Back

جهود مكافحة الفساد في العراق

سنوات مَرت منذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أبريل/نيسان ٢٠٠٣ ولايزال الفساد يُمثل الشغل الشاغل لدى فئة كبيرة من المجتمع العراقي. وكنتيجة لذلك، أصبح الترويج لتخليص البلاد من هذا الوباء تقليداً سنوياً للحكومات العراقية المتعاقبة بما في ذلك حكومة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. في مؤتمره الصحفي في ٢٣ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٧، كَشفَ العبادي عن نيتهُ إطلاق حملة شاملة لمكافحة الفساد واعداً بأن حكومته “ستنتصر على الفساد مثلما فعلت مع تنظيم داعش.”

جهود العبادي في هذا الاطار تستحق الثناء، ولكن يجب الاعتراف بأنها ستواجه تحديات كبيرة وستتطلب برنامجاً وطنياً يتم من خلاله تغيير الكثير من الممارسات السياسية السائدة منذ ٢٠٠٣.

الفساد هو أحد الأعراض

يَنتشر الفساد في العراق بجميع اشكاله السياسية والإدارية والمالية وحتى الأخلاقية حيث تَسود، من بين عدة أمور أخرى، المحسوبية والرشوة والاختلاس والتهرب الضريبي الى الحد الذي أكتسبت فيه هذه الممارسات الصبغة المؤسساتية، متأصلةً في النسيج السياسي والاجتماعي للبلاد.

لإنتشار الفساد في العراق أسبابٌ متنوعة وعديدة. ومن بين تلك الاسباب هو ضعف سيادة القانون والمؤسسات الديمقراطية، مثل السلطة القضائية والتي أوجدت في الأساس لخدمة القانون، مما أدى الى تدهورعملية الحوكمة. ينتشر الفساد أيضاً بسسب التقاليد القبلية السائدة والتي تُشجع المسؤول على مساعدة المُقربين على حساب الأخرين، غالباً من دون معرفة إن مثل هكذا معاملات تفضيلية هي شكل من أشكال الفساد.

ينبغي التذكير بأن هذه الممارسات هي أعراض للفساد وليست سبباً له.في الواقع، يَكمن السبب الرئيسي لانتشار الفساد في العراق في النظام السياسي الذي أوجدته التَغيُرات السياسية في حقبة مابعد ٢٠٠٣ والتي، من أجل تعزيز التوافق والتعاون المجتمعي، نتج عنها تقاسم السلطة بين المجاميع الطائفية والعرقية الرئيسة في العراق: السنة العرب والشيعة العرب والأكراد. والأسوء من ذلك هو توسيع نطاق هذا التفاهم السياسي ليشمل مؤسسات الدولة والكيانات الحكومية المستقلة مما أضاف نوع من الشرعية على الكثير من الممارسات الفاسدة. من الأمثلة على هكذا الممارسات هوعملية توزيع المناصب القيادية في وزارات ومكاتب الدولة على أساس الولاءات الدينية والعرقية والقبلية.

ولأن الساسة الطائفيين رأوا في أنفسهم الفئة الشرعية المنتصره في”النضال” ضد دكتاتوية صدام حسين، أخذ الكثير منهم يشعر بأن له الحق في السيطرة على مؤسسات الدولة. وكدليل عن إمتنان الأخرين لهذا النضال، بدء الساسة، ومن ورأئهم ألاتباع المتنفذين، يشعرون بأن نضالهم يُعفيهم من المساءلة القانونية. بمعنى أخر، سُمح للأعتبارات السياسية والطائفية أن تأخذ الأسبقية على كافة الإجراءات القانونية الهادفة في الاصل الى حماية المؤسسات من الفساد وغيره من المخالفات القانونية.

الفساد والطائفية على مستوى المؤسسات

عندما أعلنت حكومة العبادي تصميمها علی القضاء على الفساد، أخذ الكثير من العراقيين يتساءلون : كيف يمكن القضاء على الفساد المستشري في مرافق الدولة وعلى أعلى المستويات؟

قد تكون لدى العبادي النية الصادقة، ولكن النوايا وحدها لاتكفي لإنقاذ البلاد من  قبضة الفساد والفاسدين. من الجدير بالذكر بأن محاولات الإصلاح السابقة فشلت تماماً لانها وقعت رهينة للاعتبارات الطائفية والاثنية والسياسية التي تميز نظام الدولة السائد. بناء على ذلك، من غير المرجح نجاح المحاولات الحالية للاصلاح في العراق بأي طريقة مجدية من دون إصلاح الثغرات على مستوى المؤسسات، وذلك لأن الفساد، في نهاية المطاف، لايقتصر فقط على بعض المسؤوليين ممن سَولت لهم أنفسهم إستغلال السلطة، بل هو جزء لا يتجزأ من نظام مؤسساتي قائم وَجدَ الفاسدون أنفسهم فيه. وقد سَمح نظام الدولة هذا الممارسات الفاسدة بأن تحل محل الحكم الرشيد.

إستغلال الزخم والتطلع للمستقبل

لتحقيق النتائج المرجوة، على العبادي أن يغتنم الدعم المحلي والدولي والزخم الناتج من هزيمة القوات العراقية لتنظيم داعش والحفاظ على وحدة العراق، كما و ينبغى عليه فعل مالم يفعله أي قيادي عراقي منذ ٢٠٠٣: إعطاء العراق الأولوية قبل الأحزاب والولاءات الطائفية.

