Back

إعادة بناء العراق: أين نقف؟

في شهر شباط/فبرایر من العام الماضي استضافت الحكومة الكويتية “مؤتمر لإعادة إعمار العراق”. حضرها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى جانب العشرات من وزراء الخارجية عدد كبير من ممثلي الحكومات ورجال الأعمال الآخرين. كان التوقيت مثاليًا للعراق. كانت البلاد قد أعلنت مؤخرًا عن الهزيمة العسكرية لداعش (ما یسمی بالدولة الإسلامية) وتتمتع بمستوى غير مسبوق من التفاؤل وحسن النية الدولية.

حتى ذلك الحين، كان العراق يعاني منذ عدة سنوات من أزمة اقتصادية حادة، نجمت إلى حد كبير عن عقود من سوء إدارة موارد الدولة، والحروب والأزمات التي لا تنتهي، وانخفاض أسعار النفط. وبالتالي، كانت البلاد بحاجة إلى المساعدة، ولحسن حظ العراقيين، كان دول الجوار على استعداد للمساعدة لأن الفشل في تلبية احتياجات إعادة الإعمار سيزيد من هشاشة العراق وعدم استقراره المزمن.

قبل المؤتمر، كانت الحكومة العراقية، مع العديد من الشركاء الدوليين، بما في ذلك البنك الدولي وعشرات الخبراء، قد أعدت تقرير تقييم الأضرار والاحتياجات في العراق عن المحافظات السبع المتضررة بشكل مباشر، بما في ذلك الأنبار وبابل وبغداد وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين، إضافة إلى العديد من المحافظات المتضررة بشكل غير مباشر. إن التقریر الذي كان غنيًا بالجوانب العملية والمخرجات على حد سواء، غطى الأضرار والخسائر والاحتياجات في خمس ركائز رئيسية، بما في ذلك الحوكمة والمصالحة الوطنية وبناء السلام والتنمية الاجتماعية والبشرية والبنية التحتية والتنمية الاقتصادية. احتوى المشروع على 157 مشروع بناء ليتم تنفيذها على مدار عشر سنوات، مع إعطاء أولوية قصوى لإعادة بناء وتطوير المستشفيات والمدارس والمنازل والطرق والبنية التحتية للخدمات التي تعتبر أساسية لتوفير الوظائف وإعادة النازحين إلى مدنهم الأصلية. احتوى التقریر أيضًا على استثمارات جديدة لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن مبيعات النفط وإصلاح القطاع المالي وتطوير البنى التحتية الاستراتيجية، بما في ذلك محطات معالجة المياه والصرف الصحي وإنتاج الكهرباء وأنظمة النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية والزراعة والإدارة الحضرية والشركات المملوكة للدولة والنفط ذات الصلة بالصناعة.

بلغ إجمالي تقديرات برامج إعادة الإعمار 88.2 مليار دولار، بما في ذلك 23 مليار دولار لإعادة الإعمار على المدى القصير وأكثر من 65 مليار دولار للمشاريع المتوسطة والطويلة الأجل. تم اقتراح ما يقدر بـ 17 مليار دولار لإعادة بناء المنازل التي دمرها داعش (40000 في الموصل وحدها، حسب تقديرات الأمم المتحدة) و 7 مليارات دولار أخرى لإصلاح حقول النفط والغاز العراقية.

