Back

السياسة الخارجية لترامب في الشرق الأوسط: أربع قضايا رئيسية

سيواجه قريباً الرئيس التالي للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترمب صعوبة ترجمة خطاباته الانتخابية حول سياسته الخارجية التي يتبعها في الشرق الأوسط الى معطيات سياساتية وايجابية. لذا فهو على الأغلب مجبر أن يقدم اعترافات مهمة.

انقر هنا لتنزيل الملخص سياساتي

في 8 تشرين الثاني 2016 تم انتخاب دونالد ترامب الرئيس الـ45 للولايات المتحدة وتسارع العديد من القادة حول العالم بتهنأة الرئيس المنتخب الجديد لنصره في الانتخابات. إلا انه وبعد عام ونصف من الحملة الانتخابية هناك الكثير من الاسئلة المتعلقة ومازالت حول وجهة نظر ترامب تجاه السياسة الخارجية بشكل عام وتجاه الشرق الأوسط بشكل خاص. تُوضح هذه المقالة كيف من الممكن ان تبدو السياسة الخارجية لامريكا في المنطقة في السنوات الأربع القادمة وذلك من خلال التركيز على وجهة نظر ترامب حول أربع قضايا رئيسية. الصورة التي تظهر للعيان تتسم بالانعزالية المتمركزة على الداخل وهذه الصورة منبثقة بشكل رئيسي من نتائج ملموسة على المدى القصير تربط مابين افضلية للشؤون الداخلية و تشكيك حاد حول الانخراط بالشؤون الخارجية ومع ذلك فان ترامب مجبر على الأغلب أن يقدم اعترافات مهمة حول وعوده الانتخابية فيما إذا كان ينوي أن ينمي المصالح الوطنية للولايات المتحدة في المنطقة وبشكل خاص الأمن القومي.

صفقة ايران

لقد وعد ترامب مراراً وتكراراً أن يتخلص من صفقة السلاح النووي المعقودة مع ايران وفي الحقيقة فقد ذكر ترامب بأن الأولوية رقم واحد لديه ستكون بالتفكك من الصفقة الكارثية مع ايران ولكنه بعد ذلك اصبح يخفف من وطأته على الأمر ذاكراً بأنه يُفضل أن يُعيد التفاوض في بنود الصفقة. ومن هنا نطرح سؤالين: هل يستطيع ترامب أن ينهي الصفقة؟ وهل سينهيها؟

كاجابة لانتصار ترامب في الانتخابات قال الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير الخارجية محمد ظريف بأن الادارة المستقبلية لامريكا ينبغي أن تمتثل للالتزامات الخاصة بالصفقة النووية المتعددة الاطراف وبأنه لايمكن أن تُقلب الصفقة بقرار حكومة واحدة. بما أن الصفقة مُصاغة كاتفاق تنفيذي يسمح بتجاوز الكونغرس المُعادي فان الرئيس الامريكي الجديد ترامب يستطيع بالحقيقة أن يستخدم سلطته التنفيذية لينسحب من الصفقة وإعادة فرض العقوبات الامريكية ولكن الصفقة المتعددة الاطراف تتضمن ستة دول اخرى بالاضافه الى الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة والذي لايمكن فيه الرئيس الامريكي المنتخب الجديد أن يُجبرهم أن يتبعوا خطاه. وفيما إذا لم يتبعوه فهنا ستخاطر امريكا كونها ستنعزل وستضع نفسها في موقع لاتستطيع فيه أن تستفيد من الصفقة ولا أن تفرض نظام متماسك وشديد من العقوبات على ايران.

بالاضافة الى ذلك فان الغاء او اعادة التفاوض حول الاتفاقية سيكون ذو تكلفة كبيرة على الصعيد الدبلوماسي والسياسي في الساحة الدولية حيث انه سيُحبط الحلفاء والمنافسين على السواء وسيُدمر مصداقية امريكا في الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي يتفاوضون عليها ويبرمونها. من هنا فمن الوارد جداً أن الادارة القادمة لامريكا ستبحث عن طرق تُثبت فيها أن ايران تنتهك بنود الصفقة وذلك بدلاً من أن تُلغي أو تُعيد التفاوض في الصفقة كلياً وبذلك تكسب دعم الدول الاخرى لالغاء الصفقة.

