحالية في العراق أو إحراز التقدم نحو تحقيق سلام مستديم في سوريا.

انقر هنا لتحمیل التقریر باللغة الإنجلیزیة

Comments are closed.