Back

التعليم كوسيلة للتحرر من داعش: نبذ التطرف في الموصل

مع إقتراب تحرير الموصل، تتوجه الانظار الى ديناميات مابعد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لکن في غياب سياسات مستوفية لنبذ التطرف بما في ذلك في نظام التعليم، فان المنهج الخاص بداعش سيبقی كامناً أو قابلاً للتحول مُتيحةً الفرصة لمجموعة متطرفة اخرى بالظهور.

 

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

 

إن عملية تحرير الموصل بات يحرز تقدما سريعا بشكل يصفها البعض على انها بداية لنهاية تنظيم داعش، ومع ذلك فان هزيمة قوات هذا التنظيم لاتعني بالضرورة هزيمة الآيدولوجية التي يتبناها التنظيم. ومن المهم ادراك ان الانتقال الى مرحلة الحكم الذي يلي داعش يتطلب في فحواه مراعاة للتأثير الذي أحدثته سيطرة داعش على الشعب منذ 2014 وبالأخص في مجال التعليم. ما يُناقشه هذا البحث هو أنه على الرغم من أن التنظيم أستخدم نظام التعليم کجزء رئيسي لإحداث التأثير، إلا أنه يُمكن استخدامه بالمثل في هزيمة هذه الفئة: وهذا يعتبر مثالاً للدورالثنائي الذي يلعبه التعليم، البناء والهدام. يسلط هذا البحث الضوء علی خطوات سياساتية رئيسة مُصممة لتمهيد الطريق أمام عملية تحرير الموصل وذلك بناءاً على عدد من المبادرات المُطورة عالمياً.

 الدور الهدام: نظام التعليم تحت سيطرة تنظيم داعش

لقد استخدم تنظيم داعش نظام التعليم لدعم سيطرتهم بطريقة تمت مقارنتها بالحركة النازية الألمانية حيث أنهم قاموا بحذف مواد ومواضيع كالتأريخ والفن والجغرافية والأدب والموسيقى من المناهج واستبدالها بتدريس المهارات اللازمة لتكوين أعضاء فاعلين في مايسمونه بالخلافة، وسواء كان ذلك بالمشاركة في البيروقراطية كأمهات أو كجنود متكاملة. على سبيل المثال، تضمنت الكتب الانكليزية التي وُجدت في الموصل والتي تُدرس لعُمر الـ ١١ عاماً تمارين تُعلم طريقة قراءة الوقت الخاص بالساعات والمنبهات المربوطة بالديناميت، أما كتب قواعد اللغة العربية التي تُدرس للأعمار التي تتراوح بين ٧-٨ أعوام فقد تضمنت أمثلة وردت فيها كلمات كالتفجير والشهيد. ان احتكار داعش على عملية التعليم امتدت ايضاً الى التعليم العالي حيث انهم اعادوا فتح جامعة الموصل واطلقوا عليها اسم الجامعة الاسلامية. بالاضافة الى انهم أغلقوا الأقسام الخاصة بالقانون والعلوم السياسية وعلم الأثار والتعليم الجسدي والفلسفة والسياحة. وبهذا فقد تم تشريع العنف في حياة هؤلاء الشباب بطريقة غير مباشرة من خلال نظام داعش واخرى غير مباشرة من خلال تدريسهم النسخة الداعشية لمفهوم التقوى.

ان التعرض الى مستوى العنف الذي يُمارسه تنظيم داعش يُمكن أن يؤدي الى حالة اضطراب وتوتر صادمة وهي حالة تجعل من الصعب جداً للشخص أن يعمل ويتواصل مع المجتمع، وبشكل خاص فان داعش كان لديها تأثيراً مباشراً على تشكيل معتقدات وقيم الأطفال وبالأخص اولئك الذين تم تجنيدهم كجنود. وقد تفاخر أحد المقاتلين الدواعش “لقد تم زرع العقيدة الصحيحة في هؤلاء الأطفال، جميعهم يُحبون أن يُقاتلوا من أجل تأسيس الدولة الأسلامية ومن أجل الله”. بالرغم من ادعاءات الرجل الديني السني خالد المُلا بأن هؤلاء الأطفال والشباب تم غسل عقولهم إلا أن هذه الحالة قابلة للعلاج حيث ان الطابع الأخلاقي لدى هؤلاء الفئة غير ثابت ومن الممكن تطويره و تحسينه. ان السياسات التي تتمحور وتُعالج هذه القضية تحتاج أن تُنفذ من أجل التأكد بأن الجيل القادم قادر على خلق حوار جديد للتقدم للأمام ويقع نظام التعليم في موقع فريد من شأنه أن يخدم هذه الوظيفة وذلك نظراً لدوره الرئيسي في المجتمع.

