Back

الاستفتاء في تركيا: نصر باهظ الثمن وأزمة مستمرة

لنصر الضئيل الذي حققه رجب طيب أوردوغان في الاستفتاء الذي جرى في 16 نيسان من هذا العام لايضمن رئاسة سياسية قوية وخالية من المشاكل. تسوية الحسابات السياسية المحلية مع القضية الكوردية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي بين الأن والانتخابات الرئاسية المقبلة في 2019 قد تكون حتى أكثر صعوبة.


لاشك بأن الاستفتاء التركي الذي جرى في 16 نيسان 2017 يُمثل تغيراً هائلاً للنظام السياسي في تركيا. وقد فاز رجب طيب أوردوغان وحزب العدالة والتنمية في الاستفتاء بنسبة ضئيلة والذي يحول رئاسته المهيمنة بحكم الواقع الى رئاسة مهيمنة بحكم القانون. نسبة 51.28% من المواطنين الأتراك وافقوا على التعديلات الدستورية الـ18 المقترحة، في حين عارضوها بنسبة 48.72% منهم. ومع ذلك، فإن أحكام التعديلات الدستورية والبيانات الصادرة عن الأنصار والخصوم السياسين الرئيسين تعطي القليل من الأمل في أن نتائج الاستفتاء ستجلب الاستقرار السياسي أو الازدهار الاقتصادي، أو تسمح للقيادة التركية أن تقوم بدور بناء في سوريا والعراق – على الأقل في المدى القصير. وعلاوة على ذلك، من غير المرجح أن يعزز ذلك من مستوى التعاون مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأزمة اللاجئين.

التعديلات الدستورية والنتائج والأنصار

ذكر التفاصيل الخاصة بالتعديلات الدستورية تقع خارج نطاق هذا التحليل، ولكن من المهم أن نسلط الضوء على أن النظام الرئاسي الجديد يحول النظام السياسي لتركيا إلى رئاسة مهيمنة بحكم القانون دون وجود ضوابط وتوازنات فعالة على الرغم من التأكيدات التي تخالف ذلك. ونتيجة لذلك، زادت هذه الأمور من حصة المناهضين لحزب العدالة والتنمية، مما زاد من مستويات الاستقطاب العامة في تركيا.

على وجه التحديد، الحجة الرئيسة لأنصار “نعم” هي أن مساءلة الرئيس أمام البرلمان والمحاكم تدخل لأول مرة في تأريخ الجمهورية التركية، وبالتالي فإن الانتقاد من رئاسة مهيمنة لا أساس له من الصحة. وفي الواقع، يُجرى الأخذ بمساءلة الرئيس، ولكن من الصعب أن نرى كيف يمكن تنفيذه على الإطلاق نظراً لأن المادة 105 تنص على إجراء ذي ثلاث مراحل مع عدد كبير من النواب المطلوبين لكل مرحلة. أولاً، هناك حاجة إلى الأغلبية المطلقة للبرلمانيين (301 من أصل 600) لطلب فتح التحقيق، ومطلوب ثلاثة أخماس (360 من أصل 600) لفتح التحقيق، والثلثين (400 من أصل 600) من الأصوات مطلوبة للإقالة. إن تطبيق هذا الإجراء يصعب تصوره أكثر عندما لايقتصر مهام الرئيس على الأمور التنفيذية الواسعة، بما في ذلك تعيين 12 قاضياً من أصل 15 في المحكمة الدستورية، ووضع ميزانية الدولة، وإقرار ممثلي مجلس الأمن الوطني، ولكن يُسمح له وللمرة الأولى بتولي دور رئيس الحزب، مما يعني التأثير المباشر على نواب أحزابه في القرارات المتعلقة بالرئاسة.

 

وقد أعلنت المنظمات الدولية، مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، نتائجها الأولية واستنتاجاتها بشأن الاستفتاء، حيث أشارت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشكل حاسم إلى أن “الاستفتاء الدستوري الذي أجري في 16 نيسان جرى على أرض غير متكافئة، ولم تُتاح فرص متساوية لكلا طرفي الحملة “. وعلاوة على ذلك، فإن المعارضة الرئيسة، ألا وهي حزب الشعب الجمهوري، تُشكك في شرعية المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا لتغيير القاعدة التي تتطلب ختم كل ورقة اقتراع بختم وتدعي أنه تم إحتساب 1.5 مليون ورقة اقتراع لم يتم ختمها. وهذه التطورات الهامة تقوض نتائج الاستفتاء، وبالتالي وحدة البلد، ولا سيما في المراكز الحضرية والمالية الرئيسة، أي اسطنبول وأنقرة وإزمير، حيث صوّت الناخبون ضد التعديلات.