كان المبلغ الذي استهدفه المسؤولون العراقيون مفرط الطموح، لا سيما بالنظر إلى أرهاق الجهات المانحة من مساعدة الدول الضعيفة والمزمنة، والتي بأمكانها أن تكون غنية. العراق بلد متوسط ​​الدخل، فیه ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك وموطن خامس أكبر احتياطي معروف في العالم. ومن المثير للاهتمام، أن العراقيين أنفسهم، حالهم حال الدول المانحة لا یرون أن العراق كان مستعدًا جيدًا لمثل هذه المهمة الطموحة. قلة قليلة من الشركاء الدوليين لديهم ثقة في النخبة الحاكمة في العراق لإدارة التبرعات الكبيرة أو برامج إعادة الإعمار. وقد انعكست هذه الشكوك بالفعل في المبالغ وكذلك في نوع التعهدات التي تعهد بها المجتمع الدولي. لم يتجاوز المبلغ الإجمالي الذي تم التعهد به 30 مليار دولار، وتم منحه بشكل أساسي في شكل قروض وضمانات استثمارية، رهنا بصفقات أو عقود استثمارية تؤتي ثمارها. كانت المساعدات المباشرة في حدها الأدنى والجهود الإنسانية في الغالب.

ومع ذلك، فقد اعتبر المبلغ الموعود كبيرًا، ويبدو أن جيران العراق أبدوا اهتمامًا أكبر بإعادة إعماره. تعهدت المملكة العربية السعودية بتقديم مليار دولار من خلال الصندوق السعودي للتنمية و 500 مليون دولار في صورة ائتمانات التصدير. خصصت الكويت مليار دولار كقروض ومليار دولار أخرى كاستثمارات. تعهدت قطر بتقديم قروض واستثمارات بقيمة مليار دولار، بينما تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بمبلغ 500 مليون دولار بالإضافة إلى 5.5 مليار دولار في استثمارات القطاع الخاص في العراق. عرضت تركيا خطوط ائتمان بقيمة 5 مليارات دولار، في حين أن إيران لم تتعهد بأي شيء یذكر. من ناحية أخرى، تعهدت الولايات المتحدة بتمديد حد ائتماني تم الالتزام به سابقًا بقيمة ثلاثة مليارات دولار للعراق، دون مساعدة حكومية مباشرة أضافیة.

جدیر بالأشارة وعلى عكس توقعات المسؤولين العراقيين، لم يتم توقيع أي صفقات تجارية أثناء أو بعد المؤتمر مباشرة على الرغم من مئات ممثلي الأعمال الذين حضروا المؤتمر. لم يتردد هؤلاء الممثلون في التعبير عن مخاوفهم بشأن المخاطر السياسية والأمنية لممارسة الأعمال التجارية في بلد يعاني من التدمير المتكرر للبنية التحتية والفساد المستشري (العراق یبقی وباستمرار بين أكثر عشر دول في العالم فسادًا، وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية).

الآن، بعد مرور عام، تظل مخاوف مجتمع الأعمال الدولي كما هي والتعهدات كما هي. ما عدا المساعدات الإنسانية التي يتم تسليمها إلى مناطق الصراع، لا يكاد يوجد أي تقدم ملموس على أرض الواقع فيما يتعلق بإعادة الإعمار الممولة دولياً. في مناقشة سياساتية حديثة، نظمها مؤسسە الشرق الأوسط للبحوث (MERI، www.meri-k.org) بالشراكة مع مركز الرافدين في بغداد (5 فبراير 2019)، أكد وزير الإسكان والأعمار العراقي أن أي تعهد من المانحين لم يتحقق حتى الآن، وأن الحكومة العراقية فشلت في معالجة نقاط الضعف الهيكلية والوظيفية الخاصة بها، بما في ذلك الفساد. واعترف بأن حكومة العراق لم تقدم رؤية أو استراتيجية واضحة حول كيفية إعادة بناء المناطق المدمرة، أو كيفية جذب مجتمعات الأعمال الدولية، ناهيك عن كيفية إشراك أصحاب المصلحة المحليين والوطنيين والدوليين.