الدور البناء: تمهيد الطريق الى الأمام

الاصلاح في التعليم: هناك فرصة للقيام بالاصلاح في المجال التعليمي في الموصل. بالرغم من أن العراق كان سابقاً سباقاً في مجال التعليم في المنطقة إلا أن هذه السمعة أخذت بالانحدار حتى قبل سيطرة تنظيم داعش. يتطلب هذا الأمر دراسة منفصلة ومن الممكن أن تشمل نظاماً من مستويين على المدى القصير وذلك لتلبية احتياجات هؤلاء الذين درسوا وفقاً لنظام داعش واولئك الذين لم يتلقوا التعليم تحت نظامهم لحين يتم دمج جميع الطلاب تحت نظام موحد. من القضايا العملية الاخرى المطلوب معالجتها هي انتاج وتوزيع الكتب المدرسية التي تتفق مع المناهج الوطنية المُعتمدة فضلاً عن الأطفال المعدومي الهوية والذين وُلدوا في وقت منعت فيها داعش دخولهم للمدارس. الى مدى معين سيُساعد الاصلاح التعليمي مع التحسينات الاخرى الخاصة بالعوامل التي تنبثق من عملية التحرير والتعمير المتتابع للموصل في نبذ التطرف بشكل غير مباشر. ويمكن أن يحدث هذا من خلال توفير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الضرورية لمنع عملية التجنيد في المنظمات الارهابية وبشكل خاص إذا كان نظام التعليم موجهاً بشكل جلي باتجاه التوظيف وكما هو الحال في برنامج باكستان.

الاستثمار في التعليم: يحتاج نظام التعليم الى استثمار ومن ضمنه الأفراد العاملين فيه حيث ان الكثير من التدريسين والموظفين المدنيين وكما وردت اعلامياً تم اعدامهم من قبل داعش لرفضهم قبول التغييرات التي أدخلتها داعش على المناهج، لذلك لابد من إعادة احداث التأثيرات المعتدلة. كذلك ينبغي أن تُطبق الاجراءات الرقابية في الموصل كما هو الحال في المملكة العربية السعودية للتأكد من أن التدريسين لايدعون للمواقف ‘المتطرفة’. من الممكن أن يتم إدارة وتنفيذ هذه العملية عن طريق أشخاص مؤهلين ومدربين محليين نظراً لفهمهم للانشقاقات بين الفئات في البلد مع إمكانية وجود الإشراف الدولي إذا لزم الأمر.

نقاش حول الاسلام: يتطلب العامل الديني تضميناً في سياسات نبذ التطرف في التعليم. بالرغم من أن دور الاسلام بين جماعات مثل داعش يعد أمراً متنازعاً عليه إلا ان الدواعش استخدموا الاسلام كمبرر لأفعالهم ويجب ان يتم معالجة هذا الـتأويل الخاص بالدين. من الممكن أن يشمل ذلك انخراط للشخصيات الدينية في السياسات المقترحة وبالأخص ضمن مشروع الرقابة المقترح على الرغم من أن اجراءات التدقيق يجب أن تُنفذ من قبل هيئة مستقلة. على كل حال يجب أن تُصمم هذه السياسة وفقاً للسياق وأن تُراعي ايضاً الأقليات التي تسكن في الموصل بدلاً من فرض صيغة من الدين مفروضة من قبل الدولة. لذا ففي بيئة الصفوف الدراسية يجب التركيز غلى النقاشات الأخلاقية والقيم المشتركة للسماح بالشمولية فإذا كان الاسلام يُدرس كموضوع في الصفوف الدراسية فان القيم الاسلامية كالتسامح مع الاديان الاخرى والعدالة وماإلى ذلك يمكن ان تُركز فيها وكما هو مُتبع في الجزائر.

النشاطات الصفية: ينبغي اعطاء الطلاب الفرصة للتغلب على المعتقدات التي تم نقلها ضمن بيئة داعمة حيث انه من المهم جداً ان تُصمم فعاليات ومبادرات بطريقة تلائم العمر من حيث المضمون والشكل. قد تتضمن تلك الفعاليات او المبادرات ورش عمل وبرامج للنقاش (كما هو مطبق في البنغلاديش) او أنشطة مثل الألعاب والتمارين ولعب الأدوار (كما هو مطبق في الدنمارك) او القاء محاضرات في المدارس والجامعات (كما هو الحال في المملكة العربية السعودية) او انشطة كوميدية في المدارس تحمل في مضمونها رسالة تعادي التطرف (كما هو الحال في الأردن) او فعاليات ومبادارات على الانترنت مثل تلك التي تُعرض في المواقع الالكترونية التي تطرح فيها حوارات معاكسة والتي تتضمن عدة انواع من الحملات العالمية التي تهدف الى مواجهة ونبذ التطرف.

