انقر هنا لتنزيل التقرير بالكامل pdf.
منذ عقود والدولة العراقية تزداد هشاشة وتعاني من غیاب الاستقرار والأزمات الاجتماعية والحروب. وقد ساهمت دوافع عدة في هشاشة البلد المستعصية، ويعود أحدها إلى إتباع نظام الحكم المركزي غير المُمأسس الذي فشل في إدارة الأزمات والتوترات بین المركز والأطراف وفي إدماج المجتمعات المحلية في سياسات الدولة. إن إعادة بناء الحوكمة في العراق على غرار دستوره الديموقراطي، الذي يتبنى فی جوهرە النظام اللامركزي، سيكون خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار والانتعاش الاجتماعي والاقتصادي.
تبنى مجلس النواب العراقي تشريعين مهمین في العام 2008، وهما القانون رقم 21 للمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والقانون رقم 36 لانتخاب مجالس المحافظات والأقضیة والنواحي. تضع هذه القوانين العراق على مسار اللامركزية الذي لا يزال قيد التطوّر. ومع ذلك، بعد أكثر من عقد من التجارب، عجزت إجراءات اللامركزية في معالجة أزمات الشرعية المستمرة وانعدام الثقة في الحكومة وفي معالجة مشاكل الفساد المستشري وغياب الفعالية وعدم القدرة على تحسين حياة المواطنين. لذلك، من الأهمية بمكان مراجعة النظام الحالي واقتراح سبل المضي قدما، من هنا أهمية هذا التقرير في هذا التوقيت بالذات. هنا، يتم استخدام نينوى كنموذج عن المحافظة لمراجعة التحديات التي تواجه اللامركزية واستكشاف النماذج الممكنة التي يمكن تجريبها.
بالنظر إلى الطبيعة السياسية والديموغرافية والاقتصادية للعراق، هناك العديد من النماذج التي تم التفكير فيها سابقًا، بما في ذلك:
1. تطوير النموذج الحالي والتدرج في نقل الصلاحیات والسلطة.
2. إعادة الهيكلة الإدارية وإدماج مناطق نينوى (وتحويل أقضية نينوى إلى محافظات).
3. فدرلة المحافظات.
ومع ذلك، فإن هذه الخيارات (وهي مقاربات من الأعلى إلى الأسفل) لها عيوبها وقد أخفقت في الواقع في تحقيق الأهداف الدستورية الرئيسية، بما في ذلك الحفاظ على وحدة وسلامة البلاد، وتمكين المجتمعات المحلية وتأمين الشرعية. الأهم من ذلك أنها مقاربات عجزت في التطبيق التدريجي لللامركزية أو تفویض ونقل السلطة داخل المحافظات، من المحافظ ومجلس المحافظة إلى مستويات الأقضیة والنواحي.
لهذه الأسباب يتم في هذا التقریر اقتراح نموذج رابع (مقاربة من الأسفل إلى الأعلى) مبني على ثقافة اللامركزية المترسخة في العراق وتاريخها ومفهومها المحلیین، وهو مصمم لتقديم حلول للتحديات والمشكلات العديدة التي تواجهها الحكومات المحلية حاليًا؛ ولتمكين الحكومة المحلية بشكل أفضل، وجعلها أكثر تركيزًا على المواطن من أجل تنفيذ ضوابط وآلیات أمتن لضمان الجودة. علاوة على ذلك، يتماشى هذا النموذج مع إجراءات اللامركزية الحالية والإطار التشريعي العام الذي تطور خلال السنوات العشر الماضية، بما في ذلك القانونان المعدلان رقم 21 و 36 لعام 2008 (واللذان قد يحتاجا إلى مزيد من التعديلات).
يقوم النموذج على استخدام مجالس الأقضیة (وليس المحافظات) كحجر الأساس في الهندسة المؤسساتية، والتي تقوم عليها باقي الفروع التشريعية والتنفيذية للحكومة.
أ. يجب إعادة رسم الدوائر لانتخابات مجالس الأقضیة على أساس النواحي، بما يتناسب مع حجم سكانها، لضمان التمثيل الكامل. ويفضل أن يتم انتخاب رجل وامرأة في كل دائرة انتخابية، مما يجعل نظام الكوتا غير ضروري.