والواقع أن سجل العراق في مواجهة التحديات وإعاقة الحواجز كان مخيبا للآمال. لقد فشلت في التعامل بشكل منهجي ومناسب مع قضايا مثل الأمن، ولا سيما عودة ظهور داعش في المناطق الريفية القريبة من البلدات والمدن المدمرة، والهجمات الإجرامية على مواقع البناء والمقاولين، على النحو الموثق من قبل مكتب المفتش العام المتخصص فی أعادة أعمار العراق الذي أسسته الولايات المتحدة. فشل العراق في معالجة ضعف الشفافية والمساءلة المؤسسية، وضعف القدرات على التخطيط والإدارة المالية وسوء التنسيق بين أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات المحلية التي اشتكت من أن الحكومة الوطنية لم تتشاور معهم قبل إعداد التقریر المقدم أو أثناءه أو بعده. علاوة على ذلك، لا يكاد يكون هناك أي تقدم في عملية المصالحة ونزع السلاح وإعادة بناء الثقة في سلطة الحكومة، وكل ذلك مهم بأن يسير جنبا إلى جنب مع عمليات إعادة الإعمار.

كما توجد تحديات أخرى أقل تحديداً، كثير منها خارج سلطة القادة السياسيين على التصدي لها. ويشمل ذلك عدم اليقين في مستقبل ديناميات القوی الإقليمية التي تؤثر على العراق أكثر من غيره، وتوقعات الانتعاش المالي والاقتصادي للعراق في حين لا تزال أسعار النفط متقلبة. لا يعتمد العراق بشكل حصري تقريبًا على دخل النفط فحسب، بل لديه قطاع خاص متخلف بشكل كبير بالإضافة إلى مناخ عمل ضعيف اجتذب الحد الأدنى من الاستثمارات الأجنبية خارج صناعة النفط. علاوة على ذلك، يمتلك العراق واحدة من أعلى معدلات الفقر والبطالة في الشرق الأوسط، في حين أن عدد سكانه (39 مليون) حالياً من بين الأسرع نمواً في العالم، حيث يزداد بمعدل مليون شخص كل عام. نتيجة لذلك، تتوسع المدن العراقية بشكل كبير دون تخطيط مناسب أو استثمار حكومي في البنية التحتية. وسيزداد العجز في الإسكان الذي يبلغ حاليا مليوني شخص حسب تقديرات البنك الدولي.

نعم، يمكن أن تكون هذه القضايا ساحقة، لكن يجب ألا تكون أسبابًا لتخلي المجتمع الدولي عن العراق، ولا للقادة العراقيين خوفًا من الشروع في برامج إصلاح طموحة. على العكس من ذلك، تظهر التحديات أن العراق ليس لديه بديل سوى التركيز على بناء الدولة والأمة، ومعالجة نقاط الضعف في نظامه الحاكم. لحسن الحظ، يظل دول جوار العراق وبقية المجتمع الدولي مهتمين بإعادة إعمار العراق، وإن كان ذلك بالتحفظات، لأنهم يعلمون أن الفشل في مساعدة العراق على إعادة البناء يمكن أن ينهار مكاسبه ضد داعش. لا تزال المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي ولدت من قبل الصراع الطائفي وخلق مساحة لداعش موجودة.

وعليه، فإن المسؤولية تقع على عاتق القادة العراقيين لتحقيق أقصى استفادة من تعهدات الدعم التي لا تزال مطروحة، وارتفاع أسعار النفط التي تعزز الثقة في الموارد المالية المستقبلية للبلاد. لقد حان الوقت للحكومة العراقية لتصميم استراتيجية واضحة بالتعاون مع الحكومات المحلية حول كيفية تخطيطها لتلبية توقعات الجهات المانحة وتنفيذ مختلف المشاريع. منذ انعقاد مؤتمر الكويت، عقد العراق انتخابات عامة تحولية وتم تشكيل حكومة جديدة في أكتوبر الماضي. في وثيقة رؤيته، أدرج رئيس الوزراء الجديد، عادل عبد المهدي، إعادة البناء كأحد الأولويات العليا لحكومته. العراقيون والشركاء الدوليون ينتظرون بشغف التحرك من بغداد بقدر كبير من التفاؤل والتوقع. سيحدد الوقت ما إذا كانت الحكومة الجديدة يمكنها تحقيق ذلك.

Comments are closed.