 الصراع ضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق

ستبقى الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية في مقدمة اولويات الولايات المتحدة تحت رئاسة ترامب وبينما نجد أن ترامب يُعارض الوجود العسكري لامريكا في الساحة فانه مايزال يحتاج أن يبتكر استراتيجية طويلة المدى تتجه ببساطة الى أبعد من قصفهم للتنظيم. يبدو أن الرئيس الامريكي المنتخب الجديد يُريد أن ينفصل من العراق بشكل تام حيث انه وكما يقول ان “ايران تُسيطر الان على العراق وقد صرفنا ترليونين دولار على العراق وخسرنا الالاف من الأرواح ولدينا جنود جرحى وليس لدينا أي شيء، نحن حتى لانستطيع أن نذهب الى هناك وكل مرة نُعطي فيها معدات الى العراق فان أول ماتنطلق رُصاصة في الهواء فانهم يفرون”.

إن رأي ترامب السلبي تجاه الحكومة العراقية مغاير تماماً لمدحه للقوات الكردية وبادلائه بالحاجة الى قوات برية لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية فانه ينوي أن يحشد الدعم وبشكل مميز للمجموعات الكوردية التي تُقاتل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق. قام ترامب وفي عدة مقابلات بمدح المقاتلين الأكراد وبأنه سيُزيد دعم الولايات المتحدة قائلاً “يجب أن نُسلح الأكراد…لقد أثبتوا بأنهم الأكثر اخلاصاً لنا ولديهم قلوب كبيرة، وهم مقاتلون اشُداء وينبغي أن نعمل معهم أكثر”.

ليس واضحاً فيما إذا كان ترامب قد اخذ بعين الاعتبار النتائج التي تتأتى من الدعم العسكري المتزايد للأكراد دون بغداد حيث أنها سوف لن تُسبب فقط احتكاكاً بين الشركاء المتعاونين وانما معظم الأراضي المُسيطرة من قبل تنظيم الدولة الأسلامية بعيدة ايضاً عن المناطق الكوردية وبالرغم من تعبير ترامب المحبط بخصوص تريليونات الدولارات المصروفة من قبل الولايات المتحدة في العراق والعائد المنخفض الظاهر من هذا الاستثمار ففي الحقيقة ان رؤيته لايران وارثائها بأنها “تُسيطر على البلد ]اي العراق[” يقترح بأن التملص الكامل سوف لن تكون السياسه المُفضلة لديه بل وعوضاً عن ذلك فان حقيقة التكاليف الغارقة فيها امريكا والمربوطة بالعراق تعني أن ترامب يرغب بالاستمرار في دعم بغداد عسكرياً ومالياً وبشكل كبير وبشروط أكثر شدة.

 اسرائيل

ان موقف ترامب حيال اسرائيل يبدو معارضاً كلياً لاسلافه من الرؤوساء وفي الحقيقة إذا ماقدِم ترامب على تنفيذ وعوده الانتخابية فانها ستسير عكس السياسة الخارجية المتبعة في الولايات المتحدة والمتأصله لعقود. على سبيل المثال وعد ترامب أن يقر بالقدس كعاصمة لاسرائيل وبأن ينقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس. وبهذا سارع نتنياهو الى الاتصال بالرئيس المنتخب الجديد وتهنئته ومناداته بالصديق الحقيقي لاسرائيل وبالرغم من أن ترامب نفسه يرغب أن يرى فيما إذا كانت هناك إمكانية للتفاوض على السلام فانه لايُدين مسألة بناء اسرائيل للمستوطنات في الأراضي المستعمره ولايُفكر أيضاً أن تكون هناك مهلة خلال التفاوضات. على سبيل المثال في مقابلة له قال ترامب “ينبغي على اسرائيل أن تستمر بالمضي وينبغي أن تستمر في التقدم الى الأمام. كلا لاأعتقد أنه ينبغي أن تكون هناك مهلة”.

وبالتالي أشاد وزير التعليم المتشدد لاسرائيل نفتالي بينت بانتخابات ترامب معتبراً إياها نهاية للحل الخاص بالدولتين في حين دعا وزير العلوم الاسرائيلي اوفير اكونز مباشرةً لبناء مستوطنات أكثر في الجناح الغربي.