ومن المهم أن تكون هذه البرامج على قدر كبير من التفاعل بشكل يسمح للطلاب التعامل مع الموضوع بشكل كامل وتحليل المعلومات المنقولة لهم. ويجب ايضاً تحديد العناصر المناسبة للمشاركة في هذه البرامج مع امكانية مشاركة عناصر المجتمع المدني لتعزيز فعالية هذه المبادرات. بينما يتضمن البرنامج الخاص بايرلندا الشمالية والمسمى من السجن الى السلام قصص يرويها مسلحين سابقين وضحايا والتي تأسست من قبل التحالف من أجل اندونيسيا سلمية إلا أنه قد لايكون من المستحسن وضع هكذا مجاميع في الموصل في هذه المرحلة وذلك لتجنب خلق توتر اضافي واضطراب عاطفي ومع ذلك فمن الممكن أن تكون هذه المبادرات ذا فائدة على المدى الطويل.

 مشاريع وبرامج توجيهية: توفير برامج دعم مباشرة موجهة من فرد الى اخر مطلوبة ايضاً لفئة شباب معينة كالطلاب ذوي المعتقدات الراسخة وهي ميزة من المرجح أن تنتشر لدى فئة عمرية محددة تكون فيها الفعاليات والمبادرات الصفية على مستوى غير كافي. لذلك يمكن تطبيق برامج توجيهية يُسمح فيها للطلاب طرح ومجادلة افكارهم في جو آمن وينبغي على الأشخاص الذين يتولون هذه البرامج أن يكونوا مدربين تدريباً كاملاً ومحاورين ذوي مصداقية ومحل احترام من قبل الطلاب. بالاضافة الى ذلك فالاستشارة والدعم النفسي ضرورية لأفراد معينين كما هو مطبق في مركز ساباؤن الابتكاري في الباكستان والخاص بالمقاتلين السابقين اليافعين وايضاً في دول اخرى كالمملكة العربية السعودية التي تطبقها مع السجناء. هناك ايضاً حاجة لتدريب الكادر الموجود في المدارس والجامعات للتأكد من قدرتهم على توجيه الطلاب الذين هم في حاجة الى هذه البرامج واستخلاص الدروس الخاصة بحالات من تلك التي تُدرس في المملكة المتحدة والتي أدت الى خلق مناخ مثير للتساٶلات.

 الخاتمة: التقدم بحذر

ان سياسات تضمين نبذ التطرف في المناهج الدراسية ينبغي أن تُعامل بحذر حيث ان التعليم ميدان مهم للفكر الحر، ومن الضروري أن لايتم اعاقة هذا الأمر. ان مسمى نبذ التطرف في حد ذاته مثير للجدل وبالأخص لأن التطرف مصطلح متنازع عليه، لذا فان الطريقة التي تُقدم فيها هذه السياسات لديها أثار وتأويلات هامة لتصورها وتقبلها. ينبغي كذلك تطوير برامج للشباب في الموصل مع مشاورة الخبراء لتقدير التأثيرات المتعددة للعمر والجنس على تجارب الطلاب. إن صيغ المراقبة والتقييم ينبغي أن تُنفذ من أجل تقييم تأثير البرنامج بشكل مستمر خصوصاً بأن تقييمات برامج مماثلة محدودة. بالأضافة الى ذلك يجب أن تكون هذه المبادرات جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً حيث أن المعتقدات لوحدها لاتسبب نشاط ارهابي. ومن الواجب ايضاً التأكيد على مسألة أنه بالرغم من أن هذه المقالة كُتبت لديناميات الموصل إلا أن برامج نبذ التطرف مطلوبة في العراق كله. على الرغم من هذه التحفظات فان سياسات نبذ التطرف في التعليم هي مطلوبة بشدة في الموصل نظراً للظروف الفريدة فيها وذلك تجنباً لعودة ظهور مجموعة مماثلة بين الجيل القادم، وهذه بدورها تعد تهديداً أمنياً من الممكن أن يكون له تداعيات خطيرة.

 

 

انقر هنا لتنزيل الملخص السياسي

 

 للإقتباس: Cook, M. (2016) Education as a way out of IS: Deradicalisation in Mosul, MERI Policy Brief. vol. 3, no. 23.


الآراء الواردة في هذا المنشور تعکس آراء الكاتب وليس بالضرورة مٶسسة الشرق الأوسط للبحوث.

 

Comments are closed.