وفي تصريحاته الأولى بعد إعلان النتائج، حطم رجب طيب أردوغان أية آمال في عكس سياساته المثيرة للجدل بشأن عسكرة القضية الكوردية وجدله ضد الاتحاد الأوروبي. وشكر على وجه التحديد مؤيدي حزب الحركة القومية، وأعلن أن مسألة إعادة عقوبة الإعدام ستُناقش مع رئيس الوزراء بن علي يلدرم، وقائد الحركة القومية دولت بهجلي. وأخيراً، رفض أي إمكانية لتفويض السلطة من خلال التشديد على “أمة واحدة وعلم واحد وبلد واحد ودولة واحدة”. وتُشكل هذه التصريحات مؤشراً قوياً على أن أجندة أردوغان السياسية ستستمر جنباً إلى جنب مع خطة حزب الحركة القومية الذي سيُجرى استشارة زعيمه دولت بهجلي لتنفيذه. وهذا يعني أنه لا يمكن لأحد أن يتوقع أن يغير أردوغان خطابه وأفعاله فيما يتعلق بالمسائل التي تتأثر بجدول أعمال الحركة القومية ذات النزعة القومية المتطرفة؛ على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2019 أو قبل ذلك.

دور تركيا في سوريا والعراق

وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع أن تُغير تركيا من سياستها تجاه سوريا والعراق بشكل كبير. وإن تغير أي شيء فسوف يستمر أردوغان في إعطاء الأولوية بعزل حزب العمال الكوردستاني وأية منظمات تابعة لها، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا. وفي حالة العراق، على وجه الخصوص، ستُكثف تركيا جهودها للسيطرة على دور حزب العمال الكوردستاني في سنجار، بما في ذلك وحدات المقاومة في سنجار التي لا تتمتع حالياً بدعم الولايات المتحدة لها. وهذا يعني أن تركيا ستحاول زيادة الضغط على بغداد وأربيل للمساهمة في هذه الاستراتيجية. وفي الوقت نفسه، سوف يستمر أردوغان في دعم التركمان في حالة كركوك أيضاً وفقاً للرؤية التركية القومية لحزب الحركة القومية. إلا انه من غير المتوقع ان يضعف ذلك علاقاته الوثيقة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، على الرغم من ان موقفه يُمكن ان يثير رد فعل عنيف من شركاء التحالف فى الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الحكومة، الاتحاد الوطني الكوردستاني، مما يخلق عقبات فى علاقات تركيا مع إقليم كوردستان العراق.

علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا

العلاقات التي تبدو أنها تحت خطر وشيك مع تداعيات كبيرة من حيث الاستقرار المالي والسياسي في تركيا تتمثل بتلك العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. من الممكن أن يكون الاتحاد الأوروبي قد طوّر علاقات قوية مع تركيا بشأن قضية اللاجئين، بيد أن المسؤولين الأوروبيين مثل جان كلود يونكر هددوا تركيا بانهاء ترشيحهم في الاتحاد الاوروبي فى حال تم إعادة عقوبة الاعدام فى البلاد. وليس من السهل التنبؤ بكيفية تطور هذه العلاقة، ولكن الاختلاف بين الشريكين بشأن المسائل المعيارية، مثل الحاجة إلى إرساء الديمقراطية، والحكم الصالح، واحترام حقوق الإنسان، لا تُعد مؤشراً جيداً لما ينبغي اتباعه.

ولا يبدو أن الاستفتاء في تركيا يؤثر سلباً على موقف ترامب من البلاد طالما أن تركيا لا تقوض هدفه الاستراتيجي المتمثل في اقتلاع تنظيم داعش من سوريا في فترة وجيزة. وهذا يشمل أيضاً ضرورة أن تبقى تركيا عاطلة عسكرياً في شمال سوريا وعدم التحرك ضد الحليف المحلي الرئيسي للولايات المتحدة، وحزب الاتحاد الديمقراطي، بغض النظر عن خطابه المثير للجدل.

وسوف تستمر العلاقات مع روسيا على أساس التعاون الوثيق في مجال الاقتصاد والطاقة، على الرغم من أن سوريا ستظل أكبر تحد لعلاقاتها التجارية. وفي أغلب الأحوال، فإن رئاسة أردوغان المهيمنة تخلق جبهة سياسية مع بوتين في روسيا ضد الديمقراطيات الليبرالية في الاتحاد الأوروبي.

وفي الختام، فإن النصر الضئيل لأردوغان في الاستفتاء لا يضمن وجود رئاسة قوية من الناحية السياسية وخالية من المشاكل. وسوف يستمر أردوغان في أمس الحاجة إلى دعم حزب الحركة القومية حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2019 مع انعكاسات على قرارته في قضايا السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء.

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

 

 للإقتباس: Manis, A. (2017) The Referendum in Turkey: A Pyrrhic Victory and Continuous Crisis? MERI Policy Brief. vol. 4, no. 06.


الآراء الواردة في هذا المنشور تعکس آراء الكاتب وليس بالضرورة مٶسسة الشرق الأوسط للبحوث.

Comments are closed.