افغانستان

إن رأي ترامب تجاه افغانستان يعد انعزالياً بشكل واضح وذلك تماشياً مع وجهات نظره تجاه العراق. فبالرغم من ان الحرب في افغانستان حصل على اهتمام ضئيل من قبل كلا المرشحين خلال الحملة الانتخابية فان ترامب كان يدعو باستمرار لسحب كامل للقوات الامريكية وفي شريط فيديو قصير محمل على اليوتيوب بتأريخ 12 أذار 2012 أشار الى افغانستان على انها “كارثة كلية كاملة” وذلك قبل أن يجادل بمسألة “أنه ينبغي أن تُصرف الأموال على بلدنا … دعونا نخرج من افغاستان”. وفي مناسبة اخرى حديثاً في 11 كانون الثاني 2013 غرد قائلاً “دعونا نخرج من افغانستان. إن جنودنا يتم قتلهم على ايدي الأفغان الذين ندربهم ونبذر البلايين هناك. هذا هراء! لنعيد بناء الولايات المتحدة الأمريكية.”

مع تدهور الموقف الأمني بمرور الوقت، تُسيطر قوات طالبان الأن على أراضي أكثر من أي وقت سابق منذ 2001. بالأضافة الى ذلك فان المنظمات الارهابية كالقاعدة وتنظيم الدولة الأسلامية قد بدأوا بالحصول على موطئ قدم جديد في البلد وبعد أكثر من 15 عاماً من بدء الحرب مازالت القاعدة تملك مرافق تدريبية في البلد. بما ان سحب الجيش قبيل أن تكون الحكومة المحلية مستعدة لتسلم زمام الأمور يعد خطراً فان الرئيس اوباما كان قد وعد بابقاء 8400 جندي امريكي منتشر في البلد حتى نهاية مدة حكمه وترك الأمر لخليفه لعمل تقليلات اخرى. لقد عبر ترامب عن رغباته بشكل واضح ولكنه إن كان مصراً على سحب القوات فان الولايات المتحدة ستحتاج أن تعمل بشكل أقرب مع ايران وكما عملوا به من قبل. لذا ينبغي على الرئيس المستقبلي ترامب أن يناور بشكل حذر من أجل أن يخفف الصدام بين الرغبة في “الانفصال” أو اعادة التفاوض في مسألة صفقة ايران ورغبته في ترك افغانستان.

 العالم الجغرافي السياسي المجرد من التقدم المباشر

ليس من السهل على ترامب أن يوازن بين رؤيته الانعزالية الخاصة بالابتعاد عن شؤون العراق والانسحاب من افغانستان وأهدافة السامية طويلة الأمد حيال تطوير الأمن القومي الامريكي ومحاربة الارهاب. تستطيع امريكا أن تنسحب فقط إذا كانت تؤسس وتحافظ على علاقات قوية مع الشركاء المحليين وهذا الأمر لايتطلب فقط مزيداً من الوقت وإنما الى إقامة علاقات متوازنة ودقيقة في المنطقة بما فيها علاقات امريكا مع دولة اسرائيل وكذلك مع الأكراد في العراق وسوريا. بالأضافة الى ذلك فان هذا الأمر محل تهديد من شأنه أن يُطيح برغبته في الغاء صفقة ايران لذا يحتاج ترامب أن يُدلي باعترافات بخصوص وعوده الانتخابية. على الرغم من أنه سيكون سهلاً ومغرياً بالنسبة اليه أن يُكثف دعمه وبشكل غير مشروط لاسرائيل إلا ان هذا سيعزل امريكا من المنطقة وذلك من خلال ابعاد شركاء اخريين منتجة عن ذلك تقويض وهدم للأهداف الطويلة المدى في الحرب ضد الارهاب.

أما بالنسبة للكورد في العراق فمن الممكن أن يكون مغرياً لهم أن يركبوا موجة الدعم الترامبية على أكمل وجه ذلك لأنها قد تساعد في دفع هدفهم الخاص بالاستقلال. ومع ذلك على الكورد في العراق أن يكونوا يقيظين للمخاطر ويوازنوا علاقتهم مع الولايات المتحدة بحذر وذلك لتجنب الاحتكاك مع الممثلين الاقليمين الاخرين كتركيا وايران والسعودية العربية وبغداد.

 

  انقر هنا لتنزيل الملخص سياساتي

 

 للإقتباس: van Zoonen, D. (2016) Trump’s Foreign Policy in the Middle East: Four Key Issues, MERI Policy Brief. vol. 3, no. 18.


الآراء الواردة في هذا المنشور تعکس آراء الكاتب وليس بالضرورة مٶسسة الشرق الأوسط للبحوث.

Comments are closed.