ب. بمجرد انتخابها، ستشرف مجالس الأقضية على تدشین المدیریات التنفیذیة على مستوى الأقضية والنواحي، والتي ستصبح مرآةً للحكومة وشباك الخدمات الموحد لاحتياجات المواطنين.
ج. توفد كل مجالس الأقضية كبار أعضائها المُنتخَبين (الرؤساء ونواب الرؤساء) إلى عاصمة المحافظة لتشكيل مجالس المحافظة التي ستشرف لاحقاً على تنصيب المحافظ وملىء الوظائف التنفیذية القيادية في المحافظة. لذلك، لن تكون هناك حاجة لإجراء انتخابات لمجالس المحافظات.
د. يجب تفويض النفوذ والسلطة (فصلهما) في المديريات التنفيذية على مستوى الأقضیة والنواحي، لتكون مكتفية ذاتيًا لتقدیم كافة الخدمات العامة من دون الحاجة إلى الحصول على إذن من المسؤولين على مستوى المحافظات أو المستوى الإتحادي.
هـ. يجب أن يتغير دور القائمقام ليتحوّل من مسؤول عن الإدارة الدقيقة إلى قائد استراتيجي يوفر الاستراتيجيات والتخطيط والتنسيق والتدقيق لدائرته. ستتم الإدارة اليومية وتقديم الخدمات للمواطنين من قبل المديريات، أي مديري النواحي ومديري الخدمات على مستوى القضاء. يجب أن یكون القائمقام مسؤولاً عن تطبیق القوانين واللوائح والسياسات التي تضعها الهيئات التشريعية (البرلمان، ومجلس المحافظة، ومجلس القضاء) والحكومة (على المستوى الإتحادي ومستوى المحافظات).
و. كذلك، يجب حماية المحافظين من الإدارة الدقيقة اليومية، ليتكرسوا للقيادة على مستوى المحافظة وتُطلَق طاقاتهم للاضطلاع بدور السفراء على المستوى الوطني والدولي لجذب الاستثمارات إلى محافظاتهم. سيكون المحافظون مسؤولين عن تقديم الرؤى والاستراتيجيات والخطط للمحافظة بأكملها، وضمان تنفيذها في كل قضاء.
ز. في الوقت الحاضر، يشرف البرلمان، والهیئة العليا للتنسيق بين المحافظات، والمحاكم على المديرين التنفيذيين في الحكومة المحلية. ولكن هناك حاجة إلى آلیات وضوابط أكثر متانةً وشمولاً حيث يخضع المسؤولون التنفيذيون على مستوى الأقضیة للتدقيق وتقييم الأداء من قبل مجالس المحافظات، والمحافظين، ومجالس الأقضیة، والقائمقام والوزارات المعنية، ودیوان الرقابە المالية، والمدعين العامين، والمجتمع المدني.
إن المفهوم والتغييرات المقترحة بموجب هذا النموذج ليست جذرية ولا غريبة عن الجمهور العراقي، لأنها جزء لا يتجزأ من الثقافة الحالية أو يمكن أن تتناسب مع التشريعات القائمة.
* * * *
ملاحظة منهجية: تم جمع البيانات الخاصة بهذا التقرير في الفترة الممتدة بين آب/ أغسطس 2019 وشباط/ فبراير 2020. لزيادة اتساع وعمق المعلومات التي تم جمعها، اعتُمد نهج الأساليب النوعية المختلطة، والتي شملت: مراجعة مكتبية أولية للأدبيات الموجودة و 28 مقابلة شبه منظمة مع المسؤولين الحكوميين المحليين والوطنيين، والقائمقامین ومديري النواحي، والزعماء المجتمعيين والدينيين، والخبراء المتخصصين. بالإضافة إلى ذلك، أجريت خمس مناقشات جماعية مركزة في أربيل وبغداد لممثلي نينوى ومسؤولي الحكومة العراقية وقادة حكومة إقليم كوردستان والجهات الفاعلة في المجتمع المدني المحلي وجهات معنية أخرى. تم تقديم خارطة الطريق التي يقترحها هذا التقرير ومناقشتها مع المشاركين في المناقشات الجماعية المركزة لمزيد من التدقيق ولوضع الأمور في سياقها.