 يحاول العبادي بأن يظهر كقائد حاسم ومتوازن على الصعيدين الأمني والدبلوماسي، لكنه الى الان لم يتعامل مع الفاسدين الذين حولوا مؤسسات الدولة إلى أقطاعيات شخصية وطائفية. لربما كان التغاضي عن ممارسات الفساد في الماضي ضرورياً، من وجهة نظر العبادي، للحفاظ على الإستقرار الجيوسياسي الهش أبان الحرب ضد تنظيم داعش.

الآن وبعد هزيمة داعش، من الناحية العسكرية على الأقل، فأن الضرب بيد من حديد ضد الفساد والفاسدين يُعد أداة فعالة لتعزيز قوة ومكانة الحكومة. في ضل وجود الفساد فأن سلطة ومصداقية الدولة والمؤسسات الديمقراطية تكون مُعرضة لخطر شديد. محاربة الفساد مهمه ايضاً في الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد في فترة مابعد داعش وذلك لأن الفساد والنظام غير الرشيد هما السببان الرئيسيان ليس فقط وراء الانهيار المفاجئ لقوات الأمن في الموصل والمدن العراقية ألاخرى، بل ايضا السبب وراء تجنيد العديد من المواطنين في فترة مابعد أعلان داعش لخلافته الإسلامية المزعومة.

من الامور المشجعة في مساعي العبادي الأخيرة لمكافحة الفساد هو تدويل القضية وذلك من خلال الاتفاق الذي تم توقيعه بين الحكومة العراقية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. بموجب بنود الاتفاق، تعمل الامم المتحدة على توظيف محققين دوليين لمساعدة نظرائهم العراقيين في التحقيق في قضايا الفساد الأكثر تعقيداً. يُعتبر هذا التعاون مهم جداً لأسباب عديدة. أولاً، أن تاريخ العراق مع الدكتاتوية أدى الى ضعف في خبرة المحققين المحليين في التعامل مع قضايا الفساد الحكومي والمؤسساتي من هذا النوع مما يستدعي الحاجة الى خبرات دولية. ثانياً، سيؤدي التعاون مع المحققيين الدوليين الى إكتساب التحقيقات للشرعية الدولية مما يجعل التنسيق مع الحكومات والبنوك الأجنبية أسهل في حالة، على سبيل المثال، تَعقب الحسابات المصرفية الخاصة بالفاسدين في الخارج. ثالثاً، سيؤدي التعاون الى زيادة شرعية التحقيقات على المستوى المحلي، وهذا أمرغاية في الاهمية في بلد عادة ما توصف فيه تحقيقات الفساد بالانتقائية وغيرالعادلة.

من الامور المشجعة ايضاً هي سجل العبادي، منذ تسلمه منصب رئيس الوزراء في ٢٠١٤، في مواجهة التحديات الصعبة سواء كانت سياسية أو اقتصادية او أمنية. ينبغي على العبادي أن يَغتنم النجاحات الاخيرة و الخبرة الفنية الدولية والدعم الشعبي العام لإستئصال الفساد المؤسساتي. سيتطلب ذلك القيام بعدد من الإصلاحات المؤسساتية التي من شأنها تعزيز سيادة القانون وتمكين إستقلال القضاء وهيئات التحقيق المستقلة الرئيسة ( لجنة النزاهة ومكتب المفتش العام وديوان الرقابة المالية الاتحادي) للتحقيق في قضايا الفساد الكبرى سيما أن تاريخ القضاء والهيئات المستقلة لايزال ضعيف في مقاضاة قضايا الفساد الكبيرة. ويرجع ذلك الى مجموعة من الاسباب من ضمنها تسييس السلطة القضائية وخوف بعض القضاة من إصدار أحكام قضائية ضد المتسلطين في الاحزاب وفشل الحكومة في تنفيذ لوائح الاتهامات الصادرة من السلطة القضائية، أحياناً للحفاظ على الوحدة الوطنية في ضل وجود الكثير من التهديدات في الماضي.

في عراق مابعد تنظيم داعش، ينبغي أن تأخذ الإجراءات الأسبقية على النوايا الحسنة والخطابة. وبالتعاون مع جهات فعالة محلية ودولية،  يجب على الحكومة العمل على صياغة ونشر خارطة طريق توضح اهداف الحكومة القصيرة وطويلة الامد لمحاربة الفساد. يجب أن تتجاوز الخارطة الحالات المألوفة في إدانة بعض المسؤولين من ذوي المناصب الدنيا بينما تُترك “قروش الفساد الكبيرة” من دون أن تُلمس بعد أن تمكنت أحزابهم من تحويل مؤسسات الدولة الى أدوات للمحسوبية والزبونية وسرقة الاموال العامة بما في ذلك من قبل أعضاء إئتلاف العبادي الحاكم. يجب أن تشمل التحقيقات أعضاء إئتلاف العبادي الحالي والمستقبلي الذي يسعى العبادي الى قيادته. في الواقع، وفي هذا الصدد، على الرغم من وجود الفساد في العراق منذ فترة طويلة الا أن هناك إتفاق كبير على أنه زاد بشكل كبير خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق والأمين العام لحزب الدعوة الاسلامي السيد نوري المالكي. إذا ماقام العبادي بصياغة وتنفيذ مثل هكذا خارطة طريق فأنه سيعمل على طمأنة المانحين في مؤتمر إعادة إعمار العراق والذي سيُعقد في الكويت في شباط/فبراير ٢٠١٨ بأن أموالهم السخية لن تضيع للفساد. هذا بالاضافة الى أن صياغة الخارطة سَتُلبي مطلب جماهيري كبير وبالتالي ستزيد من فرص العبادي في الفوز بولاية ثانية على رأس تحالف النصر في انتخابات مايو/أذار ٢٠١٨ المقبلة.

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

Comments are closed.